حرق والدته واعترف...
يتمنى الموت في كل لحظة، صورة أمه تتراءى له يومياً في محبسه، صوتها يدوي في أذنيه وهي تعاتبه على فعلته، تقول له لماذا أحرقتني يا بني رغم أنني لم أبخل عليك بأي شيء؟ وكم هي لعينة هذه المخدرات التي تغيّب العقول... المثير أن جار القتيلة لم يتحمل المشهد فلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يتابع احتراق أمٍّ بيد ابنها الوحيد، لتدفع الأم ثمن أخطاء ابنها.
اعترافاته كشفت قصته الدامية التي انتهت بمأساة... لم ترتكب أمه جرماً تستحق عليه هذا المصير الدامي... كسا الغضب وجه وكيل النيابة وهو يستمع إلى اعترافات المتهم الذي وقف أمامه والوجوم يغلف وجهه، وقال: «اسمي باسم علاء حفني، أبلغ من العمر 24 عاماً، نعم تسببت بموت أمي، لكن هذا حدث رغماً عني».
أضاف: «أنا ضحية الخلافات الأسرية، كنت أعيش حياة مستقرة مع أسرتي الصغيرة المكونة من أبي وأمي وأنا فقط. كنت بالنسبة إليهما الحلم الجميل. أتذكر عندما كان أبي يدفعني إلى المذاكرة، ويحاول نصحي من أجل التفوق والحصول على الدرجات النهائية، هو كان يتمنى أن أصبح طبيباً أو مهندساً، كما كانت أمي تساعده على تحقيق هذا الحلم، فعندما كنت أعود إلى المنزل من المدرسة، كانت تلبي لي كل حاجاتي. تترك كل أشياء المنزل من أجل مساعدتي على المذاكرة، كانت أيضاً تذهب معي أحيانا إلى المدرسة للسؤال عني ومتابعة أحوالي. بصراحة أمي وأبي كانا لي كل شيء في حياتي، ولذلك كنت أذاكر وأجتهد من أجل تحقيق حلمهما الجميل، واستطعت حتى المرحلة الثانوية أن أحصل على درجات كبيرة، لكن للأسف أحلامي وأحلامهما أطاحتها الخلافات التي دمرت أسرتنا تماماً».
بركان عائلي
يكمل المتهم كلامه قائلاً: «منذ كنت في بداية المرحلة الثانوية، عرفت الخلافات طريقها بين والدي ووالدتي، وكانا يتشاجران دائماً لأتفه الأسباب. حاولت الصلح بينهما كثيراً، كما حاول أقاربنا من ناحية أبي ومن ناحية أمي التوفيق بينهما، إلا أن تلك المحاولات كانت تفشل، حتى كان الخلاف الأخير الذي قررا فيه الانفصال. منذ ذلك الوقت شعرت بالضياع، كنت أحياناً أذهب للمبيت عند أبي الذي تزوج من امرأة أخرى، وكانت زوجته تعاملني بضيق وقسوة، فكنت ألجأ الى الإقامة عند أمي في الأيام الأخرى...
شعرت بأن الجميع بدأوا يتخلون عني، ورحت أمضي معظم الوقت في الشارع، وتعرفت على رجل يكبرني في العمر، شعرت بأنه بدأ يعطيني الأمان الذي أفتقده، كان أيضاً يهتم بي. لكن بعد فترة من الوقت فوجئت به يطلب مني إيصال بعض الأشياء إلى أشخاص مجهولين، وعرفت بعد فترة أنني أنقل مخدرات لمصلحته، مما جعلني أواجهه وأطلب منه أن ينساني تماماً، وحاولت أيضاً بعدها أن أقطع صلتي به، إلا أنه ظل يطاردني ليل نهار، ويوسط أصدقائي لكي أعود إليه. وفي النهاية أقنعني بأنه سوف يدفع لي المزيد، ويحميني من الشرطة ولن تعرف أسرتي عن نشاطي أي شيء، وأن نقل المخدرات إلى الزبائن سيتم في نطاق من السرية... لكن بعد ذلك حدث ما لم أتوقعه أبداً».
مفاجأة قاسية
يكمل باسم كلامه قائلاً: «في أحد الأيام وأثناء توصيل بعض المخدرات إلى زبائن، فوجئت برجال الشرطة يتتبعون خطواتي، وعندما حاولت الهروب منهم، حاصروني وألقوا القبض عليَّ وبحوزتي المخدرات. وبعدها وجدت نفسي أقف مكبّل اليدين، واعترفت لرجال الشرطة بكل شيء، وبعدها بشهور قليلة صدر حكم ضدي بالحبس ثلاث سنوات، عشت فيها الحرمان بكل معانيه، وعرفت عذاب أن يفقد الإنسان حريته تماماً، وأن يكون خلف القضبان.
كان أبي وأمي يزورانني بين الحين والآخر، وكنت أعلن لهما ندمي دائماً، وألومهما على ضياعي بهذا الشكل... تم الإفراج عني بعد المدة المقررة، وخرجت إلى الدنيا مجدداً، لأجد نفسي بلا مهنة أو تعليم. حاولت أمي مساندتي لكن محاولاتها كانت تنتهي بالفشل دائماً... عملت حلاقاً وفي ورش النجارة وتصليح السيارات، عملت في كل شيء، لكن لم أستمر في أي عمل سوى بضعة أيام، اذ كان أصحاب العمل يعاملونني بقسوة، ويهينونني أحياناً، وأنا لم أعتد أبداً على الإهانة بهذا الشكل، ولذلك كنت أطلب من أمي أموالاً حتى تعينني على الحياة. وبصراحة لم ترفض أمي مرة واحدة إعطائي مالاً، بل كانت تعرف ظروفي وتقدرها جيداً، وتحاول أن تعينني عليها».
الصدمة
يسكت المتهم قليلاً ثم يكمل كلامه قائلاً: «كنت أشعر بأنني إنسان بلا قيمة، ولذلك قررت العمل من جديد في أي مهنة، وللأسف فشلت وهذا ما جعلني أعود مجدداً إلى طريق الحرام، وقررت أن أتاجر في المخدرات لحسابي الخاص، وكان هذا قراري حتى لا يعلم عني أحد شيئاً، وحتى أكون بعيداً عن عيون المباحث».
ويضيف المتهم: «اتفقت مع أحد التجار على الحصول منه على بعض المخدرات، وقدرت الكمية التي كنت سأشتريها منه بحوالي ألفي جنيه،. وقتها ذهبت إلى أمي بسرعة الصاروخ، وأنا متأكد أنها سوف تعطيني ما أحتاجه مثل كل مرة، لكن للأسف فوجئت بها ترفض طلبي، وتقسم بأغلظ الأيمان بأنها لا تملك حتى ربع هذا المبلغ، وهنا وجدت نفسي أصرخ في وجهها لأول مرة، وأدفعها بشدة على الأرض وأضرب جسدها بقوة، حتى أغمي عليها من قسوة ضربي لها. ثم أخذت أفتش الشقة في رحلة البحث عن أي أموال، لكن للأسف لم أجد سوى خمسين جنيهاً، فنزلت إلى الشارع واشتريت بنزين، وعدت إلى البيت وألقيت فيه البنزين ثم أشعلت عود ثقاب فيه وهربت».
ويكمل المتهم: «فوجئت بعد ساعات قليلة برجال الشرطة يلقون القبض عليَّ، وفي قسم الشرطة علمت منهم أن البيت احترق تماماً، وأن النيران قضت على كل شيء، وأن أحد الجيران أصيب بصدمة عندما فوجئ باشتعال النيران عند صعوده السلالم، وعندما خرج من البيت مات متأثراً من الصدمة. أما أمي فحسب ما عرفت وقتها أن النيران أحرقتها بنسبة 90 في المئة، وأنه تم تحويلها إلى أحد المستشفيات لمحاولة علاجها، إلا أنها ماتت بعد بضعة أيام متأثرة بجروحها. وهنا شعرت بالصدمة واعترفت بجريمتي وحكيت لرجال الشرطة حكايتي من البداية إلى النهاية، وأنا أشعر بتأنيب الضمير، فأمي نالت نهاية لا تستحقها، بالعكس كان من المفترض أن أكون أقرب الناس إليها، مثلما كانت هي أقرب الناس إلي، وتحملت قسوة الحياة مع أبي وتحملت مشاكلي كثيراً، ولم تتخل عني».
وأنهى الابن القاتل اعترافه مطالباً النيابة بإعدامه، لأن الموت سيخفف عنه تأنيب الضمير بعد وفاة أمه على يديه.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة