طفلك ودروس الموسيقى
يرغب الكثير من الأهل في تعليم أطفالهم العزف على آلة موسيقية باعتباره نشاطًا مهمًا في حياة الطفل، وإن يكن ليس من الضروري أن يحترفه في المستقبل، فالموسيقى تهذب الروح وترتقي بها. وقد يستمر الطفل في تلقّي دروس الموسيقى وقد يعزف عن الأمر جملة وتفصيلاً.
ما الفائدة التي يجنيها الطفل من تعلّم الموسيقى؟
توازي دروس الموسيقى الواجبات المدرسية في الأهمية، وتعزز قدرات الطفل الفكرية والذهنية وتطوّرها. فبمجرّد أن يتعلّم الطفل قراءة النوتات والتمييز بينها ومعرفة معانيها يصبح في إمكانه التنسيق بين وظيفة الدماغ والعين والصوت الذي تتطلّبه الدروس العادية، فالموسيقى تتطلب التنسيق بين الدماغ والعين وعزف النوتات (الأصابع، الفم، والرجلان، تبعًا لكل آلة).
كما أن تعلّم الموسيقى يطوّر الفكر الرياضي والتحليلي، خصوصًا في السنوات المبكرة من عمر الطفل (أربع إلى 12 سنة)، إضافة إلى أن الموسيقى تنمّي الفكر التجريدي، والقدرة على تحويل المعلومات الرياضية والنوتات المكتوبة إلى موسيقى لا مغزى لها ولا تفسير ملموساً، بل هي تعبير فني وأحاسيس.
كيف يمكن الأهل اختيار الآلة التي يعزف عليها طفلهم؟
قبل أن يفرض الأهل على الطفل أن يكون عازفًا يجب أن يكون مستمعًا حقيقيًا. بداية يجب تعريفه إلى جميع الآلات، ويكون ذلك عبر إسماعه الأصوات التي تصدرها، وبعدها يختار الآلة التي أعجبه إيقاعها.
ثم يجرّب العزف عليها، ومن المؤكد أن طفلاً في الخامسة مثلاً لن يحمل الكمان ويعزف ولكن يُشرح له كيف يحمله ويجلس على الكرسي والمعلّمة تكون حاملة ثلاثة أرباع الوزن وتفسر له كيفية صدور الصوت، من ثم يحاول إصدار الأصوات الغليظة كصوت البقرة، ثم الرفيعة كصوت العصفور مثلاً، وبهذه الطريقة يتم تعريفه إلى عدد كبير من الآلات.
هناك مستويات عدة من التعريف. في البداية لا يتعلم الطفل العزف وقراءة النوتات بل يتعرّف إلى ما هو إيقاعه سريع وما هو إيقاعه بطيء وما هي الأصوات التي تصدرها كل آلة.
هناك تمارين على طرق تمييز الصوت. مثلاً يسمع معزوفة تصدرها آلتان أو ثلاث ويميز أصواتها، وإذا عُرضت عليه صور أربع آلات يعرف أياً من هذه الآلات تعزف.
هل صحيح أن اختيار الآلة يعبّر عن شخصية الطفل؟
قد يعكس اختيار الآلة الموسيقية شخصية الطفل أو قد لا يعكسها، إذ لا يمكن حسم هذا الأمر. وغالباً ما يكون الاختيار تبعًا للمعايير الاجتماعية.
فمثلاً يفضل بعض الأهل أن تتعلّم بناتهم العزف على البيانو لأنه يوفر الترفيه للبنت داخل المنزل في حين يكون الغيتار للصبي لأن في إمكانه الخروج مع أصدقائه وحمله معه للترفيه.
هل صحيح أن تعليم الطفل العزف على آلة إيقاعية يجعله مفرط الحركة؟
هناك مفهوم خاطئ عن بعض الآلات الإيقاعية وهو أن تعليم الطفل العزف على الطبلة أو الدرامز يجعله مفرط الحركة، في حين أن الآلة الإيقاعية تضبط الطفل كثيراً، إذ تعلّمه السيطرة على مختلف أعضاء جسمه، وضبط حركة جسمه فيحرّك يديه ورجليه تبعاً للإيقاع، كما تساعده على تفريغ غضبه أو توتره. وهذا يعود إلى وضع الطفل وطباعه وحالته. ولكن من المؤكد أن ليس هناك آلة موسيقية تزيد حركة الطفل.
وفي المقابل، يظن بعض الأهل أن تعليم الطفل العزف على آلة موسيقية هادئة يجعله هادئاً. في حين أن تعلّم العزف على أي آلة يعزز عند الطفل قدرة التركيز وكيفية السيطرة على الأعصاب، غير أن إلزام الطفل عزف آلة لا يحبها قد يؤدي إلى نتيجة عكسية.
لمَ يرفض الطفل تعلّم العزف على آلة موسيقية؟
هناك أسباب عدة تجعل الطفل يرفض تعلم العزف منها
- البدء بتعلّم الموسيقى في سن صغيرة جداً أي قبل الست سنوات حين لا يكون قادرًا بعد على التحكّم في حركة عضلاته الدقيقة.
- إذا كان الأهل هم الذين اختاروا الآلة بدلاً من الطفل، فيما يرغب هو في العزف على آلة موسيقية مختلفة.
- أسلوب أستاذ الموسيقى الذي قد يكون عازفاً ماهراً ومشهوراً، ولكن ليست لديه الطريقة الصحيحة التي تحفّز الطفل على إكمال درس الموسيقى.
هل صحيح أن العزف عن طريق السمع يؤخر قراءة النوتات الموسيقية؟
يرى بعض أساتذة الموسيقى أن العزف عن طريق السمع يؤخر تعلّم قراءة النوتات الموسيقية، وهذه نظرية خاطئة بحسب اختصاصيي التربية الموسيقية.
لأن العزف عن طريق السمع ينمّي الأذن الموسيقية ويسرّع القدرة على قراءة النوتة. فالطفل الذي يعزف عن طريق السمع يستطيع التمييز بين الصوت الضخم والصوت الرفيع وبالتالي الربط بسهولة موقع النوتات على السلّم الموسيقي بحركة اللحن الصاعد أو الهابط.
المشكلة أن بعض أساتذة الموسيقى لا يربطون بين قراءة النوتة والسمع، وكأن القراءة والعزف غير مرتبطين ببعضهما علمًا أنهما وجهان لعملة واحدة، الموسيقى هي اللغة، والنوتة هي قراءتها وكتابتها .
إذا تعرّف الطفل إلى النوتات بأساليب تربوية قديمة سينفر من العزف، علماً أن الأساليب الجديدة تربط بين السمع والقراءة.
أين هو المكان الأمثل في المنزل لوضع الآلة الموسيقية؟
يُنصح بأن لا توضع الآلة الموسيقية في الصالون أو غرفة الجلوس لأن ذلك يجعل علاقة الطفل بالآلة الموسيقية غير صحيحة.
أفضل طريقة هي وضع آلة الموسيقى في غرفة النوم أو اللعب أي الغرفة التي لا يكون فيها وجود دائم للراشدين، فهناك احتمال كبير أن يشعر الطفل بأنه مراقب.
كما أنه من الأفضل أن يذهب الطفل إلى المعهد الموسيقي بدل حضور الأستاذ إلى المنزل ذلك أن الطفل سيلتقي في المعهد أقراناً له ويكتشف أثناء عزفه ضمن المجموعة أنه ليس الوحيد الذي يرتكب أخطاء، مما يعزز ثقته بنفسه.
إضافة إلى أن مجرّد ذهابه إلى المعهد يحفّزه ويزيد استعداده النفسي لتعلّم الموسيقى.
موسيقى
هل تعلمين أن الإنسان، يتعرّف إلى الموسيقى منذ أن كان جنيناً في رحم أمه، يسمع الأصوات الخارجية التي تحيط به، وعندما يأتي إلى الحياة تتطور حاسة السمع قبل حاسة البصر، لذا يلاحظ تفاعل الرضيع مع الأصوات قبل الصور.
فهو يميّز صوت أمه عن باقي الأصوات. وكلما كان الصوت موسيقياً يشعر بالطمأنينة، خصوصاً إذا كانت والدته ترنّم له، فيربط الموسيقى بشيء إيجابي، وإحساس جميل بوجود أمه.
نصيحة اختصاصي
ينصح اختصاصيو التربية الموسيقية الأهل بأن يعرّفوا الطفل إلى أنواع عدة من الآلات الموسيقية قبل اختيار إحداها. فهناك معاهد تعرّف الطفل إلى الآلات الموسيقية، وبذلك يتم تحديد الآلة بناءً على رغبته، وقد يستغرق ذلك شهوراً عدة.
أما إذا كان اختيار الآلة بناء على اسمها أو على صوتها أو شكلها، فإن الطفل سيغيّر خياره باستمرار وقد يعزف عن تعلّم الموسيقى جملة وتفصيلاً.
ولا يجوز لوم الأهل لأنهم ليسوا اختصاصيي تربية موسيقية ليعرفوا الآلة الموسيقية المناسبة لميول أبنائهم، لذا من الضروري استشارة اختصاصي في التربية الموسيقية.
كما يمكن الأهل مساعدة طفلهم في الاختيار كأن يشجعوه على حضور مهرجان موسيقي، فبمجرد أن يرى باستمرار أشخاصاً يعزفون يسهل عليه تحديد الآلة التي يريد تعلّم العزف عليها.
ماهي السن المناسبة لتعليم الطفل العزف؟
يؤكد الإختصاصيون أن هناك بعض الآلات الموسيقية يصعب على طفل دون الست سنوات تعلّم العزف عليها لأن عضلاته لا تزال ضعيفة وبالتالي لا يستطيع التحكّم فيها كما يشاء، لذا فإن معظم الأطفال الذين يحاول أهلهم تعليمهم العزف في سن مبكرة يتوقفون عن متابعة دروس الموسيقى بسبب الصعاب التي يواجهونها.
وفي المقابل هناك بعض الأطفال يبدأون العزف ويبرعون فيه في سن الأربع أو الخمس سنوات بفضل إشراف الأهل وتوفير الجو المناسب في المنزل.
هل صحيح أن إسماع الطفل موسيقى هادئة يهدئ حركته المفرطة؟
يؤكد اختصاصيو التربية الموسيقية أن الموسيقى ليست مهدئاً للأعصاب، فهذه ليست وظيفتها. فكثيراً ما نسمع أماً تقول أنا أحب أن اسمع طفلي الموسيقى ليهدأ أو لينام.
صحيح أن الموسيقى الهادئة قد تُشعر الطفل بالنعاس ولكنها في الوقت نفسه من الممكن أن تثير مناطق معيّنة في الدماغ تذكره بأمور تغيظه أو تحفّز مخيلته.عموماً للموسيقى تأثير إيجابي وهي ليست مخدراً للفكر بل منشطاً للذكاء والإبداع.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024