قرار منع التدخين يثير تحفّظات شباب المجتمع السعودي...
أعلنت وزارة الداخلية السعودية قرارها منع التدخين في الأماكن العامة، وهو الخبر الذي أثار استياء المجتمع بمختلف أطيافه وفئاته، خصوصاً في مدينة جدة المعروف عنها أن مقاهيها ومطاعمها تعتمد بشكل كبير على تقديم المعسل للزبائن. «لها» رصدت ردود فعل الشارع السعودي، وبعض المقاهي والمطاعم والفنادق، وأثر هذا القانون عليها. إضافة إلى الرأي الصحي والرسمي بعدما عُقد مؤتمر بخصوص هذا المنع.
هيفاء الزهراني صحافية في جريدة «الوطن» السعودية قالت: «لا أعتقد أنه قرار ناجح رغم صحة هدفه، ولكن بالنظر إلى الوضع الراهن نجد أنه قرار مفاجئ، ولم يدخل في التدرج المنطقي في التطبيق. وإذا نظرنا إلى الواقع نرى أن فتيات كثيرات في مدينة جدة يدخنّ المعسل، حتى من دون علم الأهل، فبتطبيق هذا القرار سنعمل على انحراف هذه المجموعة من الفتيات، لأنهن سيجدن الاستراحات البعيدة عن النظر والبيوت ملاذاً لهن، وبذلك عالجنا الخطأ بخطأ أكبر، لأن هذه التجمعات تقع خارج حدود المقاهي وهي الأماكن العامة التي يكنّ فيها تحت نظر كل المجتمع. بهذا القرار سنفرز مشاكل أكبر وأكثر فداحة من مجرد تدخين النرجيلة».
فيصل فضل مدير خدمة العملاء في الاتصالات السعودية - مكة المكرمة قال: «أبدت غالبية مقاهي جدة تجاوباً مع قرار الأمانة وقف تقديم النرجيلة لروادها، بعدما بدأ تطبيق القرار فعلياً الأسبوع الماضي، الأمر الذي أدى إلى فراغ المقاهي واقتصار زبائنها على الراغبين في تناول المشروبات. ورغم احترامي الكبير لهذا القرار فإن عدداً من أصدقائي عبّروا عن معارضتهم بحجة أن المقاهي هي المتنفس الوحيد لالتقاء بزملائهم وتمضية أوقات للتسلية خصوصاً بعد الثامنة مساء».
ورأى أن القرار فيه «تحقيق للمصلحة العامة المقدمة على المصلحة الخاصة، ومن خلاله يمكن أن نتجاوز الآثار الجانبية للتدخين وحماية المراهقين والمراهقات من الانجراف إلى التدخين منذ سن مبكرة. قد يكون تطبيق القرار في البداية صعباً على البعض، ولكن مع مرور الوقت يصبح الأمر طبيعياً، وسيرغم كثيرين على الجلوس في منازلهم مثلما كان يفعل أهل جدة ومكة سابقاً».
فيما فضّل ناصر البيشي أن يكون هناك حلول عملية في هذا الشأن مضيفاً: «كان من المفترض أن يكون لدينا حلول أفضل من حيث تطبيق القرارات السابقة بوجود أقسام خاصة بالمدخنين، وتهوئة جيدة في المكان، وأن تكون بعيدة عن غير المدخنين. ولو كان هناك متابعة من المختصين لما وصل الحال إلى قرار المنع».
محمود محيي الدين ضد القرار تماماً: «السعودية لا يوجد فيها بدائل عن المقاهي والمطاعم، حتى الأسواق التجارية لفترة قريبة كانت ممنوعة على الشباب، والآن يُمنع المعسل في المقاهي. أعتقد أنه في ظل عدم وجود بدائل فهذا القرار غير صالح للتطبيق».
الإعلامية فدوى الطيار من قناة الثقافية تؤيد القرار بشدة قائلة: «نعم أنا مع القرار، لأنه مهم جداً في نشر المفهوم الصحي خصوصاً بين فئة الشباب التي هي في ازدياد كبير في تعاطي التدخين، إضافة إلى أني ومن خلال عملي الإعلامي أعرف كم هو كبير عدد من يعانون من آثار التدخين، وما تقوم به الدولة من إنفاق ملايين الريالات لمعالجتهم».
وأيّدت خلود القاضي المشرفة على برامج mbc القرار: «هذه خطوة صحيحة مئة في المئة، بل ومهمة في اتجاه مجتمع خالٍ من التدخين، مجتمع يحترم الشخص غير المدخن. وأستطيع القول اليوم إني عند وجودي في مقهى أو مطعم أستطيع تنشّق هواء نقي».
مؤيد بن وليد الباحث في برامج دعم وتطوير الهيئات العمالية في السعودية أيضاً من المؤيدين، قال: «قرار منع التدخين كان قد أُقرّ في السعودية قبل سنتين وسبعة أشهر، ولكن للأسف لم يستمر بحجة الخسارة التي ستتعرض لها المقاهي والمطاعم مما جعل المسؤولين يعملون على سحبه».
أحمد عبد الله الشيخ من منسوبي الخطوط الجوية العربية السعودية على الرغم من أنه مدخن فإنه مع قرار المنع قلباً وقالباً لأسباب عدة: «كنت أتمنى أن يصدر هذا القانون منذ فترة طويلة، ولكن الحمد لله أنه صدر ولم يتأخر أكثر. وهذا المنع بكل تأكيد يصبّ في مصلحة الفرد، خصوصاً من الناحية الصحية، بحيث أني أجد أن التدخين في أماكن مغلقة غير مراعية للشروط الصحية يزيد الأمراض وتفشّيها».
مقاهٍ ومطاعم وفنادق تطبق القرار حرفياً
جولة ميدانية أجرتها «لها» على عدد من المطاعم والمقاهي والفنادق في محافظة جدة للوقوف على حالها بعد تطبيق القرار، تبيّن أنّ القرار طُبق خصوصاً في الأماكن المغلقة، أما الأماكن المكشوفة فبقيت متنفساً للمدخنين. وفي هذا الصدد تحدث محمد الرفاعي مدير إدارة العلاقات العامة في فندق إنتركونتيننتال جدة قائلاً: «الفندق حريص جداً على تطبيق كل القرارات التي تحمل إيجابيات كبيرة، ولعل قرار منع التدخين في الأماكن المغلقة إيجابي من نواحٍ عدة أهمها الناحية الصحية، ونحن ملتزمون تطبيق القرار». كما أكد أن للمدخنين أماكن مخصصة لهم.
وعن انعكاسات القرار سلباً على دخل الفندق أضاف: «لا أعتقد أن تطبيق القرار يسبب خسائر مادية، فنحن سلسلة فنادق عالمية لها وجهات عدة تجذب الزائر أو المقيم في الفندق بخلاف التدخين».
أما مروة مركوش أحد العاملين في مطعم يقع في شارع التحلية في جدة، فأكد أن المطعم فقد الكثير من زبائنه منذ وقت تطبيق القرار مضيفاً: «القرار أضرّ بنا كثيراً، فمنذ صدوره ونسبة العملاء في انخفاض مستمر يوماً بعد يوم».
وفي أثناء الحديث دخلت مجموعة من الفتيات يسألن عن إمكان وجود معسل، فرد العامل أنه منع تماماً فخرجن من المطعم.
وحينها أضاف مروة: «هذا ما يحدث يومياً منذ تنفيذ القرار، وقد انخفض دخل المطعم بشكل ملحوظ خصوصاً أننا لا نملك منطقة مكشوفة، وبالتالي الآن لا نستقبل إلا العائلات التي تود تناول وجبة أو مشروب، وهؤلاء قلة حالياً».
جويل من قسم المبيعات في مقهى ومطعم «بيرتس التحلية» وهو أحد المطاعم الرائدة، والمعروفة في جدة، قال: «أكثر من 50 في المئة هي الخسائر التي تعرضنا لها هذا الأسبوع، ففي هذا الوقت من اليوم (ساعة الظهيرة) عادة ما كان المكان يعج بالزبائن، وحالياً لا يوجد سوى واحد أو اثنين».
وأضاف: «بيرتس التحلية يمتلك منطقة مكشوفة إلا أن زبائنه قرروا زيارته في الليل لأن أجواء مدينة جدة حارة ولا تساعد على بقاء الأشخاص في الخارج مدة طويلة، إضافة إلى أن الشابات لا يسمح لهن بالجلوس في الخارج، فنحن حالياً نعتمد على فئة الشباب من الرجال وفي الأوقات المسائية». وعن تعويض الخسائر قال: «نحاول أن نغري الزبائن بالوجبات المقدمة، والمشروبات الباردة والساخنة علّنا نستعيدهم».
41 في المئة نسبة الوفيات بسبب التدخين
طبياً، ذكر استشاري الأمراض الصدرية والجهاز التنفسي الدكتور محمد رجب أن التدخين سبب من أسباب مرض الشعب الهوائية المزمن، وهو مرض في تزايد بشكل مستمر: «90 في المئة من أمراض الشعب المزمنة سببها التدخين، إضافة إلى أن 41 في المئة نسبة الوفيات بسبب التدخين أي ما يفوق نسبة الوفيات بسبب الحوادث، ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة تزايد نسبة المدخنات على المدخنين، وفي دراسة أجريت في كندا على عدد من الرجال والنساء، تبيّن أنه في الفئة العمرية ما بين 35 و54 سنة تفوق نسبة المدخنات عدد المدخنين من الرجال».
كما أوضح أن التدخين هو سبب رئيسي لمرض سرطان الرئة، وهو ما ثبت عن طريق الدراسات والبحوث التي أجريت أخيراً. وتفيد الدراسات أن 45 سيدة يقضين يومياً حول العالم بسبب التدخين، معللاً ذلك بأن تأثير التدخين على المرأة أكثر سرعة وفتكاً منه على الرجل. وأكد أن التدخين سبب رئيسي لزيادة مرض الدرن، وكلما زادت نسبة التدخين ازداد احتمال الإصابة بمرض الدرن بدرجة عالية جداً.
وشدد على أن القرار يصبّ في مصلحة المواطن حتى وإن وجدت بعض الإعتراضات حالياً، ذلك أنه يقلل من نسبة الأمراض التي تنفق السعودية على علاجها ملايين الريالات، إضافة إلى أنه لم يغفل خطر هذه السموم على صحة الفرد غير المدخن، والذي يتعرض للمرض جراء ما يسمى التدخين السلبي الناتج عن تنشق الدخان من المحيط.
وتحدث الدكتور سامي باداوود مدير الشؤون الصحية في جدة الذي كان ممثلاً لوزارة الصحة في المؤتمر الذي عقد بناء على ما أقرته وزارة الداخلية من منع التدخين في الأماكن العامة (مؤتمر «معالجة التبغ... رؤى متكاملة») قائلاً: «تهتم وزارة الصحة بالجانب الوقائي الذي يتمثل بالجانب التوعوي عند الشباب والشابات. ولعلّنا في مسح سريع عن بداية كل شاب للتدخين يقول لك الصاحب، فلا يوجد شخص من نفسه يذهب ويشتري السجائر. هذه هي الحلقة الأضعف التي نحاول أن نعمل على تجنبها. فكان الهدف من هذا القرار الحماية، وتنمية الحس الصحي لدى شبابنا وشاباتنا لتجنب هذا الداء».
وكشف استشاري الجراحة، ومبعوث المديرية العامة لمنظمة الصحة العالمية للرعاية الصحية الأولية الدكتور حسين جزائري خلال افتتاح المؤتمر أن 60 في المئة من الأطباء حول العالم يتعاطون التبغ، لافتاً إلى ضرورة تطبيق قرار منع التدخين داخل المطاعم والمقاهي والقطاعات الحكومية بكل دقة وحزم مضيفاً: «القرار ليس بوليد اليوم، إلا أنه لم يطبق بطريقة فعلية سابقاً». وشدد على ضرورة وضع حزمة من العقوبات الرادعة لمن لا يلتزم القرار. وقال إن الدراسات بيّنت أن 23 ألف شخص يموتون سنوياً في السعودية بسبب التدخين (أي ثلاثة أضعاف قتلى الحوادث المرورية) ما يكلف الدولة 5 مليارات ريال.
خرج مؤتمر معالجة التبغ... رؤى متكاملة بعدد من التوصيات أبرزها:
- ضرورة تفعيل القرار من خلال الجهات المعنية مثل وزارة الثقافة والإعلام، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- عقد شراكات استراتيجية بين الجمعيات المجتمعية العاملة في مجال التدخين، وبين اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين.
- إدراج برامج وقائية متخصصة للوقاية من التدخين في المناهج التعليمية في كل المراحل الدراسية.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة