تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

حيلة غريبة لجأت إليها فتاة: اخطفني لأستردّ ميراثي!

اعترافاتها فجرت مفاجآت مثيرة في القضية التي تحقّق فيها الآن نيابة القاهرة. شابة في الخامسة والعشرين من العمر، قرّرت أن تستردّ ميراثها بأسلوب ماكر، اخترعت جريمة خطف كانت بطلتها، وذلك بعد أن استأجرت أحد الأشخاص لمعاونتها، وطلبت لنفسها فدية كبيرة، وتوالت الأحداث المثيرة حتى اكتشفت الشرطة تمثيليّة الفتاة التي كادت تخدع الجميع. 


لم تكن أسماء تظن أن النهاية ستكون بهذه الطريقة المهينة، بعد أن كانت على مسافة خطوات من تحقيق حلمها. وفي قسم الشرطة كان المشهد مؤسفاً، شابة حسنة المظهر، كانت القيود الحديدية تحيط معصميها، والدموع تسيل من عينيها وهي لا تصدق ما يحدث حولها. اقتربت من رئيس المباحث وبادرته بالقول: «لماذا تلقون القبض عليَّ؟ أنا ضحية لأسرتي ولست جانية، كل جريمتي أنني فكرت في أسلوب غير تقليدي لاسترداد أملاكي، وكدت أنجح في استعادة إرثي الذي تركه لي والدي واستولى عليه عمي. ولولا تدخلكم لنجحت الخطة».

قاطعها ضابط المباحث قائلاً: «لكنك متعلمة وجامعية، وتدركين جيداً أنك ارتكبت جريمة يعاقب عليها القانون، وقد تصل عقوبتها إلى السجن».
تصرخ أسماء قائلةً: «صدقني يا حضرة الضابط كنت أحاول أن أسترد أموالي فقط، ولم ألجأ إلى هذا الأمر إلا حين أعيتني الحيل!».
قاطعها الضابط: «القانون هو القانون يا أسماء، ستتم إحالتك على النيابة التي ستفصل في الأمر».

وفي النيابة كان المشهد مختلفاً، المحقّق كان يطالع أوراق القضية التي بيّنت أن البداية كانت حين تلقّت الشرطة بلاغاً من محيي (62 سنة موظف بالمعاش)، وبصحبته السيدة إيمان، أكد فيه أن ابنة شقيقه أسماء، الحاصلة على بكالوريوس حاسب آلي، كانت في زيارة لخالتها السيدة إيمان، وأمضت عندها بعض الوقت قبل أن تنصرف في طريقها للعودة إلى منزلها، لكنها اختفت.
أكد العم أن ابنة شقيقه لم تعد إلى المنزل، وأن هاتفها المحمول مغلق. وأضاف أن أسماء لم تعتد التأخر خارج المنزل، وأنه يشك في تعرضها لمكروه، وطالب باتخاذ الإجراءات القانونية، وتم تحرير محضر بذلك، وبدأت أجهزة الأمن عملها.


مكان مجهول

توالت الأحداث المثيرة التي رصدتها ملفات القضية... بعد أيام من بلاغ العم فوجئ رئيس المباحث ببلاغ جديد من منال الشقيقة الكبرى لأسماء ومعها زوجها رامي، أكدا فيه أنهما اتصلا بهاتف أسماء فرد عليهما مجهول، زعم أنه اختطف أسماء ويحتفظ بها في مكان مجهول، وطالب المتهم الأسرة بدفع مبلغ 200 ألف جنيه مقابل إعادة أسماء وإلا فسيقتلها.
لم ينس المتهم أن يمنح الأسرة 48 ساعة فقط لتدبير هذا المبلغ، محذّراً من إبلاغ الشرطة، لأنه سيقتل أسماء فوراً في حالة إحساسه بالخطر، وأكّد البلاغ أن المجهول أبلغ شقيقة أسماء بأنه سيعاود الاتصال بها بعد ساعات. وبدا القلق الشديد على وجه منال وهي تطالب رجال الشرطة بتوخي الحذر حتى لا تدفع شقيقتها حياتها ثمناً لأي غلطة قد تقع فيها الشرطة، لأن المجرمين لا يعرفون المزاح.

طلب منها ضابط المباحث أن تهدأ، وتسرد من جديد ما جاء في حوارها مع المختطف. وانهمك الضابط في تدوين ملاحظاته، قبل أن يطلب من شقيقة أسماء وزوجها الانصراف، مؤكداً أنه سيتولى المهمة، وطلب منهما أن يتصلا به على الفور في حالة تلقيهما أي اتصالات من المتّهم.
في هذه الأثناء، تحوّلت إدارة البحث الجنائي في القاهرة إلى خلية نحل لتتّبع الاتصالات التي تتلقّاها شقيقة أسماء، وبعد ساعات رصدت الشرطة المكالمة الثانية التي تلقّتها منال من المجهول الذي طلب منها تجهيز مبلغ الفدية تمهيداً لتسلّمه بعد ساعات في منطقة الأهرام. وأبدت منال مماطلة في موعد تسليم الفدية، وذلك كما طلب منها ضابط المباحث الذي سارع إلى الاتصال بها بعد انتهاء مكالمتها مع المتهم، وأكد لها أن الشرطة تمكنت من تحديد مكان اختطاف أسماء بشكل تقريبي، وأن هناك مأمورية ستهاجم الشقة التي يحتفظ المختطفون بالشابة الحسناء داخلها.
مرت الساعات ثقيلة على شقيقة أسماء التي كاد القلق يقتلها، وأخيراً تلقت الاتصال المنتظر من ضابط المباحث الذي طلب منها أن تحضر إلى قسم الشرطة وبصحبتها زوجها وعمها. 


سألته منال: «هل شقيقتي بخير؟».

ضحك الضابط ضحكة تهكمية قائلاً: «نعم لكنك ستواجهين مفاجأة بعد حضورك».
وأسرعت منال إلى قسم الشرطة وبصحبتها زوجها وعمها، وفي هذه الأثناء كانت أسماء في حالة انهيار وهي تدلي باعترافها المثير، وقالت: «نعم خططت بنفسي لهذه الجريمة الوهمية، فأنا لم أكن مخطوفة، لكنني قررت القيام بهذه التمثيلية لأحصل من أعمامي على إرثي المنهوب».
تضيف: «قبل سنوات توفي والدي وترك لي تركة تكفي لأعيش بشكل كريم، وتخرّجت من الجامعة، وبدأت أطالب عمي بنصيبي من إرث والدي، لكنه راح يماطل ويبتدع العديد من الحجج... أدركت أنني سأواجه صعوبة شديدة في الحصول على ميراثي، ففكرت في اللجوء إلى المحاكم، وبدأت أخطط لإقامة دعوى على عمي، لكن شقيقتي أقنعتني بالتراجع عن هذا الأمر خوفاً من بطش عائلتي، كما أن عمي يسيطر على كل المستندات التي تركها والدي رحمه الله».

تواصل أسماء: «قرأت عن واقعة مماثلة في الصحف فقررت أن أقلّدها. التقيت سائق تاكسي، وتجاذبت معه أطراف الحديث وجاءتني الفكرة، فقررت أن أعرض عليه مشاركتي هذه التمثيلية مقابل عشرة آلاف جنيه. تعاطف معي السائق وأكد لي أنه سيستضيفني في شقته مع زوجته وأولاده، وأنه سيتصل بأسرتي لطلب الفدية».
تصمت أسماء برهة وكأنها تستجمع ذكرياتها، وتقول: «لم أتوقع من الأساس أن تقوم أسرتي بإبلاغ الشرطة، وتوقّعت أن يستجيب عمي ويدفع الفدية في ظل ضغوط أفراد العائلة الذين لن يسمحوا ببقائي مخطوفة وتعريض حياتي للخطر».

وفي نهاية اعترافاتها تبكي أسماء، وتؤكد أنها لا تعرف ماذا ستفعل للخروج من هذه الورطة، لكنها أكدت أنها ستلجأ أيضاً إلى المحاكم حتى تسترد حقها المنهوب من عمها، وطلبت من القضاء التماس الأعذار لها على فعلتها، مؤكدة أن الحاجة أم الاختراع!
وقبضت الشرطة على السائق سامح الذي أكد أنه لم يخطف أسماء، لكنها طالبته بالمشاركة معها في هذه التمثيلية مقابل أموال. وأحيلت أسماء وشريكها على النيابة وسط ذهول أسرتها التي لم تتخيل هذا السيناريو مطلقاً...

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078