تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

عصابة سيارات النساء

ساعات من الذعر عاشتها سيدات منطقة الإسكندرية والبحيرة، بعد انتشار حوادث سرقة سيارات النساء تحت تهديد السلاح، بل وحذر البعض السيدات من قيادة السيارات ليلاً حتى لا يتعرضن للموت ذبحاًّ!
الظاهرة أقلقت أجهزة الأمن التي حاولت أن تصل إلى العصابة المتخصصة في سرقة سيارات النساء. ومرّت أسابيع قبل أن تضع الشرطة فصل النهاية لهذه الظاهرة بعد سقوط العصابة المسلحة التي يتزعمها أحد عتاة الإجرام في منطقة الوجه البحري. والتفاصيل تروي حكاية أيام الخوف التي عاشتها نساء هذه المنطقة
.


أمام مديرية أمن البحيرة كان المشهد مثيراً، عشرات النساء كن أمام المديرية، يبدو الخوف والترقب  على ملامحهن بعدما كادت حياتهن تضيع في لحظة واحدة فرقت بين الحياة والموت.
خرج أحد ضباط المباحث وطلب من النساء الصعود إلى مبنى المديرية لمواجهة العصابة المسلحة، فظهر التردد على وجوه الجميع، وتبادلت النساء الأنظار والتصقت أقدامهن بالأرض خوفاً من التحرك خطوة واحدة.

ارتسمت ابتسامة مشجعة على وجه الضابط الذي قال لهن: «لا تخشين شيئاً، العصابة المسلحة التي بثت الرعب وسرقتكن انتهى أمرها إلى الأبد، وهم الآن سجناء والقيود الحديدية تحيط أيديهم، والسجن هو مصيرهم المحتوم». ساهمت كلمات الضابط في بث بعض الثقة في النفوس، لكنها لم تمحُ الخوف بشكل تام من قلوب النساء.


حكاية نرمين

نرمين المهندسة الشابة كانت أول من تحرك، تماسكت في خطواتها وهي تتجه نحو غرفة مدير المباحث اللواء محمد الخليصي للتعرف على أفراد العصابة. ترددت قليلا قبل أن تخطو إلى داخل الغرفة، لكن زوجها دفعها بهدوء وهو يطالبها بعدم الخوف.
نظرت نرمين بعتاب إلى زوجها، ولسان حالها يقول له إنه لم يعش السيناريو المرعب الذي عاشته وكادت تموت ذعراً وهي تواجه وحدها اللصوص المسلحين، لكنها في النهاية لم تجد مفراً من دخول الغرفة، وشهقت بقوة حينما وقعت عيناها على «علاء» زعيم العصابة الذي تعرفت عليه بسهولة من ملامحه المميزة ونبرة صوته القاسية.

قبل أن يسألها مدير المباحث أكدت أنهم هم أفراد العصابة التي سرقت سيارتها تحت تهديد السلاح. وعادت الذاكرة إلى الوراء بالمهندسة الشابة التي بدأت تسترجع أصعب ساعة في حياتها، ستون دقيقة رعب شهدها أحد الشوارع الجانبية في محافظة البحيرة، هذا الشارع الذي يبتعد عن منزلها خطوات قليلة، لكنها فشلت في أن تستنجد بأي شخص، وأحست أن الشارع أصبح في لحظة شاغراً من المارة، ليس فيه سواها والعصابة المسلحة التي انشقت الأرض عنها. كانت المهندسة تسابق الزمن لتصل إلى منزلها بعد أن تجاوزت عقارب الساعة الحادية عشرة ليلاً، وهي لم تتعود أن تتأخر خارج المنزل إلى هذا الحد، لكنها انشغلت في أداء بعض الأعمال في المكتب الاستشاري الذي تعمل فيه. كانت على اتصال مستمر بزوجها لتعتذر له عن تأخرها، وباتت على مقربة من المنزل، تمني نفسها بوجبة دسمة وحمام دافئ قبل أن تخلد إلى النوم بعد يوم عمل شاق. وفي لحظات، انشقت الأرض عن سيارة ربع نقل متهالكة تسابق السيارة الملاكي الفارهة التي تقودها نرمين، فشعرت المهندسة الشابة بأن السيارة تستهدفها، ولهذا حاولت أن تطلق العنان لسيارتها.
في ثوان انقلبت الأمور رأساً على عقب، اصطدمت بها سيارة النقل، فأوقفت نرمين سيارتها، وقبل أن تعاتب السائق على فعلته فوجئت به  يترك سيارته وصوته يعلو بالسباب ويتهمها بأنها هي التي تسببت بالاصطدام. فترجلت المهندسة الشابة من سيارتها لتستطلع الأمر وتعاين الخسائر.

عندها بدأ سيناريو الرعب، ففوجئت نرمين بأحد مستقلي سيارة النقل وهو يشهر سلاحه في وجهها، والآخر يشل حركتها، والثالث ينتزع منها مفاتيح السيارة ويستقلها. ألقى بها أحدهم على الأرض وهو يطلب منها ألا تحاول الاستغاثة وإلا فإن الموت سيكون مصيرها. وسرعان ما شاهدت علاء ينطلق بسيارتها وشريكيه يستقلان سيارة النقل. وانتهى الأمر في لحظات، ظنت نرمين أنها تحلم أو أن الأمر لا يعدو كونه مجرد كابوس ستفيق منه.
أدركت بعد دقائق من الذهول أن الأمر حقيقة، وأنها نجت من الموت بمعجزة. عادت إلى منزلها وبكلمات موجزة قصت على زوجها ما حدث، فمرت لحظات ثقيلة قبل أن يتجاوز الزوج ذهوله ويصطحب زوجته إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن الجريمة.


ليالي الرعب

توالت الجرائم المرعبة، فتلقت الشرطة بلاغاً من سيدة في العقد الثالث تدعى سناء، أكدت أنها تعرضت  لسرقة سيارتها، لكنها حاولت أن تقاوم وانطلقت بسيارتها وأصابت أحد اللصوص. فطاردها المتهمون وأوقفوا سيارتها وأصابوها إصابات بالغة حتى كادت تفقد حياتها، فنقلت إلى المستشفى في حالة خطرة، وأبلغت إدارة المستشفى الشرطة لتتولى التحقيق. وأدلت المجني عليها لرجال المباحث بأوصاف الجناة، فكانت مطابقة لما أدلت به نرمين...

وقبل أن تمر ساعات على هذا البلاغ تلقت أجهزة الأمن بلاغاً آخر من سمر، سيدة الأعمال الشابة التي أكدت أنها تعرضت لعملية سطو مسلح على سيارتها من مسلحين يضعون أقنعة، و تمكنت من تقديم أوصاف السيارة التي كان المتهمون يستخدمونها، وهي نفسها التي استخدموها في الحوادث الأخرى. وتلقت بعض المجني عليهن مكالمات هاتفية من أفراد العصابة يعرضون عليهن رد السيارات مقابل مبلغ يصل إلى نصف ثمن كل سيارة، ولم ينس أفراد العصابة أن يحذروا الضحايا من إبلاغ الشرطة، حتى لا ينتقموا منهن. ودفع الذعر مئات السيدات إلى تجنب قيادة السيارات ليلاً، بل إن بعضهن أصابتهن فوبيا عدم استقلال السيارة من الأساس خوفاً من تعرضهن للخطف.

وأمام هذه الحالة من الذعر، قرر وزير الداخلية تشكيل فريق بحث من قطاع الأمن العام لمساعدة المباحث الجنائية في البحيرة، وتوصلت معلومات رجال الشرطة إلى مكان أحد الجناة، رغم أنه من الوجوه الجديدة في عالم الجريمة ولم يسبق اتهامه في قضايا سابقة. وبعد القبض عليه اعترف المتهم باشتراكه في هذه الجرائم مع أحد السائقين وحارس عقار، وقال إنهم اتفقوا جميعاً على اختيار النساء فقط ليكنَّ هدفاً لتلك الجرائم، استغلالاً لحالة الخوف التي تصيبهن. وأضاف أنهم ساهموا في انتشار الشائعات التي أخافت النساء حول سطوة العصابة، بهدف انتزاع السيارات منهن دون مقاومة. واعترف المتهم أيضاً بأنهم كانوا يخططون للتخلص من أي سيدة تحاول المقاومة. وتم القبض على المتهمين الآخرين، وأرشدت العصابة الشرطة إلى أماكن وجود السيارات التي باعوها لأحد الأشخاص في الإسكندرية. واعترف السارقون بارتكاب عشرين جريمة سرقة سيارات، ولا يزال التحقيق مستمراً معهم للوصول إلى مزيد من الاعترافات.
وقررت النيابة حبس المتهمين وتسليم السيارات إلى صاحباتها.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079