تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

جهاد السعيد الناجي السوري الوحيد من تحطّم طائرة يروي تفاصيل الحادث...

يطلقون عليه لقب الميت الحي، بعدما شهده من حادثة مثيرة وغريبة أثناء ركوبه الطائرة، ولمعرفة التفاصيل بدأ السيد جهاد السعيد حكايته قائلا:


من هنا تبدأ الحكاية...

منذ صغري كنت أحلم بالسفر والركوب بالطائرة، وهذا الحلم يراودني من زمن بعيد حتى سنحت لي الفرصة عندما طلب مني السفر إلى سييراليون الإفريقية للعمل في معمل خاص يملكه مدير لبناني، وكانت فرحتي لا توصف لأنني سأحقق حلمي بالسفر ومشاهدة العالم وخاصة إفريقيا بلد السحر والخيال، وكذلك الركوب بالطائرة، رغم أن أهلي لم يوافقوا في البداية على فكرة سفري، وقالوا لي لم نسمع عن أحد يسافر إلى أفريقيا، فكيف ستسافر أنت إلى عالم مجهول لا نسمع عن أحد يعيش فيه سوى الحيوانات؟
لكن بطريقتي وبأسلوبي تمكنت من إقناعهم وبالفعل غادرت أهلي وقريتي وأصحابي، وكان لي ما كان بتحقق حلمي بالسفر وركوب الطائرة. ومهما اعتاد المرء على السفر بالطائرة، يبقى للسفر جواً بعض المهابة، وهذه المهابة غالباً ما تكون قلقاً مفهوماً ومبرراً عند غير المعتادين على ذلك، فما الذي يجعل الطائرة بوزنها وحمولتها وسيلة آمنة للنقل؟ وهل ستمر مدة الرحلة من أولها إلى آخرها بسلام؟ وما الذي يقوم به مهندس الطيران وقائد الطائرة والطاقم، ومن قبلهم فرق الصيانة الأرضية. هكذا كنت أفكر وأنا بداخلها؟!


العودة إلى الوطن...

بعد غياب سنة تقريبا قررت العودة إلى بلدي وأهلي وقريتي وكنت مشتاقا جدا لوالدتي وأخوتي وأحسست بأن الوقت طويل والأيام أطول وكأنني منهك مثقل بهمومي التي ما فتئت تلازمني كظلي. وكان ذلك قبل الاحتفال برأس السنة الميلادية بيومين تقريبا. وبعد تناول الفطور اتجهت إلى المطار في سييراليون الذي كان يبعد عن مسكني حوالي ساعتين في السيارة وسعادتي كبيرة لدى وصولي المطار ودخول الصالة التي تقلّني إلى البوابة رقم 74 كانت حينها مكتظة بالمسافرين وكلّهم من لبنان لأنهم يريدون أن يحتفلوا بالأعياد بين أهلهم.

المنادية عبر مكبرات الصوت تقول باللغة الفرنسية: على السادة المسافرين على الرحلة رقم 252 والمغادرة إلى بيروت عبر طائرة كوتونو (UTA) التوجه إلى بوابة الطائرة... لدى دخولي باب الطائرة أشارت إليّ المضيفة ذات الملامح السمراء بابتسامة رقيقة بالتوجه إلى المقعد القريب من الجناح. بعد أن وضعت حقيبتي وجلست قلت في نفسي أي المقاعد آمنة أكثر من غيرها في الطائرة؟ يعتقد البعض أن المقاعد القريبة من الجناحين، أو تلك التي في آخر الطائرة آمنة أكثر من غيرها، ولكن لا دليل علمياً على ذلك، فكل المقاعد تتمتع بنسبة الأمان نفسها إذا كان حزام الأمان محكماً، وقلت في النهاية الحافظ هو الله.
وبعد لحظات أشارت المضيفة إلى الانتباه لإشارات السلامة ووضع الحزام والاستعداد للإقلاع.


فيلم رعب على الطريقة الهوليوودية!

بدأت الطائرة تحلّق على ارتفاع شاهق، والرحلة كانت حينها في منتصف الليل مع مطبات قوية وظلمة وعواصف ممطرة، ناهيك بالمطبات الهوائية... شعرت بخوف شديد وبدأت أفكر في احتمالات خطورة الأحوال الجوية وتأثيرها في حوادث الطيران التي طالما سمعنا عنها حول العالم، ولكن الخطورة الأكبر كانت المطبات الهوائية الشائعة أكثر من غيرها ولا تتمثل في تسببها بحوادث تحطم الطائرات، بقدر ما تؤدي إلى جروح وإصابات في صفوف المسافرين من دون أن تتحطم الطائرة المهيأة لمواجهة الاضطرابات الجوية حتى العنيفة منها، ولكن المسافرين يمكنهم أن يفقدوا توازنهم إذا كانوا واقفين أو يتجولون في الممرات، حتى أن الجالسين من دون ربط حزام الأمان يمكنهم أن يرتفعوا عن مقاعدهم حتى ارتطام رأسهم بمخزن الحقائب فوق رؤوسهم.

فجأة سمعنا صوت انفجار قوي جدا من الخلف وبدأ الناس يصرخون وتبعه انفجار من داخل قمرة القيادة. وفي تلك اللحظات أقسم بالله أن سقف الطائرة طار ونظرت إلى الأمام فوجدت ركابا على مقاعدهم بلا رؤوس!! ربما لا تصدق إن قلت لك أنني فقدت الوعي تماما والكرسي الذي أجلس عليه قد طار من مكانه والحزام ما زال مربوطا على خصري. هنا شاهدت نفسي أطير والبحر من تحتي ثم هبطت إلى قاع البحر، وأقسم لك في تلك اللحظات كأنه صوت يناديني ويقول لي فك الحزام، وبالفعل نزعت الحزام وبدأت أطفو على الماء.
وتابع جهاد حديثه المروع يقول: شاهدت اليابسة غير بعيدة عني لكني والحمد لله استطعت أن أسبح إلى الشاطئ، وأثناء السباحة كانت يدي تلتطم برؤوس وأجسام مهشمة حتى وصلت إلى اليابسة ورأيت سيدة زنجية قامت على الفور بسحبي من الماء ونزع ملابسي والضغط على بطني ومنحي التنفس الاصطناعي، حتى جاءت سيارة بيك آب ووضعوني في صندوق السيارة التي انطلقت الى المستشفى.


الناس تهرب مني...

أثناء قدومي إلى المستشفى شاهدت كل من يراني يهرب والسبب أن جسمي كله ممزق ومخدوش ولا يوجد فيه سنتم إلا فيه جرح، حينها تمت معالجتي، والأضرار اقتصرت على فقرات مكسورة في الرقبة والظهر، وتم تثبيتي بمرابط حديد لمدة ستة أشهر تقريبا.


والدتي كادت تفقد صوابها...

أما أهلي فقد علموا أنني مغادر سييراليون متجها إلى بيروت ومن ثم إلى اللاذقية، وكانت فرحة الوالدة لا توصف. وعندما سمع أخوتي عبر الإذاعات والتلفزيون أن الطائرة الآتية من سييراليون إلى لبنان تحطمت وعلى متنها 116 راكباً لقوا حتفهم، حاولوا ألا يعلموا والدتي لكنها أحست بشيء غامض يحدث وبعد إصرارها علمت بالأمر وكادت تفقد صوابها، ورغم ذلك تمالكت أعصابها وظلت تقول ابني سيعود، أشعر بذلك.
وبعد أيام تكلمت مع عائلتي بالهاتف وأخبرتهم أني بخير وبصحة جيدة، وأنني سأعود قريبا إلى منزلي، وبعد فترة أقلوني بالطائرة إلى بيروت وهناك أكملت علاجي بين أهلي وأحبتي.


الحياة جميلة ما أروعها...

ولدى سؤالنا هل أصبحت أكثر تعلقا بالحياة أم ماذا؟ أجاب: الحياة رائعة وحلوة يجب أن نستغلّها بالعمل الصالح والمعاملة الطيبة. وأعتقد أن ما حصل معي هو أن الله يحبني جدا، وعدت الى الحياة أكثر إصرارا بتعبدي لله عز وجل والعمل الصالح وفعل الخير ومساعدة المحتاجين.
مسح دموعه وقال بصوت مخنوق: ما حدث لي شيء غريب بالفعل لا يمكن أن يتحمله بشر ويتصوره عقل... الحمد لله رب العالمين.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079