تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بين الصبي والبنت... أفضلية للذكر وتربية مختلفة!

راميا شيبان

راميا شيبان

روزلين شويري دياب

روزلين شويري دياب

تقضي سُنّة الحياة بأن يتزوّج رجل وإمرأة ويُنجبا الأولاد لتتكاثر البشرية وينمو العالم. فحلم كلّ عروسين هو إكمال النسب وتثبيت إسم العائلة وإنجاب البنين والبنات. ومعلوم أن المجتمعات الشرقية العربية تفضّل الصبي، إذ هو بمثابة إمتداد لشجرة العائلة، بينما الفتاة هي كائن أضعف. من هنا، تتفاوت طرق التربية، بحيث يُعطى الولد هامشاً أكبر من الحرية، إضافةً إلى تحمّل بعض المسؤوليات، فيما يتمّ التشدّد مع الفتاة لتتقيّد بالأعراف والتقاليد.
فما الفرق بين أبي البنات وأبي الصبيان؟ ولماذا هذا الإختلاف في المعاملة بين الجنسين؟ ولماذا يفضّل الأهل إنجاب الصبي؟


المجتمعات الشرقية ذكورية بإمتياز، إذ يُكنى الولد بإسم أبيه الذي يُلقّب ب «أبو فلان»، ويحمل إرث العائلة المادي والمعنوي. بينما يُنظر إلى الفتاة ككائن أقل أهمية وأكثر ضعفاً، بحيث انها لا تشكّل إمتداداً للسلالة ولا تحمل إسم عائلة والدها، بل تلحق بزوجها وتكون على ذمّته وتحت حمايته. فولادة الصبي الذكر تكون مُنتظرة على أحرّ من الجمر، إذ يكون قد إكتمل نصاب العائلة وحُقق الهدف. وأما ولادة الفتاة، فتكون على مضض، خاصة في حال عدم وجود إخوة صبية لها قبلاً... بيد أنّ هذه المعتقدات السائدة قد بدأت الإضمحلال شيئاً فشيئاً مع الوعي والإنفتاح على مختلف أقطاب العالم وتطوّر العلم وإزدياد الثقافة وتحقيق المساواة بين الجنسين.
تتحدّث الإختصاصية في علم النفس روزلين شويري دياب عن تفضيل الصبي في المجتمعات العربية والأسباب الكامنة خلف ذلك. فيما تتكلّم الإختصاصية في علم الإجتماع راميا شيبان عن الإختلاف من حيث التربية والتقاليد والأعراف، وعن نظرة المجتمع إلى «أبو البنات».


صبي أم بنت؟

تقول دياب: «إنّ الإنجاب هو النتيجة الطبيعية لزواج شريكين سليمين. فالطفل هو ثمرة الخصوبة والصحة الإنجابية. وهو يأتي لإكمال السلالة ولتكاثر العائلة».
إنّ أوّل مولود، أي «الطفل الملك»، هو المدلّل في العائلة، الذي يُكسب ذويه لقب الأب والأم. وغالباً ما لا يهتمّ الوالدين لجنس الطفل، بل يركزان على صحته ووجوده بالمطلق.

تتابع دياب: «من البديهيّ أن يفضّل الأهل ولادة صبيّ في العائلة، ليكتسب الأب كنية «أبو فلان» ويتباهى بإثبات ذاته ونسبه، تيمّناً بأبيه. فالذكر هو الذي سوف يحمل إسم العائلة ويكون السند والدعم لأهله. كما أنه سوف يدافع عن حقوق ومناطق نفوذ العائلة المتشعّبة. أمّا الفتاة، فهي كائن أقلّ شأناً، كونها تنتقل من عائلة ذويها لتلتحق بعائلة زوجها وتتبعه هو».
تضيف: «عند إنجاب الصبي، نلاحظ تروّي الأهل في إنجاب الإخوة، كونهم قد حققوا مأربهم وإرتاحوا نفسياً. بينما يحتمّ إنجاب الفتاة إعادة الكرّة ومحاولة الحمل في أسرع وقت ممكن بغية إنجاب الصبي».

إنّ هذه التقاليد والعقليات باتت قديمة بعض الشيء ولا تنطبق على المجتمعات الشرقية المعاصرة. وإنما قد تبقى رغبة دفينة في قلب الأهل. وأمّا في بلاد الغرب وأوروبا، فلا نلاحظ مثل هذه المعتقدات والتفكير بسبب إختلاف القيم العائلية والتحرّر من القيود والعلاقات الإجتماعية.


أم وأب

تلفت دياب إلى أنّ «الأب يفتخر بإبن له، يكون نُسخة مصغّرة عنه، يرافقه، يساعده ويتأثر بطباعه. بينما تكون الفتاة اكثر قُرباً إلى أمها التي تكون رفيقتها وكاتمة أسرارها. لكن حتى الأم تفضّل إنجاب الصبية، لتكون قد حققت لزوجها ما لطالما حلم به. لكن هذا لا يمنع أن يقدّر الأب إبنته ويتعلّق بها، فتكون حتى نقطة ضعفه، إذ يخاف عليها ويسعى جاهداً لإسعادها».
إنّ التربية والإحترام المتبادل والحبّ هي عماد العائلة المتضامنة. وهذا قد يُتيح للأهل فرصة التعويض عن غياب الصبي، إذا كانت العائلة مكوّنة فقط من إناث.


أبو البنات

تشير شيبان إلى «إنّ «أبو البنات» ليس كنية يعتزّ بها الرجل الشرقي في معظم الأحيان، فالرجل يشعر بإكتمال هويّته عندما يُطلق عليه لقب «أبو فلان»! ونظرة المجتمع قد تكون ساخرة او حتى قاسية أحياناً تجاه والد الفتيات الذي يعتبر بلا سند أو أقلّ شأناً من سواه».
يشعر الرجل بالتباهي وبإثبات الذات القوي عندما يعرّف عن ذاته في المجتمع الشرقي، الذي يهنئه ضمنياً على المولود الذكر، من خلال الكلام والعبارات المستخدمة والتصرفات، فتعتريه فرحة عارمة ويتبختر «كالطاووس المنفوش الريش». أمّا أبو البنات، فيظلّ على الدوام يحاول جاهداً إنجاب الصبي، لنزع «وصمة النقص» عن كنيته.


تربية مختلفة

تقول دياب: «في التربية القديمة، من حيث ندري أو لا ندري، تكون تصرّفات الأهل بمثابة وصمات في عقول الأولاد وحتى في اللاوعي. فالصبي يتربّى على القوة وعدم البكاء وعلى المسؤولية. كما يعُطى هامشاً واسعاً من الحرية في مختلف المجالات، من حيث السهر، وحتى إنتقاء ميدان الدراسة والعمل وحتى السفر أو العيش بمفرده. بينما تتربّى الفتاة لتكون كائناً خاضعاً خانعاً ضعيفاً، تتلقّى الأوامر وتكون ذات إحساس مرهف. كما أنها لا تجادل ولا تختار، بل تنفذ مشيئة الوالدين. وطبعاً لا يحقّ لها السهر متأخرة بلا أخيها، ولا تسافر بمفردها، أو تسكن بعيداً عن العائلة».
وتقول شيبان: «الأعراف والتقاليد والعلاقات الإجتماعية هي التي تفرض تربية مختلفة بين الجنسين، مما يؤدي إلى المفارقة في العيش وإلى التباين في التصرفات. فالمجتمع والمحيطون هم الذين يعلّون الصيت أو يشهّرون بالسمعة». وغالباً ما ينصاع الناس لهذه الأعراف خوفاً من الكلام المؤذي.


مطالبة بالمساواة

تؤكّد شيبان: «في عصر التطور والعولمة والإنفتاح هذا، من العيب البحث في موضوع التفرقة بين الجنسين، بسبب المطالبة المستمرّة بالمساواة بين المرأة والرجل، وحصول النساء على جزء لا يُستهان به من حقوقهنّ. فالكلام السائد عن كون الذكر هو السند للعائلة، لا يُطبّق الان في مختلف العائلات. إذ إنّ الفتاة المثقفة المتعلمّة العاملة هي التي قد تُعيل والديها أحياناً وتكون الدعم المادي لهما والصدر الحنون الرحب الذي يهتمّ بهما في شيخوختهما».
وتشدّد دياب على أنّ «طريقة التربية والحبّ اللامشروط والإحترام المتبادل بين الأهل والأولاد هي الضمانة للمستقبل الواعد، بغضّ النظر عن كون الولد صبيّاً أو فتاة. فلا يجوز وضع جنس الجنين في خانة معيّنة، وإنما الضنى هو غالٍ، صبياً كان أو فتاة!».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079