'يوميات أمّ عاملة' الدكتورة ألفت أدهم الخبيرة الدولية في التنمية البشرية...
حصلت الدكتورة ألفت أدهم على البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة حلوان، واتجهت في الدراسات العليا إلى مجال التنمية البشرية، وحصلت على الماجستير والدكتوراة، ولها كثير من الأبحاث والدراسات باللغتين العربية والإنكليزية. شاركت في العديد من المؤتمرات العربية والدولية في مجال التنمية البشرية والعلوم الإدارية والتسويق والمبيعات، ولها ترتيب متقدم كخبيرة تنمية موارد بشرية في مصر والعالم العربي. تدرّس في جامعة حلوان ومركز التعليم المفتوح والأكاديمية العربية للنقل البحري ومركز إعداد القادة، وأصدرت كتاب «خرائط العقل الذهنية»... في موازاة كل هذا النجاح في الحياة العملية، هي ناجحة أيضاً كزوجة وأم، فكيف حققت تلك المعادلة الصعبة؟
- ما هو سر نجاحك المبكر؟
شجعتني والدتي ناريمان محمد على النجاح. ولأنني ابنتها الوحيدة جعلتني حياتها كلها، خاصةً أن والدي، رحمه الله، مات وأنا في الصف الثاني الابتدائي، بالإضافة إلى إيماني بأن النجاح ليس مستحيلاً، ويقيني بأنه لا يأس مع الحياة، وتطبيقي لمثل صيني شهير يقول: «أخطئ تسعة أخطاء وافعل الصواب في العاشرة، وتسلح بالأمل بلا حدود»، بالإضافة إلى حبي للقراءة وشراء الكتب، حتى أنني كنت أجلس في المكتبات العامة ولا أشعر بالوقت، فحياتي الحقيقية بين الكتب وتزداد سعادتي بنقل ما قرأته للناس، فضلاً عن عشقي للعلاقات الإنسانية بلا حدود.
- ماذا عن أسرتك؟
تزوجت سنة 1992 من شريك حياتي وحب عمري إيهاب أحمد، وهو مدير عام لأحد الفنادق الكبرى في مصر. ودخل معي مجال التدريس في التنمية البشرية في المجال الفندقي نتيجة الاهتمامات المشتركة، أما ولداي فهما لؤي طالب في كلية الهندسة، ومهاب في المستوى 11 في الدبلومة الأميركية أو ما يقابل الصف الثاني الثانوي في التعليم العام.
- كيف تصفين دور زوجك في رحلة نجاحك؟
له الدور الأساسي، بل هو العمود الفقري في نجاحي، حتى أنه قام شخصياً، رغم كثرة أعماله، بطباعة رسالتي في الماجستير والدكتوراه، وهذه معاناة نتيجة كثرة طلبات المشرفين على الرسالتين. لكن صبره معي وتشجيعه لي كانا وما زالا بلا حدود، كما أنه متعاون جداً حتى في البيت، ولا يجد غضاضة في تحضير الأكل للأولاد إذا تأخرت في العمل.
- ما هي كلمة السر في توفيقك بين العمل والأسرة؟
السر في حسن تنظيم إدارة الوقت والاستيقاظ مبكراً حتى ننتهي من عملنا، وهي عملية مرهقة جداً لأي امرأة عاملة، خاصةً في مرحلة الطفولة والمراهقة لأولادها، حيث يعتمد الأطفال عليها بشكل كامل. ونحن ندرس في إدارة الوقت ما يسمى «عجلة الحياة» التي لا تتوقف عن الدوران وكيفية إدارتها بكفاءة من خلال ترتيب الأولويات والاهتمام بالترفيه والصحة، مثل الاهتمام بالعمل تماماً.
- كيف استفدت من ذلك في تربية ولديك؟
أحرص على تفوق ولديَّ الدراسي، حتى أنني أراجعهما في كل نصف درجة نقصت من مجموعهما، ولا أرضى بغير التفوق في كل المجالات.
- تمارسين عملاً غير تقليدي وغير مرتبط بمواعيد بالإضافة إلى السفر، فكيف تديرين عجلة الحياة في ظل هذه التحديات؟
بالتطبيق العملي لحسن إدارة الوقت وترتيب الأولويات، فمثلاً وقت الامتحانات أعتبر نفسي المرجع لابنيَّ، حتى أنني أذاكر معهما كل المواد كأنني سأدخل الامتحان، وأحرص على تقليل العمل والسفر ليؤديا الامتحانات بتفوق. وأثناء سفري مثلاً، أتواصل معهما أكثر من مرة يومياً عبر الهاتف والإيميل والسكايب، وأجيب على كل أسئلتهما. وبالتالي فأثناء سفري أعرف كل كبيرة وصغيرة عنهما، ويسألانني عن أي شيء في الدراسة والحياة كأنني معهما بالضبط. وقبل سفري أضع لهما خطة الحياة الدراسية والترفيهية مكتوبة، وأحرص على تنفيذها على أكمل وجه وكأنني موجودة تماماً.
- يقال إن المرأة كلما ازدادت نجاحاً في عملها ازداد فشلها في بيتها، فما رأيك؟
النجاح ليس أمراً سهلاً، خاصةً إذا كنا نبحث عن النجاح بمفهومه الشامل مع الأسرة وفي العمل، ولهذا لابد أن تبذل المرأة جهداً مضاعفاً لتعويض أسرتها عن فترة غيابها في العمل، حتى لو ضحّت بعدد من ساعات نومها لتقوم بواجباتها الأسرية.
- ما الدور الذي يمكن أن تلعبه التنمية البشرية في الاستقرار الأسري؟
يمكن أن تقلل نسبة الطلاق في الأسر، لأنه من خلال التنمية البشرية يتم تعليم الزوج «مهارة التعامل مع الزوجة»، وكذلك تعليم الزوجة «مهارة التعامل مع الزوج»، وسبل إدارة الحوار والتعايش في إطار الحب والتفاهم بينهما.
إدارة الصراع
- كيف يمكن إدارة الصراع في الأسرة التي تعاني مشكلات؟
يجب أن يقدر كل طرف ظروف الآخر ويضع نفسه مكانه، ويجب عدم التشبث بالرأي، ولعل هذا ما صاغه الإمام الشافعي في عبارته الشهيرة: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». كما يجب أن نقوي ثقافة التضحية والتنازل والتراجع والاعتذار للوصول إلى أرضية مشتركة تكون صالحة للتفاهم والحب من الطرفين.
- لكن واقعياً هناك مشكلات أسرية قد تعانيها المرأة العاملة الناجحة!
في هذه الحالة تكون المرأة في حاجة إلى مساعدة من الآخرين، وإلى مزيد من التضحية على حساب راحتها، لأن «القمة لها ثمن»، وأؤمن أن لكل مشكلة حلاً إذا جعلناها «جبلاً نتسلقه»، وليس «جبلاً نحاول أن نحركه».
- يقال إن كثيراً من الأزواج يغارون من نجاح زوجاتهم في العمل، هل هذا صحيح؟
على المستوى الشخصي زوجي ليس من هؤلاء، لأنه يساعدني في مسيرة نجاحي ويضحي من أجلي ويبذل قصارى جهده معي. أما على المستوى العام فأرى أن 80 في المئة من الأزواج للأسف يقعون في هذه الغيرة القاتلة، وما زالوا يعيشون بعقلية «سي السيد»، بل ومنهم من يضع العراقيل أمام زوجته ويفتعل المشكلات معها.
- ما هو الحل من جانب المرأة؟
يتطلب هذا تعامل المرأة بذكاء مع الزوج، لتؤكد له عملياً، وليس بالأقوال فقط، أن نجاحها في عملها يزيدها تواضعاً في بيتها، وتشعره بأنه هو الجندي المجهول في هذا النجاح ولولاه لما نجحت، لأن الرجل طفل كبير، ولا بد أن تشعره بأنه هو الأعلى في البيت، حتى لو كانت هي الأعلى خارج البيت.
- يشير البعض إلى ما يسمى «الإجازة الزوجية» بغية تجديد حيوية العلاقات الزوجية وخاصة إذا كانت المرأة عاملة، فهل توافقين على ذلك؟
أوافق على الإجازة الزوجية، لكن ليس بالمفهوم الغربي، حيث يفترقان لمدة ويفعل كل منهما ما يريد، لكن لا بد من مراعاة التقاليد الشرقية، فيمكن أن تكون الإجازة في البيت، ويمكن أن تكون بذهاب أي منهما عدة أيام عند والدته مثلاً، أو الخروج في تنزه يجدد نشاط الأسرة.
شهادة الزوج والأبناء
يلتقط الزوج إيهاب أحمد خيط الحديث، مؤكداً أنه يشعر بسعادة غير عادية عند كل نجاح تحققه زوجته، لأنهما كيان واحد أو روح واحدة في جسدين، ولهذا يحرص على توفير سبل الراحة لها والتعاون، ليس داخل البيت فقط وإنما خارجه أيضاً.
وأشار الزوج إلى أنه لا يجد غضاضة في القيام ببعض الأعمال المنزلية في خدمة أولاده، وخاصة أثناء سفر الزوجة في مهمة علمية، أو حتى أثناء مشاركتها في مؤتمر أو ندوة داخل مصر، أو من خلال توفير الوقت لها ومساعدتها في إيجاد المراجع بل وكتابة رسالتها للماجستير والدكتوراه.
أما الابنان لؤي ومهاب فيؤكدان أن والدتهما مثالية في التعامل معهما كصديقة، وتعايش مشكلاتهما في الدراسة البيت والأصدقاء، وتناقش همومهما وتتعامل معهما بكل جدية، وتبحث عن حل مثالي وواقعي لكل مشكلة، بالإضافة إلى أنهما تعلما منها التضحية في سبيل إسعاد الآخرين وإعلاء قيمة العمل الجماعي.
وأكدت ناريمان محمد، والدة الدكتورة ألفت، أنها ما زالت تنظر إلى ابنتها على أنها طفلتها الوحيدة التي ترى فيها نفسها، بالإضافة إلى ابنيها اللذين تعتز بهما أكثر من أمهما، ولا تتوقف عن الدعاء لها بالنجاح في الحياة الأسرية والعامة، وخاصةً أنها ابنتها الوحيدة وتعيش معها في العمارة نفسها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024