تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

1400 فتاة يهربن من المنزل العائلي بسبب العنف في السعودية

كشف تقرير صادر عن اللجنة النفسية في الغرفة التجارية في جدة، تناقلته وسائل الإعلام المحلية في 21 كانون الأول/ديسمبر 2012 هروب 1400 فتاة سعودية خلال عام، وذلك في إحصائية صنفت العنف الأسري سبباً رئيسياً لهذه الظاهرة، فيما رصد التقرير بقية الأسباب بنسب مختلفة من بينها ارتفاع معدلات الطلاق بالتزامن مع رصد عدد من الجرائم، ورصد أكثر من 26.6% من قضايا الإهمال، وسجلت قضايا سوء المعاملة النفسية للأطفال نسبة 22.8% بالإضافة إلى سوء المعاملة الجسدية بنسبة 12.2%.
تعرض «لها» في هذا التحقيق قصة فتاة هربت من منزل عائلتها بسبب العنف الواقع عليها، وناقشت مع المختصين الأسباب التي جعلت من هذه الأرقام بداية ظاهرة في السعودية


«هربت من عائلتي لسوء المعاملة والضرب الذي لم أقوَ عليه... وأنتظر خبراً يرشدني إلى والدتي»

رهف (16 سنة) فتاة سعودية والدها متوفى، ووالدتها مطلّقة. لها شقيق واحد، وثمانية أخوان (4 شباب و 4 فتيات) من والدها. تعيش في منزل والدها في مدينة حائل. كانت تلقى المعاملة السيئة والضرب اليومي بالتناوب بين الإخوان لأبسط الأسباب، على حد وصفها، فكانت بمثابة الخادمة بالمنزل وإن تأخرت كان العقاب أشد بأساً من أي عقاب آخر، فالكيّ والحرق تركا علامات فارقة على جسدها الصغير. تقول: «كنت أرغب في الذهاب إلى أمي  في جدة. لم أعدْ أطيق الضرب والاهانات في منزل أبي، وكنت دائماً أخبرهم بأني سأذهب وأهرب منهم إلى منزل والدتي المطلقة التي لم أرها إلا مرة واحدة وكان عمري حينها 14 سنة ومن بعدها لم أرها أو حتى أتحدث معها. زوجة والدي امرأة قاسية حتى في ملامح وجهها، لا أذكر يوماً أنها كانت مُنصفة لي أمام الضرب الذي كنت أتعرض له في المنزل».

هربت رهف من منزل والدها مرتين، في الأولى تعرفت على شخص من خلال شبكة الانترنت وهو شاب سعودي من حائل يبلغ من العمر 26 سنة، روت له تفاصيل حياتها كاملة من الألف إلى اليــاء، وطلبت منه مساعدتها في الهروب من المنزل. «تعرفت على هذا الشاب، واستمر تعارفنا لأسبوعين فقط، وكنا نتحدث من خلال الهاتف كثيراً حول الطريقة التي سأهرب بها معه من المنزل. واتفقنا على أن نلتقي في السوق لأذهب معه إلى منزله، وأبقى لمدة أربعة أيــام... لم أكن أعلم بأن مساعدته لي ما كان هدفها إلا إشباع رغبات جنسية له ولأصدقائه الثلاثة الذين تناوبوا على اغتصابي».

تمكنت رهف من الهروب من منزل الشاب والخروج إلى الشارع والاقتراب من سيارة شرطة كانت موجودة هناك، فأخبرت رجال الشرطة بأنها هاربة من منزل عائلتها ولا تريد العودة إليه بسبب سوء المعاملة. وتضيف: «ذهبت بسيارة الشرطة وتم تحويلي الى هيئة التحقيق والادعاء العام وتم توقيفي في غرفة تحرسها سجّانة، ومن ثم نقلت إلى مؤسسة لرعاية الفتيات في الرياض، وبقيت هناك ما يقارب الشهر. ثم أتى  أخي من حائل وتسلّمني ولم يكن رحيماً معي أبداً. حبسني أخوتي في غرفة مظلمة وكانوا يتناوبون على ضربي وإيذائي وتعذيبي الواحد تلو الآخر».

في شهر رمضان غافلت عائلتها وهربت من المنزل إلى منزل معلمتها التي ما أن رأت الكدمات وآثار الضرب والحرق بواسطة المكواة حتى اتصلت بالشرطة التي حضرت واستمعت إلى رهف، ومن ثم أحيلت على دار المعاقين في حائل وذلك لعدم وجود دار للحماية في المدينة وبقيت لمدة شهر هناك. ومن ثم نقلت إلى دار عون للضيافة في مدينة بريدة، وبعد أشهر قليلة تم تحويل رهف إلى دار التربية للفتيات في مدينة الرحى حيث بقيت ما يقارب العشرة أشهر. وتستمر في سرد قصتها قائلة: «من بعدها وصلت إلى جدة بناءً على رغبتي في أن أبحث عن والدتي وأتمكن من رؤيتها. وما زلت إلى اليوم في دار الحماية الاجتماعية التابعة للشؤون الاجتماعية انتظر خبراً يصلني عن والدتي. في رحلة تنقلي من دار إلى أخرى لم يحاول أحد من أسرتي تتبعي أو السؤال عني، سوى أنهم باتوا يعرفون أنني في هذه الدار. إلا أن أخي وولي أمري في اليمن اتصل بالدار وأخبرهم بأنه من الممكن أن يكون هناك زواج قريب لي من أحد الأقرباء في اليمن، وأنه سيحضر قريباً لتسلمي. ورفضت أنا الزواج وكتبت خطاباً إلى إدارة الدار بأني أرفض الزواج، وأنا أخشى العودة مجدداً إلى أخواني أو تسليمي لولي أمري».

رهف اليوم في دار الحماية الاجتماعية منذ خمسة أشهر، تعرضت فيها لمشاكسات من مديرة الدار والمشرفات، بسبب امتلاكها لجوال تستطيع التحدث من خلاله مع العالم الخارجي بحجة أن البنات في الدار لا يحق لهن امتلاك أي هاتف للتواصل مع أي شخص من خارج الدار. وتقول رهف: «اعترضت وأخبرتها المديرة بأن جميع البنات في الدار يمتلكن الهاتف وأنا بحاجة الى وجوده معي للتحدث مع الأشخاص الذين يبحثون معي عن أي رقم أو عنوان أستطيع من خلاله الوصول إلى والدتي في جدة».


المليص: متوسط أعمار الفتيات الهاربات بين 20 و30 سنة 

أشار رئيس اللجنة النفسية والاستشاري النفسي والأسري في الغرفة التجارية والمحاضر في الجامعة العربية الدكتور مسفر المليص إلى أن البحث العلمي الذي قام به للخروج بهذه الإحصائية عن هروب 1400 فتاة خلال عام في جدة شمل عينات عشوائية من كل مناطق مدينة جدة لفئة عمرية من سن 20 إلى 30 سنة، ذلك أن الفتيات في هذه الفئة منبع للكثير من حالات العنف داخل الأسرة. ولفت إلى أن أسباباً كثيرة تقف وراء هذه الظاهرة، أهمها الطلاق والتفكك الأسري والعنف داخل الأسرة وعدم الإلمام بالثقافة المنزلية والعصيان والتمرد على تقاليد المجتمع.

وذكر المليص الحلول التي تم اقتراحها خلال ندوة العنف الأسري التي نظمتها اللجنة النفسية بالغرفة التجارية في جدة، وأهمها إقامة دورات خاصة للأسر، واستخدام وسائل الإعلام لنشر خطر العنف داخل الأسرة، والتواصل مع التربية والتعليم لوضع مناهج معينة لتثقيف التلامذة في ما يخص التربية الأسرية الصحيحة في المراحل الثانوية.

وقال: «وُضعت هذه الظاهرة من ضمن الأولويات في عمل اللجنة النفسية، وطالبنا دور الحماية بالتواصل السليم والصحي مع النزيلات في الدار والطالبات للحماية، وتوفير الأمن لهن ومحاولة إنشاء دور للحماية في كل مناطق المملكة لاحتواء هؤلاء الفتيات وحمايتهن من الذئاب البشرية التي تتربص بهم عند هروبهم من عنف أسرهن في المنزل».
الخطيب: نتعامل مع حالات الهروب من المنزل وكأنها «محــاولة انتحـــار»

من جانبه، قال  استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين في مستشفى الصحة النفسية في جدة الدكتور سعد عمر الخطيب إن عدد الفتيات الهاربات في عام واحد مقارنة بدول أخرى وقياساً بعدد سكان السعودية لا يعتبر كبيراً، «لكن المشكلة الأساسية تكمن في كوننا ننتمي إلى بيئة محافظة، ولا نزال نتمسك بالترابط الأسري ومن المفترض أن تكون أسرنا متجانسة، لا نعاني التفكك كما في المجتمعات الغربية. لكن المشكلة أن الفتاة لا تملك بدائل، فمن تتعرض للعنف في المنزل سواء أكان هذا العنف جسدياً أو لفظياً أو تحرشات جنسية وما إلى ذلك، أين تذهب؟ هناك دور للحماية في المدن الرئيسية لكنها غير موجودة في المناطق والمحافظات، كما لا يوجد رقم موحد للاتصال به والاستنجاد في حالات العنف المنزلية. وللأسف أيضا خدمات القطاع النفسي لمن يتعرضون للعنف قليلة جداً وقد تكون محدودة في المملكة».

وعن أكثر أنواع العنف انتشاراً في السعودية قال الخطيب: «يقتصر العنف في السعودية على عنف الإهمال، والعنف اللفظي، وبالتأكيد مع وجود العنف الجسدي، لكن نسبته باتت قليلة، ونتمنى أن يكون العنف الجنسي قليلاً أيضاً. وللأسف قد تتعرض الفتاة لضغوط شديدة داخل الأسرة تضطر على إثرها لترك المنزل والهرب، ليستقبلها الشارع أو تستغلّها عصابات قد تدخلها في عالم المخدرات أو الزنا لا سمح الله. ولا يوجد مكان آمن وبديل يُصنّف على أنه مكان آمن للفتاة التي تهرب من منزل عائلتها، حتى وأن اختارت اللجوء إلى منزل أحد أقربائها فقد تتهم باتهامات خطيرة. ولذلك فنحن نصنف حالات الهروب من المنزل وكأنها «محاولة انتحــار» يجب أن تؤخذ على محمل الجد والحرص على إجراء تقويم نفسي شامل للتأكد من أن الفتاة لا تعاني من قلق شديد أو اكتئاب شديد قد لا يوجد له علاج».


كاتب: الإعلام الجديد هو أحد الأسباب الفرعية للمشكلة لا أكثر

قال رئيس قسم مهارات الاتصال في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور سعود الكاتب إنه لا يمكن اعتبار الإعلام الجديد سبباً لهروب الفتيات من منازلهن أو ازدياد نسبة هذه الظاهرة، وأضاف: «الأمر أكبر بكثير من ارتباط المشكلة بالإعلام الجديد، فالأخير لم يفتح سوى نافذة سهلت عملية التواصل بين البنات والشباب في العالم الافتراضي (الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعية والدردشات). والفتاة في المجتمع السعودي تعيش ضغوطاً ومشاكل أسرية منها عدم وجود من يقدم لها التوعية والنصح والإرشاد، وتحتاج إلى من تتحدث إليه أياً كان هذا الشخص للهروب فقط من واقعها، وقد يستغلّ هذا الشخص ظروفها لتنجرف وتهرب من المنزل معه وتحصل عواقب غير محمودة. وبالتالي فإن الإعلام الجديد يُفاقم المشكلة ويزيدها وهو أحد أسبابها الفرعية».

وتابع كاتب حديثه قائلاً: «وجود 1400 فتاة هربن من منزل أسرهنّ خلال عام واحد، رقم مخيف جداً. واعتقد أن اللوم يستحقه المجتمع بسبب ما يحدث، فما توفره الدولة من دور للرعاية والحماية ليست أماكن آمنة للفتاة الهاربة وذلك بسبب مشاكلها وأوضاعها المزرية التي باتت تتصدر صفحات الصحف المحلية في الآونة الأخيرة. وقد تكون هذه الأرقام المعلنة فقط وما خفي أعظم».

ورأى أن السبب الرئيسي لهروب الفتيات هو انشغال الأسرة في أمورها الخاصة، وابتعادها عن فترات معينة من حياة أبنائها وخاصة الفتيات. وقد تتنوع الأسباب وتختلف كثيراً، وقد يُلحقها البعض بانحراف الفتاة، لكن حتى الانحراف له أسباب لابد من درسها.


الشريف : يجب تغيير الصورة النمطية عن الفتيات فليست كل هاربة من المنزل فتاة منحرفة

قال المشرف على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكة المكرمة الدكتور حسين الشريف إنه لا بد من البحث عن أسباب هذه الظاهرة وعلاجها، «ونحن على إيمان ويقين، أنه كلّما توحدت أنظمة الدولة في الحفاظ على وحدة الأسرة، وكلما كانت هناك ثقافة لتعزيز هذه الوحدة على اعتبار الأسرة نواة للمجتمع وكانت هناك أساسيات لنشر الحوار والرأي والرأي الآخر وتقبّل النقد والإيمان بالحقوق داخل الأسرة، انخفضت حالات العنف. كما أنه من الواجب إعادة النظر في بعض الصور النمطية لطبيعة العلاقة القائمة من أفراد الأسرة للذكور والإناث، فما زال البعض يُعطي الأفضلية للذكور، ومازال البعض ينظر إلى الإناث نظرة سُلطوية ونظرة وصاية. 

ومجمل هذه العوامل تكون أحد الأسباب التي تخلق العنف الأسري الذي يؤدي إلى الهروب. كما أن المشكلات الأسرية من نزاعات بين الأم والأب أو بين الأخوات والأخوان، جميعها تشجع أحياناً على الهروب. هناك حالات هرب فتيات هدفها النجاة بحياتهن والتخلّص من عذاب يُساق لهن يومياً. وهنا يجب أن تتغير الصورة النمطية عن الفتيات، فليست كل هاربة من المنزل فتاة منحرفة».

وذكر الشريف أنه في حال لجوء بعض الفتيات الهاربات إلى جمعية حقوق الإنسان يتم التعامل معهن كالآتي: «نفتح ملفاً للحالة، ونأخذ كل المعلومات الأولية عن المشكلة والأسباب والدوافع، ويتم العمل معهن ضمن إجراءين أحدهما قانوني والأخر اجتماعي. قانونياً لا بد من تقديم الحالة إلى الشرطة فتأتي دورية برفقة سجانة أو مشرفة من السجن. أما الإجراء الاجتماعي فيأتي إن وردت في الملف شكاوى عن العنف أو ما شابه، فنقوم بالمتابعة مع الشرطة ومحاولة الدفاع عن الفتاة في حال التأكد من وقوع الظلم عليها وأنها ضحية في منزلها. وهذا ليس بتشجيع للفتيات على الهروب، لكن عندما تكون الفتاة معرّضة للقتل أو التعذيب أو الضرب المبرح فمن حق المعنّفة اللجوء إلى السلطات لحمايتها، ومن واجبنا في جمعية حقوق الإنسان المتابعة مع الأجهزة الحكومية وتوفير الحق لها في إيداعها دار الحماية، وأيضا إحالة المتهمين بالضرب والعنف على هيئة التحقيق والادعاء العام ثم المحكمة. وهذه آليتنا في التعامل مع حالات هروب الفتيات إذا تضمنت عنفاً يمارس عليهن».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078