تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المرأة العاملة مستغلَّة أم متهمة بالأنانية؟!

الدكتور أحمد عبد القادر المعبي

الدكتور أحمد عبد القادر المعبي

أحمد صالح

أحمد صالح

الدكتورة منى الصواف

الدكتورة منى الصواف

الدكتورة عفاف احمد زقزوق

الدكتورة عفاف احمد زقزوق

أصبح عمل المرأة حزام الأمان الذي يشترط الرجل أحياناً وجوده في زوجة المستقبل، لتكون له سنداً في الإنفاق على البيت. ولكن قد ترى الكثيرات من السيدات أن إجبارهن على نفقة المنزل هو استغلال غير مقبول. فالمرأة تريد العمل دون التزامات كون الدين والتقاليد تحتم على الزوج النفقة، بينما يجد الرجل أن موافقته على خروجها من البيت يجب أن يكون عليه ضريبة تدفع ثمنها الزوجة العاملة دون نقاش! «لها» تسأل في هذا التحقيق: لماذا تعمل المرأة؟ وهل هي مستغلَّة أم أنانية؟ 

«عمل المرأة ومشاركتها للنفقة على البيت تؤدي إلى رجل اعتمادي ومتكاسل». هذا ما أكدته حصة سعيد (45 عاماً) التي تعمل مدرّسة حكومية للمرحلة الابتدائية. تقول: «المشاركة ومساعدة الزوج مادياً ليسا خطأً، ولكن للأسف تتحول هذه المساعدة والمبادرة مع الوقت إلى فرض وواجب، لأن الزوج يعتاد ويعتمد على وجود معيل آخر للأسرة. من تجربة شخصية أنصح السيدات العاملات بوضع حدود لمسألة المشاركة المادية في المنزل. ففي بداية زواجي ولوجود ديون متراكمة على زوجي تشاركت معه مصروف المنزل بالتساوي، ورغم مرور سنوات عديدة لا أزال الآن متكفلة بمصاريفي الشخصية، ومصاريف الأولاد، والسائقين، والفواتير، والمناسبات. في حين يبقى زوجي مهملاً لواجباته تجاه المنزل والأسرة».


المشاركة في النفقة استغلال للمرأة العاملة

وتقول نسرين حمام (27 عاماً) التي تعمل في مجال التسويق: «المرأة بطبيعتها معطاء ولا تستطيع أن ترى أولادها في حاجة وتُهمل متطلباتهم عند كل السيدات مبدأ المشاركة والعطاء موجود، ولكن ما يحصل أن المرأة تشارك في واجبات الرجل بكل ما أوتيت من قوة بينما هو لا يفكر في مشاركة المرأة في واجب من واجباتها، مما يعني أن الكفتين غير متساويتين أبداً مما يجعل كل سيدة تشعر بأنها مستغلة ومستهلكة من زوجها، فهي تعمل داخل البيت وخارجه، بينما ترى الزوج يمضي معظم وقته بعد العمل مع الأصدقاء، وفي المقاهي، والاستراحات في سبيل الترفيه عن نفسه، وأخذ قسط من الراحة من أعباء العمل».

وفي رأي مخالف تقول مها فواز (48 عاماً) التي تعمل في صالون تجميل: «أنا من أشد المؤيدين لعمل المرأة في سبيل تكوين حياة كريمة لأسرتها، فالمرأة عليها أن تتفانى في تلبية احتياجات أسرتها. فأنا والحمد لله وبعد سنين طويلة في العمل، ورغم الدخل البسيط الذي أتقاضاه في مهنتي، استطعت بجهدي بناء منزل لي ولأولادي لتأمين المستقبل، فالمرأة الساذجة هي التي تفكر بأنانية وتضيع عملها في سبيل كماليات ومظاهر لا تشبع ولا تغني من جوع».

وترى إيمان علي (35 عاماً) الموظفة في القطاع الخاص أن «وظيفة المرأة الأساسية أن تربي أطفالها، لكن ظروف الحياة ومتطلباتها اليوم تغيرت كثيراً وأصبحت المرأة تضطر للخروج للعمل لتضمن لنفسها دخلاً مستقلاً كبداية، ولتساهم في نفقات منزلها ومتطلبات أسرتها من جهة أخرى». وتقول: «الاستقلال المادي يمنح المرأة قوة تحرر قراراتها في الزواج والطلاق. فلا تضطر أن تبقى في زواج لأنها لا تعرف كيف تعيل نفسها. فالعمل يوفر لها نوعاً من الأمان ويمنحها استقلالية وقوة، لذا لا بد أن تتأكد أن تضمن لنفسها دخلاً كافياً يغنيها عن الحاجة والاعتماد الدائم على رجل ينفق عليها، ومن ثم يمكن أن تشارك في مسؤوليات المنزل. فليس من العدل أن تعمل المرأة، وتهتم بالمنزل، وتقوم على رعاية أبنائها، وأيضاً تشارك مادياً في نفقات المنزل. عليها أن تعمل لتوفر لنفسها دخلاً».


«فوبيا» التساوي مع الرجل تسيطر على عقول السيدات

وفي حالة أخرى يعد عمل المرأة خارج بيتها ومشاركتها في مصروف البيت مصدر خلاف مستمر وفق ما يؤكده محمود العراوي (49 عاماً) الموظف في القطاع الخاص، فيقول: «سبب خلافي المستمر مع زوجتي هو عملها وتمسكها المفرط به. ففي بداية حياتنا كنا نعاني أزمة مالية استوجبت عملها خارج البيت، ولكن وبفضل الله تحسنت أوضاعنا المالية، ولم يعد هناك ضرورة لأن تهمل بيتها وأسرتها من أجل العمل. ورغم ذلك ما زالت متمسكة بالعمل. فهي تريد أن تكون متساوية معي في كل الأمور، ولا تريد أن تساعد في مصروف البيت، وهذه أنانية، وبالذات حين تكون المشكلة الحقيقية في كون عملها ينعكس على البيت وجوّه العام. فهي متعبة بعد دوام العمل، ومعتمدة على الخادمة في كل أمور المنزل، وعلى الدوام تذكرني بتضحياتها ومشاركتها لي في مصروف البيت، وراتب الخادمة. أنا أرى أن بقاء المرأة في بيتها وممارسة مهنتها الطبيعية في التربية وتدبير أمور المنزل أولى من عملها خارج المنزل».

 
ليس من العيب أن يعاون الرجل زوجته في أمور البيت

يقول أحمد صالح (39 عاماً) الموظف في القطاع الخاص: «الزواج مبني على مبدأ المشاركة والمعاونة والتنازل، فإذا لم يتوافر ذلك في أحد الطرفين يُعد ذلك ظلماً للطرف الآخر. ليس عيباً أن يعاون الرجل زوجته في أمور البيت والأولاد، وكذلك ليس هناك مانع من أن تعمل المرأة في سبيل توفير حياة كريمة لأسرتها. على الطرفين أن يقدما تنازلات، وعدم الوقوف عند نقطة الانفصال في الواجبات لأن ذلك سينعكس على العلاقة بين الزوجين».


الدكتورة منى الصواف: الفكرة الخاطئة التي تسيطر على الرجل هي أنه يملك المرأة وما تملك أيضاً

تقول الدكتورة منى الصواف، استشارية طب نفسي ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد في جدة وخبيرة دولية في علاج الإدمان عند النساء: «لا تقتصر مشكلة الخلافات على نفقات البيت ومشاكل المصاريف على المجتمع السعودي، بل تشمل كل بيت لم يتم فيه الاتفاق على الأدوار والمسؤوليات من بداية الزواج. والمشكلة الأساسية هي عدم وجود رؤية واضحة للرجل السعودي عن دور الزوجة، فهو يظن أنه يملكها ويَملك ما تملك، وأنه بمجرد سماحه لها بالعمل تصبح مجبرة على دفع ثمن مقابل ذلك. وهذا الشيء لا يقبله عقل ولا شرع،  ولكن للأسف بعض عادات الأهل الخاطئة ربت جيلاً يرفض المشاركة ونمّت لديه حب التملك.  فنجد أن لكلا الطرفين مفاهيم خاطئة، فالمرأة لديها مشكلة في فهمها لمعنى الاستقلالية،  والرجل لدية مفهوم خاطئ في فهم معنى التملك والقوامة، وكلا الطرفين متشبث بمفهومه الخاطئ دون محاولة فهم الطرف الآخر».

وأضافت الصواف: « رغبة المرأة السعودية في العمل لا تنبع من كونها تحب تقليد سواها بل من إثبات ذاتها أولاً، ولإعالة أسرتها ثانياً. ففي المجتمعات الأجنبية نجد مبدأ المشاركة في كل شيء وهذا شيء ممتاز كونه يضمن للطرفين حقوقهما. فعند حصول الطلاق في المجتمعات الغربية يمكن للزوجة أخذ نصف ما يملك الرجل، بينما في مجتمعاتنا العربية قد تكون للرجل زوجة لأكثر من 30 عام، ويطلقها دون أن تحصل حتى على حقها في المؤخر، لذا تلجأ المرأة السعودية إلى أخذ حقها الشرعي بالنفقة ولو كانت تعمل. فكونها تريد حقها الشرعي في النفقة والاحتفاظ براتبها يدل على كون المرأة السعودية لا تشعر بأمان مع الرجل».


الدكتورة
عفاف احمد زقزوق : حب المظاهر والأنانية سلوكيات تربوية تأصلت في المجتمع

تقول الدكتورة عفاف احمد زقزوق مديرة مركز إيلاف للاستشارات الأسرية والتربوية: «أن المشكلة الحقيقة تكمن في التربية والتنشئة الاجتماعية والأهل. فللأسف تربي بعض العائلات أبناءها الذكور على الاعتماد على أخواتهن الإناث في كل شيء، فيكبرون على مبدأ أن وظيفة المرأة هي خدمة الرجل. وكذلك هناك بعض الأمهات يربين بناتهن على حب المظاهر والتعلق بالمادة، وعلى الأخذ بلا مقابل وبدون تعب. وهذه السلوكيات التربوية الخاطئة تؤسس لجيل غير مسؤول يميل إلى الاعتماد على الغير بدرجة كبيرة».


الدكتور
أحمد عبد القادر المعبي: قوامة الرجل تكون بالإنفاق على زوجته

في الرأي الشرعي لموضوع مشاركة الزوجة لزوجها في أمور المنزل المادية يقول الدكتور أحمد عبد القادر المعبي، وهو مأذون شرعي ومحكم قضائي: «أصل النفقة على الرجل، فهو المتكفل بأمور المنزل المادية جميعها. ولكن إذا أرادت المرأة العمل واشترط عليها زوجها مقابل ذلك أن تدفع أجر الخادمة مثلاً أو تتشارك معه في مصروف المنزل، فلا بأس إذا كان هناك اتفاق بين الطرفين، لكن إذا اشترطت الزوجة في عقد النكاح العمل من الأساس فلا يحق للرجل إلزامها دفع مصاريف البيت. ومن حسن العشرة والمعروف أن تساهم الزوجة في مصاريف المنزل ومتطلباته في كثير من الأحيان، ولقد قال الله تعالى: «لا تخرجوهن من بيوتهن».  وهذه الآية تدل على كون بيت الزوجية ولو كان عقده باسم الرجل فهو أساسا بيت الزوجة، فهي لو أنفقت تكون أنفقت على بيتها».
وأوضح المعبي أن الرجل الذي يتهاون ويترك أمور البيت لتتكفل بها الزوجة، يخالف الشرع، فقد قال تعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، فمبدأ قوامة الرجل يكون بالإنفاق على زوجته».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078