تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

'النيتروجين المؤكسد' يقتل الطفل صلاح الدين خلال 24 ساعة

دخل صلاح الدين يوسف (8 سنوات) المستشفى مع والدته الخميس 15 تشرين الثاني/ نوفمبر نتيجة معاناته من أنفلونزا حادة لمدة 15 يوماً، وبعد شفائه لوحظ انتفاخ في حنجرته، مما جعل طبيبه الخاص يطلب إجراء خزعة من الغدة اللمفاوية نظراً لعدم توافر الأجهزة المطلوبة في العيادة الخاصة. أحيل المريض على أحد المستشفيات الخاصة في جدة حيث وقع الخطأ الطبي أثناء عملية التخدير الكامل للطفل في غرفة الأشعة، فقد حقن بمادة مخدرة، ووضعت كمامة التنويم ثم أخرج من الغرفة، لتتدهور حالة الطفل، ويهرع الأطباء بمعداتهم لمحاولة إنعاش القلب، لكن الغرفة لم تكن مُجهزة لذلك، وتم إخراج الأم المرافقة لابنها ليكتشف الطبيب أنه أمام كارثة حقيقية وهي أن جهاز الأوكسيجين الخاص بالإنعاش كان مستبدلاً بأنبوب فيه مادة «النيتروجين المؤكسد»، ونتج عنها دخول الطفل في غيبوبة لمدة 24 ساعة فارق بعدها الحياة. «لها» التقت الأب يوسف عبد اللطيف جميل في منزله فحدثنا عن تفاصيل حادث وفاة طفله.


يوسف عبد اللطيف جميل:  كل مسؤول  ارتكب جريمة يجب أن يعاقَب

على ملامح وجهه ارتسمت علامات الحزن واختنقت العبارات عندما بدأ يوسف عبد اللطيف جميل الحديث عن قصة ابنه صلاح الدين (8 سنوات) رافضاً أن يكون الحادث خطأ طبياً بقدر ما هو فعل جنائي: «هو فعل جنائي لعدة أسباب، الأول أن مرض صلاح الدين كان بسيطاً جداً ولم يكن بحاجة إلى  التخدير الكامل بل يحتاج فقط إلى تخدير موضعي، لأن انتفاخ الغدة اللمفاوية لم يكن عميقاً بل كان سطحياً. أما السبب الثاني فما علمته لاحقاً أنهم طلبوا من زوجتي توقيع ورقة بيضاء فارغة، والسبب الثالث أن العملية قد أجريت في غرفة غير مجهزة وهي للأشعة فقط وبالتالي ليس فيها معدات وتجهيزات تحسباً لأي طارئ، وهذه الأسباب مجتمعة تصل بنا إلى وجود عملية جنائية».

وأضاف جميل: «الخلط بين أنابيب غاز الأوكسجين والنيتروجين المؤكسد، غير مقبول في مستشفى خاص وضخم، ومن البديهي وقبل إدخال أي مريض إلى عملية أو إعطاء المريض أي نوع من هذه الغازات إجراء الاختبارات. وهي عدة أخطاء جسيمة واستهتار واضح بحياة البشر».

جميل كان مسافراً عندما ذهب صلاح الدين ووالدته إلى المستشفى نتيجة معاناته من أنفلونزا شديدة لمدة 15 يوماً، «لم أكن أدرك أن الأمر يحتاج إلى عملية وتخدير كامل، ولا أعرف سبب هذا الانتفاخ فالأمر ليس بالوراثة لأني ووالدته لم نُصب به أبدا».

وأشار إلى أن وزارة الصحة تابعت الحالة، واكتشفت اختفاء أوراق مهمة وخاصة بملف الطفل صلاح الدين، ومن بينها أوراق التخدير ومنع الأطباء المسؤولون من السفر، «إلا أنهم قاموا بتسفيرهم في اليوم الثاني وتم اتهام موظفين صغيرين في المستشفى لمساعدة الطبيب الممنوع من السفر، مع أني قابلت إدارة المستشفى وطلبت عدم إخفاء الحقائق أو أي معلومات، وأن يتعاملوا معي كرجال، ويجب على من ارتكب الخطأ الاعتراف وعدم التهرب من المسؤولية والعقاب».

ومن جهة أخرى أشار جميل إلى أن شركة الصيانة التي ألقى المستشفى اللوم عليها في وفاة الطفل، هي شركة غير مؤهلة لصيانة المستشفيات والمعدات والأدوات الطبية الدقيقة. لافتا إلى أن «غرفة الغازات في المستشفى موجودة في مبنى منفصل عن المستشفى وتمديداتها تمر من تحت الشارع، وفي حال وجود تسرّبات أو عوامل خارجية قد تتأثر هذه التمديدات وصلاحية استعمالها في المستشفى».

وحول الخطوة التي سيتخذها أكد أن الحق العام لديه أهم من الحق الخاص، لأن ولده قد توفي «وقدّر الله وما شاء فعل» لكن الأمر لا يتعلق به وحده إنما يمتد إلى «قضية تتعلق بوزارة الصحة وبأنظمة البلد التي تسمح للأخطاء بأن تتكرر في مؤسسة طبية من واجبها حماية أرواح الناس وليس الاستهتار بهم». وشدد على ضرورة تسليم إدارة المستشفى للقادرين عليها «فمن غير المعقول أن تُترك المستشفيات في أيدي أُناس غير أكفياء».

وعند سؤاله عن رد مدير المستشفى على تسفير طبيب التخدير المتهم في القضية ذكر والد الطفل أنه «إلى الآن لا أعرف اسم  طبيب التخدير، ولم أسأل صاحب المستشفى عن شيء لأني لست محققاً».


حمزة يوسف جميل: أحبه جداً وسأفتقده كثيراً

حمزة يوسف جميل (11 سنة) تحدث وهو يقف إلى جانب غرفة شقيقه صلاح الدين، وبحزن وخجل وكلمات متفرقة قال: « كان أخي يحب القراءة، والتايكواندو. وآخر مرة رأيت شقيقي  فيها كان يوم الأربعاء في المدرسة فأنا في الصف السادس، وصلاح في الصف الثالث في المدرسة ذاتها. أحبه جداً وسأفتقده كثيراً. هو يشاركني غرفة النوم، وكنا نلعب ونتشاجر كجميع الأخوة. حتى أنني كنت معه في النادي ولم أكن أعرف أنها المرة الأخيرة التي سنجتمع فيها».


الدكتور عرفان يُقدم واجب العزاء لأسرة الطفل صلاح الدين

قدم الدكتور محمد عرفان صاحب ومدير المستشفى المسؤول عن الخطأ الطبي (مستشفى باقدو والدكتور عرفان) تعازيه إلى أسرة الطفل صلاح الدين في زيارةٍ لوالد الطفل الذي استقبله وامتنع عن الحديث معه حول قضية ابنه، معللاً ذلك بقوله: «لن أتحدث عن أي شيء يخص القضية، إلا بعد إظهار الحقيقة كاملة، ومن ثم سأتحدث معك بعدها».


المستشفى يمتنع عن الرد

اتصلت «لها» بإدارة العلاقات العامة والإعلام الطبي في مستشفى عرفان للوقوف على رأي المستشفى، ولكنهم امتنعوا عن التصريح أو الرد في ما يتعلق بقضية الطفل صلاح الدين. وذكرت نائبة مديرة العلاقات العامة والإعلام الطبي ماجدة عند حديثنا معها على الهاتف أنه «لايوجد أي رد لدينا من المستشفى لأي جهة الآن، ولا نستقبل أي زيارات، وليس لدينا ما نُصرح به».

وفي وقتٍ سابق كان المستشفى قد أصدر بياناً أقر فيه بالخطأ الطبي، وان ما تناقلته وسائل الإعلام وبعض الصحف المحلية بشأن إخفاء بعض الأوراق المهمة من ملف الطفل صلاح الدين عارية عن الصحة. وأكدت إدارة المستشفى في البيان أن هناك أربع لجان طبية حضرت إلى المستشفى وتسلمت أوراق الطفل وكل ما طُلب من مستندات.

وأوضحت الإدارة أن وفاة الطفل حدثت نتيجة خطأ الشركة المسؤولة عن صيانة مخرجات الغازات الطبية في المستشفى.


د. باداود: الصحة ستُنزل أقصى العقوبات في المستشفى

ذكر مدير الشؤون الصحية في جدة الدكتور سامي بادواد أن التحقيقات في قضية وفاة الطفل صلاح الدين يوسف عبد اللطيف جميل (8 سنوات) في مستشفى باقدو والدكتور عرفان تدين المستشفى من حيث التقصير في جوانب عدة تمثلت في عدم توافر الأجهزة الطبية اللازمة لإجراء العمليات.

وقال باداود إن «التقرير يحمل صوراً للأجهزة داخل غرفة الأشعة التي كان من المقرر إجراء العملية فيها، والإمدادات المركبة على الجهاز، ويبيّن الأسباب التي أدت إلى الوفاة، إضافة إلى المشاكل التقنية والطبية التي يعاني منها المستشفى»، مشيراً إلى أن العقوبة ستطال المستشفى لا الأطباء المسؤولين عن الحادث فحسب «بسبب وجود تقصير في أجهزة العلاج المستخدمة، وإخفاء بعض الحقائق حول وفاة الطفل. وتم رفع التقرير إلى وزارة الصحة ومن المتوقع صدور القرار بحق المستشفى قريباً».

وكانت المديرية العامة للشؤون الصحية  في محافظة جدة حظرت أخيراً الطاقم الطبي من السفر، إلا أن المستشفى سفّر طبيب التخدير المتهم معللاً ذلك «بأن هناك موظفين سعوديين ساعدوا الطبيب في السفر إلى خارج السعودية».


بيان إغلاق المستشفى بقرار من وزارة الصحة

«قضى معالي وزير الصحة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة قراراً بإغلاق مستشفى عرفان شمال محافظة جدة، وذلك إثر وفاة الطفل (صلاح الدين يوسف عبد اللطيف جميل) بسبب تكرار مخالفات المستشفى منذ عام 1430هـ وصدور العديد من قرارات المخالفات على المستشفى، حيث أصبح الوضع غير آمن للمرضى».


وأوضحت وزارة الصحة أنه «تم تشكيل لجنة طبية تضم في عضويتها استشاريين في العناية المركزة والجودة والتخدير والجراحة، حيث قامت اللجنة بدراسة ملف الطفل المتوفى جعله الله شفيعاً لأهله، واستمعت إلى أقوال الأطباء والفنيين ذوي العلاقة، كما استمعت اللجنة إلى أقوال ذوي المتوفى، كما اطلعت اللجنة على التقارير المقدمة من اللجنة الهندسية المتخصصة، والتي تم تشكيلها لهذا الغرض للوقوف على وضع التجهيزات الطبية في المستشفى، وبعد الاستماع لأقوال الوكيل الشرعي الذي أقر بمخالفات المستشفى، وقد أتمت اللجنة كافة تحقيقاتها وأوصت بالتالي:

-1 استكمال التحقيقات النظامية من قبل لجنة المخالفات الطبية (الحق العام)، وذلك وفقاً لنظام مزاولة المهن الصحية الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/40) وتاريخ 4/ 11/ 1426هـ، وكذلك إبلاغ فضيلة رئيس الهيئة الصحية الشرعية بصورة من قرار اللجنة لإحاطة فضيلته بما تم اتخاذه (للحق الخاص)، وفقاً لنظام المؤسسات الصحية الخاصة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/59) وتاريخ 3/ 11/ 1423هـ.

-2 الإغلاق لكامل المستشفى لمدة شهرين اعتباراً من تاريخ صدور القرار والاستمرار في الإغلاق إلى أن يتم التأكد من أن جميع الإجراءات في المستشفى تتفق مع معايير الأمن والسلامة حفاظاً على صحة المرضى».


وأوضحت الوزارة أن «لجنة النظر في مخالفات المؤسسات الصحية الخاصة قد استندت في قراراتها على عديد من الوقائع منها:

-1 أن فريق الإنعاش القلبي الرئوي بالمستشفى لم يكن يعمل بالطريقة العلمية الصحيحة في التعامل مع الحالة، إضافة إلى عدم مأمونية إجراء العمليات بقسم الأشعة، حيث أن الغرفة غير مجهزة للتخدير الكامل والإنعاش القلبي الرئوي.

 -2 وجود قصور في الإشراف من قبل إدارة المستشفى والمختصين بالمستشفى عند استلام الموقع بعد الصيانة واختبار المخارج بالطرق العلمية المعروفة (حيث تم فحص مصدر الأوكسيجين من قبل الجهة المختصة بالمستشفى وتبين أن الغاز الموجود بالمصدر هو أكسيد النيتروجين وليس الأوكسيجين).

هذا القرار يأتي انطلاقاً من حرص الوزارة على الحفاظ على صحة وسلامة المرضى والاهتمام بجودة الخدمات الصحية المقدمة من القطاع الصحي الخاص».

 وأكدت الوزارة أنها «لن تتهاون مع أي قصور يمس صحة وسلامة المواطنين والمقيمين، وأنها ستستمر في اتخاذ أقصى العقوبات والإجراءات النظامية تجاه أي مؤسسة صحية لا تلتزم بمعايير الجودة المطلوبة للخدمات الصحية، وذلك بهدف إلزامها بتحسين أوضاعها وإزالة كل الملاحظات وفق ما تنص عليه الإجراءات النظامية.

 كما أهابت بالقطاع الصحي الخاص باعتباره شريكاً استراتيجياً في التنمية الصحية بأهمية التزامه كما هو مأمول منه بالمعايير العلمية المتعارف عليها للجودة النوعية لكي تقدم للمستفيدين خدمات صحية ذات جودة عالية».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079