صغار ولكن قتلة!
لم يتخيل إسلام أن حب المغامرة الذي يدمنه، ومشاهدة الأفلام البوليسية، سيقودانه يوماً إلى مصير مظلم وإلى جريمة قتل عقوبتها قد تصل إلى الإعدام، أو ربما سنوات سجن طويلة تقتل طفولته ومستقبله. سنوات عمره لم تتعد ثلاثة عشر عاماً، وقبل عام واحد كان أحد أذكى تلاميذ مدرسته الإعدادية، لكن المسار انحرف به فجأة ليسقط في فخ جلسات أصدقاء السوء، ولتسدل أسرته الستار على حلم مشروع عالم صغير.
البداية في الساعات الأولى من الصباح، جرس الهاتف يدق بإصرار في منزل الأستاذ محمود وكيل الوزارة. استيقظت الأسرة كلها منزعجة من هذه المكالمة الغريبة، الأمُّ توجست خيفةً، خاصة أنها تذكرت أن ابنها الحبيب إسلام في رحلة مدرسية مع أصدقائه الذين اتجهوا إلى مدينة الفيوم للمبيت فيها.
رد الأب على المكالمة بصوت قلق، ودار الحوار:
المتحدث: هل هذا هو منزل الطفل إسلام؟
الأب بتردد: نعم ماذا جرى لابني؟ هل أصابه مكروه؟
المتحدث: أرجوك يا سيدي تمالك أعصابك، أنا رئيس مباحث المعادي، وابنك موجود لدينا في قسم الشرطة، وعليك الحضور فوراً.
جن جنون الأب فصرخ:
قسم شرطة؟! ماذا جرى لابني يا حضرة الضابط؟
المتحدث: لا تستبق الأحداث ستعرف كل شيء عند حضورك إلى القسم، ومن الأفضل أن تصطحب محامياً معك.
أنهى الضابط المكالمة تاركاً الأسرة كلها في حالة من الذهول، الأم انخرطت في بكاء مرير وبدأت ترتدي ملابسها لتصاحب زوجها في الذهاب إلى القسم، لكن الأب رفض بشدة، وأكد لها أنه سيذهب بمفرده ليستطلع الأمر، لكن قلب الأمّ كان يحدثها بأن مكروهاً قد حدث لابنها.
خشيت الأم أن يكون ابنها قد لقي حتفه والضابط يريد أن يمهّد الأمر للأسرة، وداخل عقل الأب كان هناك صراع للأفكار المتلاطمة والألغاز التي لا يجد لها حلاً، وطوال الطريق إلى قسم الشرطة كان يراجع بذاكرته مشاهد متناقضة، المشاهد الأولى ترصد سنوات التفوق لابنه النابه إسلام الذي كان مثار حديث كل من يعرفه ومثار فخر الأسرة كلها، لكن المشاهد الأخيرة لم تكن مفرحة مطلقاً للعائلة التي دخلت في دوامة لا يعلم نهايتها إلا الله!
أمام النيابة
المشهد في قسم الشرطة لم يكن في حاجة إلى تعليق، أسقط في يد الأب حين شاهد ابنه مطرق الرأس والقيود الحديدية تحيط معصمه، وبجواره بعض الأطفال في مثل عمره. انهمرت الدموع من عينَي الأب وهو يسأل ابنه عن سبب هذا المشهد، نظر الابن إلى والده دون أن ينطق بكلمة واحدة، وانهار باكياً.
التفت الأب إلى رئيس المباحث ليسأله عن سر هذا المشهد، وبكل هدوء أخبره الضابط أن ابنه قاتل، ارتكب مع صديقيه جريمة قتل بشعة ضحيتها تلميذ زميلهم في المدرسة الإعدادية التي يدرسون فيها.
مضت لحظات ثقيلة، الأب لا يصدق نفسه، ظن أن أذنيه تخدعانه، طلب من الضابط أن يعيد ما ذكره قبل قليل. أدرك الضابط مدى الصدمة التي لحقت بالأب الذي لم يصدق نفسه، وطلب منه أن يتحلى بالصبر، وأن يجلس ليطلع على محضر الشرطة الذي سرد حكاية إسلام مع الجريمة.
قبل شهور كان إسلام أذكى وأكثر طلاب مدرسته الإعدادية انضباطاً والتزاماً، كان يضع أمام عينيه هدفاً واحداً، وهو أن يتفوّق في دراسته وأن يلتحق بكلية الهندسة التي يعشقها. كلمات والدته كانت تدوّي في أذنيه في كل الأوقات، حين تؤكد له دائماً أن الاجتهاد والالتزام في الدراسة سيقودانه إلى القمة.
لكن حياة إسلام تبدلت من حال إلى حال بعد أن ظهر محمود في حياته، فهو كان أكثر تلاميذ الدراسة مشاكسة وعدم التزام، ونجح في اجتذاب إسلام المجتهد إلى صداقته. وبدأت رحلة السقوط للطالب المجتهد الذي تغيرت طباعه بعد الانخراط في شلة أصدقاء السوء.
بدأ إسلام يتغيب عن المدرسة، وأدمن تدخين السجائر المحشوة بالمخدرات، واكتشف متأخراً أنه أصبح عبداً لهذه العادة المؤسفة، وبدأ يسرق أموالاً من والديه حتى ينفق على سهرات أصدقاء السوء، وتراجعت درجاته في دراسته بشكل لافت، ثم اعتذر لوالده وأكد له أنه سيعوّض ما فاته خلال النصف الثاني من الدراسة. لكن الطفل سقط بالفعل في بئر بلا قرار، وانشغلت أسرته بالسعي وراء لقمة العيش دون أن يتنبهوا إلى ما يحدث من تغيرات لإسلام.
وجد إسلام نفسه محترفاً للسرقة التي تدرب عليها بمعرفة محمود وصديقهما مصطفى. وكان الضحايا من طلاب المدارس المجاورة لمدرسة إسلام، وأصدقاؤه كانوا يحملون السلاح ويرتدون الملابس المقنعة ويسرقون الهواتف المحمولة من التلاميذ بالإكراه... الضحايا كانوا بالعشرات من الذين لم يستطيعوا الهروب من براثن عصابة التلاميذ.
لم ينس إسلام تعليمات صديقه محمود الذي طلب منه أن يقتل على الفور أي ضحية يحاول المقاومة أو الاستغاثة بالشرطة.
ولم يتردد إسلام في تنفيذ تعليمات صديقه، لكن هذه اللحظة التي لم يتمنها جاءت بأسرع مما توقّع، الأصدقاء الثلاثة كانوا يضعون الأقنعة، ويتربصون أمام المدرسة بضحية جديدة. وفي هذه الأثناء كان هشام، ابن الثالثة عشرة، يتحدث مع والدته هاتفياً ليؤكد لها أنه أنهى يومه الدراسي وهو في طريقه للعودة إلى منزله.
كانت هذه هي اللحظة التي تنتظرها عصابة الصغار الذين انطلقوا إلى هشام وشهروا أسلحتهم في وجهه، وطالبوه بالتخلي عن هاتفه المحمول وأمواله.
حاول الطفل المسكين المقاومة، ونجح في أن ينتزع القناع من وجه إسلام الذي عرف زملاؤه شخصيته، فما كان منه إلا أن أغمد سكينه في جسد زميله البريء الذي سقط على الأرض وهو يقاوم باستماتة، فأجهز عليه محمود، وهرب الأطفال بعد ارتكابهم جريمتهم... وفي هذه الأثناء تجمهر أهالي المنطقة لكنهم فشلوا في الإمساك بالقتلة الذين هربوا على الفور، وتم إبلاغ الشرطة التي وصلت خلال دقائق، وفي كلمات موجزة استمع رئيس المباحث إلى الشهود الذين أكدوا أن إسلام هو أحد الملثمين.
في هذه الأثناء اتصل إسلام بأسرته وأكد لوالدته أنه سيذهب في رحلة ترفيهية خارج القاهرة لمدة يوم واحد، وحاول أن يختبئ عند أحد أصدقائه، لكن حواجز الشرطة تمكنت من ضبطه بعد ساعات من الجريمة، بعد توزيع نشرة بأوصافه، واعترف التلميذ بجريمته أمام النيابة التي أمرت بحبسه وإحالته على المحاكمة، وطالبت النيابة بتوقيع أقصى عقوبة عليه.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024