هنا سُجن نلسون مانديلا أيقونة الحرّية
رحل أيقونة الحريّة مانديلا مفارقة غريبة كيف أن يوم دفنه في قريته كونو صادف يوم ميلادي، وكأن برحيل جسده الهزيل يذكّرني أن الحريّة لا تلد مع الجسد ولا تموت معه، بل هي تخرج من رحم العقل المدرك لذاته ولقيمته الحرّة، وها هي الذاكرة التي تسكن في جزء من عقلي تعود بي إلى الوراء قبل سنة زرت روبين آيلند، جزيرة الحرية التي مكث فيها نلسن مانديلا 27 عامًا بين قضبان سجنها.
كان الدخول إلى المعتقل فيه رهبة، أرتال من الزوار يبحرون إلى هذه الجزيرة لينتقلوا بين أسوار سجن أمعن أسياده في تصنيف البشر عنصريًا. الزنزانة التي عاش فيها مانديلا بحجمها ونافذتها المرتفعة الصغيرة التي تتسرب من بين قضبانها الشمس بحياء وفرشتها الرقيقة جدًا، جعلت الزائرين رغم اختلاف ألوان بشرتهم، يتفاعلون مع روايات المرشد ويستغربون عنصرية أجدادهم ولا إنسانيتهم.
المرشد السياحي في هذا السجن كان أحد معتقليه السابقين، روى قصصًا تقشعر لها الأبدان، فهي ليست من مخيّلة إنسان عادي بل من ذاكرة مناضل، لا يحمل في طيات ذاكرته أي بغض لتلك الحقبة.
كان يتحدث بالإنكليزية الإفريقية عن المناضلين الذين اعتقلوا في هذا السجن تضحك عندما يروي لك قصة مأسوية بأسلوب الكوميديا السوداء، وتشعر بالحزن عندما يروي تفاصيل التعامل العنصري حتى بين المعتقلين أنفسهم، فالآسيويين كانوا يحوزون على امتيازات أكثر من الأفارقة مثلاً، كان في إمكان السجين الآسيوي أن يحوز سروالاً طويلاً فيما الأفريقي مجرد سروال قصير، حتى الاستحمام كان الآسيوي يحوز الماء الدافي فيما الأفريقي الماء البارد، ولكن في النهاية كلهم معتقلين.
وهنا في هذا الحقل كان المعتقلون يمضون يومهم في تكسير الصخر والذي توجد فيها غار صغيرة كان مانديلا يلقن تلامذته من المعتقلين معاني الحرية والتسامح وسماه جامعة الحياة. ودّعت مانديللا من على الشاشة، رحل مانديللا الجسد وبقي مانديللا الروح والعقل الحرّين، وبقيت مقولته الشهيرة Each one teaches one محفورة في ذاكرة الجنوب أفريقيين على اختلافهم أصولهم الإثنية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024