تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

'قاطع الطريق'...

أحداث هذه القضية كانت مفاجَأة لرجال المباحث، فللمرة الأولى يسقط قاطع طريق من الجنس اللطيف... سها وشقيقتها نادية أثارتا الرعب في قلوب السائقين، كانتا تحملان السلاح الآلي وهما تضعان القناع الأسود، وتهددان السائقين للاستيلاء على سياراتهم ومتعلقاتهم... ارتكبتا عشرات الجرائم في وقت قياسي، وقادتا عصابة من المطاريد والهاربين من الأحكام... لكن كيف استطاعت أنثى أن تحمل السلاح الآلي الخطير وترتكب جريمة قد يتردد عتاة المجرمين في ارتكابها؟ الإجابة جاءت في اعترافات الشقيقتين في محاضر النيابة بعد القبض عليهما.


أصابت الدهشة اللواء أحمد حلمي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، وهو يستعرض التحقيقات في قضية قاطعي الطرق الذين تم القبض عليهم قبل ساعات، بعد أن ارتكبوا عشرات الجرائم وأثاروا الرعب بين مستخدمي الطريق الصحراوي، إلى درجة أن المئات أحجموا عن السير ليلاً في هذا الطريق خشية الوقوع في براثن عصابة المقنعين الخطرة. التفت مدير الأمن العام إلى أحد معاونيه وبادره: «هل أنت متأكد أن مرتكبي هذه الجرائم نساء؟».

فرد الضابط مؤكداً أنه شخصياً لم يتخيّل هذا الأمر، لأنها المرة الأولى التي يتم ضبط أنثى ترتكب هذه الجريمة الخطيرة. وأكد لمدير الأمن العام أن اعترافات نادية وشقيقتها سها تكشف أسرار الجريمة.
تنفس مدير الأمن الصعداء، بعد أن عاش رجال الأمن ساعات عصيبة حين توالت البلاغات عن سقوط عشرات الضحايا في هذا الطريق بعد أن سرقهم قطّاع الطريق ليلاً تحت تهديد السلاح، وأخيراً أُسدل الستار على هذه الجرائم، وأخذ الضابط يتذكر الساعات الأخيرة التي سبقت ضبط العصابة، حين اجتمع برجاله وطالبهم بنصب مكامن على الطرق التي تشهد هذه الجرائم. وبعد أيام انتهى الكابوس الذي عاشته هذه المنطقة أشهراً طويلة، وسقطت عصابة المقنّعين، وتوالت الأحداث المثيرة.


مشهد متكرر

يكاد المشهد يتكرر بعدة أشكال مختلفة، الساعة تتجاوز منتصف الليل، يكتشف سائق السيارة وجود جذع شجرة ضخم يقطع الطريق وتضيء حوله النيران، ويضطر للتوقف أو تهدئة سرعته، ولا يستغرق الأمر سوى ثوانٍ معدودة، فيظهر أحد المقنعين شاهراً بندقيته الآلية، ويصوبها تجاه صاحب السيارة ويطلق رصاصة بجوار وجهه، ويطلب منه التوقف ومغادرة السيارة، مؤكداً أن الطلقة الثانية ستستقر في رأسه في حالة مقاومته أو محاولته الهرب أو الاستغاثة. يكسو الرعب الوجوه من مشهد الملثم الذي يظهر حوله مجموعة من الملثمين ويسارعون الى خطف السيارة والاستيلاء على متعلّقات صاحبها وإلقائه خارجها، وتشلّ المفاجأة عقول الضحايا الذين يشعرون دائماً بأن الأمر مجرد كابوس مريع. هذا السيناريو تكرر عشرات المرات، ولم يتمالك الضحايا أنفسهم إلا بعد فوات الأوان، تهرب العصابة بالسيارة ويسارع الضحايا إلى قسم الشرطة للإبلاغ دون أن يمتلكوا أي تفاصيل عن هوية العصابة أو ملامحهم بسبب الظلام والأقنعة التي كانوا يضعونها.

كانت البداية منذ شهور في أحد المنازل الريفية بإحدى محافظات دلتا مصر... جلست نادية ابنة الخامسة والعشرين عاماً مع شقيقتها سها تفكران في وسيلة للحصول على المال، الطموح الزائد جمعهما، والثورة على واقعهما المتردي كانت قاسماً مشتركاً بينهما. كانت نادية تبحث عن وسيلة للثراء السريع، لم تكن تطيق الحياة مع أسرتها الكبيرة، الأب مجرد عامل باليومية راتبه لا يكاد يكفي أسرته، وتطلب الأم من ابنتيها النزول للبحث عن عمل. وبالفعل التحقت سها ونادية بالعمل في أحد محلات الملابس، لكن طموحهما تجاوز هذا المكان وراتبه المتواضع... كانت نادية تحلم بحياة أسطورية تتجاوز واقعها الذي كان يوقظها دائماً لتتذكر أنها ما زالت ابنة العامل البسيط التي تسكن شقة ريفية تكتظ بأسرتها.
أكدت نادية لشقيقتها أنها تفكر في وسيلة للهروب من المنزل والانتقال إلى حياة جديدة، ووافقتها سها لكنها لم تكن تعرف إلى أين ذهب عقل شقيقتها...

شرحت نادية لها فكرتها، أكدت أنها استقتها من صفحات الحوادث وبعض الأفلام الأميركية البوليسية، وحين وجدت نادية التردد والقلق يكسو ملامح شقيقتها الصغرى، أكدت لها أن الفكرة تنطوي على مغامرة لكنها ستدر ذهباً عليهما. وسال لعاب سها حين سمعت كلمة ذهب، وأبدت استعدادها وبلا شروط لمعاونة شقيقتها، وقالت نادية: «سنشتري ثلاث بنادق آلية ونستعين باثنين من الهاربين من الأحكام لمعاونتنا في مهمتنا، ونقطع الطريق الصحراوي ليلاً ونسرق السيارات من أصحابها تحت تهديد السلاح».


ساعة الصفر

أصاب الخوف سها وبادرت شقيقتها قائلة: «هل تمزحين، أتريديننا أن نحمل بنادق آلية ونختبئ فجراً ونسرق السيارات تحت تهديد السلاح؟»، أجابتها نادية: «هذا هو الحل الوحيد والأسرع لما نحن فيه ونحقق أحلامنا، فمجرد أربع سيارات نسرقها ستحقق لنا عائداً كبيراً، والأمر يستحق المخاطرة». قاطعتها سها: «وماذا لو هرب صاحب السيارة؟»، قالت نادية: «سنطلق عليه النار بلا تردد ولن يكون هناك شهود، لأننا سنضع أقنعة، ولن يتخيل أحد أن العصابة الشرسة التي تسرق الرجال على الطريق هي من النساء». حاولت سها أن تعترض لكن شقيقتها منعتها وأكدت لها أنها ستنسى الخوف بمجرد تقاضي أول دفعة من حصيلة السرقة. قبل أيام من الحادث الأول كانت نادية قد تمكنت من شراء البنادق الآلية والاتفاق مع اثنين من المجرمين للاشتراك معهما، بشرط أن تكون هي زعيمة العصابة وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الأمر... عقارب الساعة تجاوزت الأولى فجراً، وضع خميس أحد أعضاء العصابة جذع شجرة ضخماً قطع به الطريق، وأشعل ورفاقه النار في انتظار وصول أولى الضحايا، وكان رجل أعمال يستقل سيارة فارهة ويسير بسرعة متوسطة، فأوقف السيارة حين شاهد النيران وظل لثوانٍ يفكر في سبل تدارك الموقف. وكانت تلك الثواني هي ما تريده نادية التي أشارت إلى عصابتها وشقيقتها بالهجوم... تسمّر رجل الأعمال في مكانه وفكر في الهرب، لكن نادية أطلقت دفعة من الرصاص في اتجاهه ليصاب بالذعر ويضطر للاستجابة لتحذيرات نادية التي أكدت أنها ستقتله إذا حاول الفرار.

غادر رجل الأعمال سيارته مسرعاً، رافعاً ذراعيه إلى أعلى، وطلبت منه سها حافظة نقوده وهاتفه المحمول، وبلا تردد استجاب لها رجل الأعمال الذي تصبب عرقاً رغم برودة الجو. وانطلقت سيارته واللصوص يستقلونها، ولم يصدق رجل الأعمال أنه نجا من القتل، وفي السيارة ارتفعت ضحكات نادية لنجاح جريمتها الأولى، وكانت قد اتفقت مع أحد تجار السيارات المسروقة على شراء المسروقات، وطلبت من خميس أن يستقل السيارة إلى التاجر ويبيعها بأربعين ألف جنيه. لم تصدق سها نفسها وهي تمسك آلاف الجنيهات للمرة الأولى في حياتها، وقررت أن تسافر إلى القاهرة للتنزه والاستمتاع بهذه الأموال، ورافقتها نادية التي كانت تفكر في وقف جرائمها بعض الوقت حتى تكف أجهزة الأمن عن البحث عنهما. وفي القاهرة عاشت الشقيقتان حياة أسطورية داخل جناح في فندق فاخر، وودعتا حياة الفقر البائسة، وبعد أيام طلبت نادية من شقيقتها أن تجهز نفسها للعودة إلى الجريمة، فالمشوار ما زال طويلاً...

وبلا تردد وافقت سها وواصلت الجرائم مع شقيقتها واصطادتا سيارات ملاكي ونقل. عشرات الجرائم ارتكبتها عصابة المقنعتين تحت تهديد السلاح، وأطلقت نادية النار على أحد أصحاب السيارات الملاكي الذي حاول أن يصيبها بسيارته أثناء محاولته الهرب، وسقط مضرجاً بدمائه، ولم تحاول أن تسعفه ولم يكن يهمها سوى السيارة.
أصبحت نادية وسها تمتلكان ثروة من قطع الطريق، وفي هذه الأثناء كانت أجهزة الأمن تنشر مكامنها على الطريق لمواجهة الجرائم المتزايدة، وقبيل مدينة وادي النطرون سمع عناصر مكمن أمني طلقات وشاهدوا العصابة أثناء هروبها في إحدى السيارات المسروقة، وبعد مطاردة شرسة في الطريق الصحراوي سقطت عصابة المقنعين بقيادة قاطعتي الطريق، لتتوالى اعترافاتهما المثيرة وتقرر النيابة حبسهم جميعاً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078