تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بين مطرقة الحاجة إليهن وسندان التنازل عنهن...

يقف أفراد المجتمع السعودي مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث من قصص «الرعب» والقتل والذبح من الخادمات المنزليات تجاه كفلائهن أو أطفال هؤلاء، فلا تكاد تُطوى صفحة لجريمة قتل بشعة، حتى تبدأ أخرى أكثر بشاعة وإيلاماً من سابقتها. آخر تلك القصص ما ادعته خادمة أثيوبية من جنون ومرض نفسي أمام فريق التحقيق، بعد ارتكابها جريمتها البشعة في منزل الأسرة في جدة، وقتل كفيلها الذي كان نائماً حين غدرت به وسددت طعنات قاتلة في جسده المريض، ذلك لأنه كان قد خضع لعملية بسيطة قبل أيام من مقتله. كما حاولت إزهاق روح طفله الذي لم يتجاوز التسع سنوات، بعد أن باغتته وهجمت عليه وضربته بمكواة، وألقت العديد من الصحون الزجاجية عليه، ليُصاب بجروح من مناطق مختلفة من جسده، ويهرب بعدها إلى سطح المنزل ثم إلى منزل الجيران. ورغم وجود أخ ثانٍ وقت حدوث الجريمة في المنزل إلا أن الخادمة لم تتعرض له بأذى، في وقت كانت الأم في عملها. وما زال ملف القضية في هيئة التحقيق والادعاء العام لاستكمال التحقيق مع الخادمة التي تزعم المرض النفسي رغم تأكيد الأسرة عدم وجود أي «علّة» لدى الخادمة طوال فترة عملها لديهم.
 «لها
» تفتح ملف جرائم الخادمات والعمالة المنزلية، والظروف المحيطة بها من الألف إلى الياء، للوصول إلى الأسباب التي قد تدفع خادمة إلى أن تقتل كفيلتها أو كفيلها أو تنحر أطفال مخدوميها. فهل هي ظاهرة باتت تؤرق المجتمع أم حالات فردية تسبب بها الاعتماد الكلّي على العمالة المنزلية؟ وهل أثرت هذه الجرائم على مدى اعتماد المجتمع على هذه العمالة؟


لم تغب عن الأذهان فاجعة فصل رأس الطفلة تالا الشهري (أربع سنوات) عن جسدها على يد خادمتها في ينبع، أثناء غياب والديها عن المنزل للعمل. ومع اعتراف الخادمة بقتلها بدافع الحب والخشية من فراقها لأنها كانت ستعود إلى بلادها قريباً، لا تزال القضية في هيئة التحقيق والادعاء العام إلى حين إصدار الحكم في حقها، ومطالبات العائلة بالاقتصاص من الخادمة.

وسيصدر الحكم قريباً في قضية مقتل الطفل الرضيع مشاري البوشل الذي لم يتجاوز أشهره الأولى على يد خادمته التي كانت تدسّ سم الفئران في زجاجة الحليب الخاصة به، بحجة أنها كانت تتأذى من صوت بكائه. يُذكر أن مشاري لفظ أنفاسه منتصف شهر رجب عام 1431هـ، بعد محاولات مضنية بذلها أطباء في مستشفيات عدة في المنطقة الشرقية والرياض، لإنقاذه من آلامه التي لازمته لنحو شهر ونصف الشهر، إثر إصابته بزيادة الإنزيمات في الكبد، وحموضة وسيلان شديدين جداً في الدم، إضافة إلى اضطرابات في القلب، بعد تناوله حليباً ممزوجاً بسم الفئران وأدوية مسكنة، دستها الخادمة في الحليب. وأحيل ملف التحقيق على المحكمة الكبرى في الدمام، وسيصدر الحكم خلال أسبوعين في هذه الجريمة لاكتمال الأدلة واعتراف الخادمة بجريمتها.

ولا تقتصر الجرائم على الأطفال، فهناك من قتلت كفيلتها بساطور بعدما انهالت عليها ضرباً، وتركتها غارقة بدمائها وهربت، إلى أن أٌلقي القبض عليها،  وغيرها من الأحداث والجرائم التي صعقت المجتمع، وأبقته حائراً  بين مطرقة الحاجة وسندان التنازل عن الخادمات...


أم عبد الرحمن: أخشى على أحفادي من الخادمة في المنزل

من جانبها، ذكرت أم عبد الرحمن (50 سنة)  وهي جدة لستة أحفاد، أنها باتت تخشى على أحفادها الصغار من وجود خادمة في المنزل، قد تؤذيهم بأساليب خفيّة «كأن تضع لهم شيئاً في العصائر أو في الطعام، وخاصة بعد هذه الجرائم التي بتنا نسمع عنها، وما يحدث مع الأطفال من قتل وضرب، سواء أكانت المعاملة جيدة أو لا من جانب الأسرة للخادمة. لكني ولما يقارب الست سنوات كانت لدي خادمة اندونيسية حنونة جداً مع أحفادي وأبنائي وجميع أفراد العائلة، لكنها غادرت إلى بلادها منذ سنة، ولم أكرر تجربة الخادمات في منزلي أبداً، خوفاً من السرقة أو أذية أحفادي لا سمح الله».


أمل: الأمان بالله... ولا أحضر خادمات الفيــزا

قالت أمل علي (28 سنة) إن الأمان بالله من هذه الخادمات، فلا يجوز أن «نُعمم أن جميعهن سيئات وقاتلات، فأنا أتعامل معهن بالحسنى، وأحرص أشد الحرص على عدم إحضار خادمات الفيزا، فالإجراءات معقدة نوعاً ما وإذا  فضلت الرحيل يوماً لن تستطيع إلا عند انتهاء عقدها، وهذا ما يزيد الأمر تعقيداً. لذلك من أتعامل معها إن أرادت الرحيل أعطيها حسابها لترحل وتبتعد، ولا أضغط عليها لتبقى، لكي لا أصل إلى مرحلة من الندم إن وقع مكروه لا سمح الله».


هديل: حرصي على طفليّ يجعلني أخشى عليهما من القريب والغريب

وقالت هديل دياب (32 سنة) وهي أم لطفلين وموظفة قطاع خاص، إن عملها يُلزمها البقاء بعيداً عن طفليها لمدة سبع ساعات يومياً، الأمر الذي يجعلها تترك طفليها لدى والدتها. تقول: «ليس لدي خادمة في منزلي بعد ما سمعته عن جرائمهن. كما أنني بطبيعتي أخشى على طفليّ من أي قريب أو غريب، وزيادة حرصي عليهما تضايق في بعض الأحيان أفراد عائلتي. وبالتأكيد لن أكون مطمئنة بوجود خادمة معهما في المنزل خاصة إن كنت بعيدة عنهما».  وأضافت:» إذا احتجت إلى وجود خادمة أتعامل مع واحدة تأخذ حسابها بالساعة، ونخرج من المنزل أنا وأطفالي وأغلق باب المنزل عليها، مع الحرص على عدم وجود أشياء ثمينة أمامها. وعندما تنتهي من التنظيف، تتصل بي لأعود إلى المنزل، وأعطيها حسابها وتذهب».
المالكي: ما حدث من جرائم حالات فردية وقعت في فترات متقاربة

أشارت طالبة الطب أمل المالكي (23 سنة)  إلى أنها لا توظف خادمة في المنزل «لكني وإن احتجت إلى وجودها بين فترة وأخرى أحضر خادمة تساعدني في المنزل وأحاسبها بالساعة. فأناً من البداية اتفقت وزوجي على أن لا يكون لدينا خادمة في المنزل، مع أنني طالبة ومتزوجة ولدي ظروف تُحتم علي إحضار خادمة، لكني أحاول أن أكون على قدر من المسؤولية والاهتمام بكل ما يخص بيتي وعائلتي وزوجي ودراستي الجامعية».
ولفتت المالكي الى أنه «من غير الطبيعي التعميم على جميع الخادمات بأنهن مُجرمات فهناك الكثيرات أمينات وطيبات، واللواتي يحفظن العِشرة مع العائلات، وما حدث من جرائم ما هي إلا حالات فردية حدثت في فترات متقاربة، والجرائم تقع في أي مكان وفي أي بلد وليست حكراً على جنسية خادمة معينة».


أم بندر: لا استطيع الاستغناء عن خادمتي

«لا أعلم ماذا أفعل، أقلقتني الجرائم التي سمعت عنها وأصابني الذعر عندما أتخيل أحد أطفالي مكان الضحايا. أتألم كثيراً وأبكي، لكنني حقاً لا يمكنني الاستغناء عن خادمتي، خاصة أنني أم وعاملة، وأسرتي تعيش بعيدة عني في مدينة أخرى».
هذا ما قالته أم بندر وهي المعلمة في مدرسة حكومية، لا تجد أي مكان قد تضع أطفالها فيه وتبقى مطمئنة أنهم في مكانٍ آمن. فحتى في المنزل، يبقى الخوف مُسيطراً عليها كلما خرجت صباحاً إلى عملها لتودع أطفالها بنظرة وتستودعهم الله. تقول: «أنا أعاملها بالحسنى ولا أُضيق عليها الخناق، لكني أخشى ردات فعلها العنيفة في أحيانٍ كثيرة، ليبقى تفكيري عند أطفالي عندما أتركهم معها في المنزل وأذهب إلى العمل».


نشوى: خادمتي لتنظيف البيت فقط، وأبنائي ليسوا من ضمن مسؤولياتها

بدأت نشوى قدور (28 سنة) وهي ربة منزل و أم لثلاثة أطفال، أخذ احتياطاتها بعد الجرائم التي سمعت عنها في التلفزيون وقرأت عنها في الجرائد، فأصبحت تغلق باب غرفتهم عليهم وهم نيام، ويفصلها عنهم باب فقط، وتمنعهم من التحدث مع الخادمة أو أن يطلبوا شيئاً منها. كما أن الخادمات الاندونيسيات أصبحن عندها في «القائمة السوداء» ومن المستحيل أن تدخلهن إلى منزل. ذلك لا يعني أن خادمتها من الجنسية الحبشية سيئة أو ملاك، لكنها تحرص على حماية أولادها. تقول: «خادمتي فقط لتنظيف البيت، أما الأولاد وتحضير الطعام فليسوا من مسؤولياتها أبدا. فالخادمات اليوم بتن كالقنبلة الموقوتة داخل المنزل، خاصة في الآونة الأخيرة التي باتت تشهد جرائم كثيرة ترتكبها خادمات ومن يدفع الثمن هم أطفال لا حول لهم ولا قوة».


الخطيب: شروط الاستقدام يجب أن تتضمّن الكشف النفسي

قال كبير استشاريي الطب النفسي واستشاري الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في مستشفى الصحة النفسية الدكتور سعد الخطيب إن أسباب تعدد جرائم الخادمات في المنازل تبدأ من «اختلاف الثقافة والبيئة التي كنّ يعيشن فيها. فهنّ يأتين من ثقافة وبيئة مختلفتين، ويصدمهن واقع آخر ووعود في معظمها كاذبة. فعلى سبيل المثال تعدها العائلة بالخروج في عطلة نهاية الأسبوع، وتوفير سكن خاص لها، وغير ذلك من الأمور التي تصدمها ما أن تصل إلى العائلة. وهناك أيضا الضغوط التي قد تتعرّض لها الخادمة، كساعات العمل الطويلة، فتُصاب بحالة ضغوط نفسية حادة أو اضطرابات ذهانية حادة،و قد تؤذي نفسها أو قد تؤذي الآخرين، وتجعلها تتصرف تصرفات غير مقبولة».

وأشار الخطيب إلى أن ما تُصاب به معظم الخادمات في المجتمعات الخليجية بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة هي حالات الذهان الحاد التي «تصبح العاملة المصابة بها في حالة لا تسمح لها بالتحكم في تصرفاتها أو مشاعرها أو سلوكياتها، أو تقوم بأعمال غير مقصودة، أو قد تستمع إلى أصوات غريبة تأمرها بأفعال مؤذية لأهل المنزل. كما أن الحرمان المادي أو الحرمان من الحقوق، قد يكون سبباً لانتقام الخادمة من مخدوميها».
ورأى أنه يجب أن تتضمن شروط الاستقدام الكشف على الجانب النفسي،  للحد من وجود إنسانة مريضة داخل الأسرة قد تؤذي أفرادها بمجرد تعرضها لضغوط في العمل أو من أفراد الأسرة.


المشهدي: لا أُعمّم الجُرم، ولا أعمّم سوء معاملة الخادمات في السعودية

قالت الاختصاصية الاجتماعية سوزان المشهدي أنه من غير الممكن أن «نعتبر جرائم الخادمات ظاهرة في السعودية، ذلك لأننا في البداية يجب أن نحدد معدلات الخادمات في البلدان الأخرى، لأعرف هل هذا النوع من الجرائم مُخصص للمجتمع السعودي فقط أم لا. ومما بدأنا ملاحظته في الأخبار عن تزايد جرائم الخادمات، فإن أسبابه قد تعود إلى إحساس الخادمة بأنها قادمة إلى سجن كبير ووحيدة، وهذا الشعور يولّد لديها أشياء أخرى كأن تنتقم أو تكره، خاصة إذا رافق هذا الإحساس أسلوب مُهين في بعض الأحيان، أو حرمانها من حقوقها المادية، أو التهديد بترحيلها، أو حرمانها من التواصل مع عائلتها وأبنائها في بلدها... كل هذه الأمور قد تُولد داخلها إنسانة لن تحفظ العِشرة، وستعمل على الانتقام  حتى وإن كلّفها الأمر إيذاء نفسها مع إيذائها للآخرين».

تضيف المشهدي: «لا أُعمم الجُرم ولا سوء المعاملة في المجتمعات الخليجية بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة (...). نظام الاستقدام المُحدد بسنتين، يُجبر الخادمة على تحمل الإساءة إن كانت تتعرض لها في منزل مستقدميها، وبالتالي تقع عليها ضغوط كبيرة قد تجعلها تنتقم ممن حولها. وإذا حللنا المشكلات الأساسية في هذا النظام ومنحنا الخادمة حريتها، إن فضلت البقاء أو المغادرة، مع دفع التعويض المادي للعائلة التي تعمل لديهم في حال مغادرتها، لا اعتقد ستكون لدينا هذه الحالات من الجرائم».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079