تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الراقصة الفاشلة لم تحقق النجومية...

الطمع كان عنوان حياتها، لم يكن يهمها في دنياها سوى المال وتحقيق أحلامها التي تجاوزت بكثير واقعها، فهي مجرد راقصة مغمورة فشلت في الوصول إلى النجومية. وكم كان الغضب يقتلها حين كانت تسمع حكايات راقصات بدأن معها رحلتهن مع الرقص وأصبحن مشهورات. ورغم ذلك لم تيأس، بل حاولت أكثر من مرة أن تقدم نفسها للمنتجين خلال اختبارات الأفلام، لكنها في النهاية لم تصل إلى غايتها، وكثيراً ما كان تبكي بحرقة لأنها لم تستطع أن تحقق هذا الحلم، فقررت أن تصبح زعيمة عصابة على أمل أن تحقق المكاسب التي فشلت في الوصول إليها من خلال الرقص!


بدأت قصة حنان في التحول من راقصة إلى زعيمة عصابة عندما التقت حامد، جارها في المنطقة الشعبية التي تقيم فيها، فشعر بما يجيش بداخلها، وأحبها بجنون، وعرض عليها الزواج، لكنها أكدت له أن الفقر يحول بينهما، وأن الأموال التي تتقاضاها من الرقص تكاد لا تكفيها، فهي لم تستطع أن تقدم نفسها كراقصة في الفنادق الكبرى، ولهذا كانت تبحث عن وسيلة أخرى تنتشلها من الفقر، وتساعدها على الهروب إلى الثراء في فترة وجيزة. وتلاقت الأفكار، وأدرك حامد أن حبيبته تريد وسيلة غير قانونية تحقق بها الثراء.

أنهت حنان وصلة الرقص اليومية وعادت سريعاً إلى منزلها، كانت تشعر أنها في حاجة إلى أن تختلي بنفسها، ولكنها تلقت مكالمة من حبيبها الذي طلب أن يلتقي بها، ووافقت رغم تأخر الوقت. التقت حامد في إحدى دور السينما التي تفتح قاعاتها حتى الصباح، وفي نهاية الحوار بينهما قال لها مازحاً: «كان يجب أن تتزعمي عصابة». نظرت إليه حنان بعمق، وأكدت له أن هذه المزحة ستتحول قريباً إلى واقع.


الخطة

في تحقيقات النيابة اعترفت حنان بقصة تحوّلها إلى زعيمة عصابة، واستعادت الحوار الذي دار بينها وبين حامد عندما قالت له: «أنا بالفعل أخطط لتزعم عصابة. سنخطف الأطفال للاتجار بهم بين عصابات التسول، سنؤجر الأطفال المخطوفين إلى المتسولين، وهذه التجارة ستدر علينا ثروة هائلة، لك يجب أن تساعدني في إتمام خطتي».
قاطعها حامد قائلاً: «هل ستطالبين أسرهم بدفع فدية؟ هذه فكرة جيدة وستدر علينا عائداً كبيراً، لكنها في الوقت نفسه محفوفة بالأخطار».

ردت: «من قال إننا سنطالب بفدية؟ لن نفعل هذا وإنما سنؤجر هؤلاء الأطفال لبعض المتسوّلين مقابل مبالغ كبيرة يومياً».
كسا الذهول ملامح حامد، لم يتخيّل أن عقل حنان تفتق عن هذه الفكرة... وبدأت تشرح له تفصيلياً خطتها، فأكدت له أنهما سيصطادان الأطفال الصغار في الأماكن الشعبية، خاصة أن ذوي هؤلاء يتركونهم يلعبون بحرية ودون متابعة، وهنا تصبح الفرصة سانحة لخطفهم.

وواصلت الراقصة شرح خطتها لشريكها، فطلبت منه أن يشاركها في مراقبة الأطفال أثناء لهوهم، على أن تستدرجهم هي بعيداً بحجة شراء حلوى ثم يهرب حامد بهم بسيارة معدة لهذا الغرض. وأبدى الرجل إعجابه بخطة الراقصة التي كانت تملك عقلاً إجرامياً، ولم تنس أن تخبره أن يمتنع عن التحدث مع أي شخص في الموضوع.
عادت الراقصة إلى عملها في اليوم التالي وحلم الثراء لا يفارقها، وفي المساء دقت ساعة الصفر. جلست مع شريكها في السيارة يراقبان مجموعة من الأطفال في عمر الخامسة، وأشارت نحو أحدهم وأكدت لشريكها أنه سيكون هدفهما، ونجحت في استدراج الطفل بعيداً عن أصدقائه، وانطلقت السيارة التي تقلّ حامد والراقصة ومعهما الغنيمة الثمينة.

أجرت الراقصة اتصالاتها بإحدى السيدات، وعرضت عليها تأجير الطفل بمئتي جنيه يومياً. وتوالت جرائم الراقصة التي وجدت في هذه المهنة ما يدر عليها أضعاف ما تتقاضاه من الرقص... وبدأت الأحوال المعيشية لحنان تتغير، اشترت سيارة فارهة وشقة في مكان مميز، لكنها أرجأت الموافقة على الزواج من حامد، وأكدت له أنها لم تحقق حلمها بعد. واندهش حامد، لكن الراقصة أكدت له أنها ستسعى إلى ارتكاب مزيد من جرائم الخطف، وستتجه إلى المستشفيات لاصطياد الأطفال حديثي الولادة، فهي تجيد تمثيل دور الممرضة لتخدع العديد من الأمهات قبل خطف أطفالهن. وبدأت الراقصة توسع دائرة عملها لتؤجر الأطفال لمتسولات في المناطق الراقية وأمام المساجد الشهيرة، مثل الحسين والسيدة زينب، ووصلت حصيلتها اليومية إلى خمسة آلاف جنيه.


اعتراف

بدأت حنان تتمرد على مهنة الرقص، بعد أن شعرت أنها أوشكت على تحقيق حلمها بدون أن تهين نفسها وتتعرض للمضايقات اليومية من زبائن الملاهي الليلية، فأبلغت مدير الملهى الذي تعمل فيه أنها تريد الحصول على إجازة، وذلك بعد أن تراجعت عن ترك العمل نهائياً خشية أن تحيطها شكوك العاملين معها، لأنه ليس لديها مصدر دخل سوى الرقص.
غادرت حنان القاهرة إلى مدينة شرم الشيخ لتحصل على قسط من الراحة، من دون أن تبالي بأنها دمرت قلوب العشرات من الأمهات بعد خطف فلذات أكبادهن. وأقامت في فندق خمس نجوم لتعيش الحياة التي تمنتها طويلاً لكنها لم تشاهدها إلا في الأفلام.

في هذه الأثناء، كانت أجهزة الأمن تبذل جهودها للوصول إلى الجناة في حوادث الخطف المتكررة، والتقط رجال المباحث طرف الخيط في أحدث الجرائم التي شهدها أحد الأحياء الشعبية في القاهرة. فقد أفاد شهود أن الطفل المخطوف كان يسير مع سيدة في بداية العقد الثالث من عمرها، اقتادته إلى سيارة ملاكي خضراء اللون، وتمكن أحد الأشخاص من تدوين رقم السيارة. وبدأت أجهزة الأمن عملها للوصول إلى مالك السيارة الذي أكد أنه أجرها لحامد. وحصلت الشرطة على إذن من النيابة للقبض على حامد، ودهمت شقته، فأسقط في يد شريك حنان، وأمام رئيس المباحث توالت اعترافاته المثيرة لتلقي بكل الاتهامات على الراقصة التي خططت لكل هذه الجرائم.
قررت النيابة القبض عليها، وأرشد حامد الشرطة إلى الفندق الذي تقيم فيه في شرم الشيخ، وكانت لحظة حاسمة في حياة الراقصة التي وجدت نفسها في قبضة العدالة لتواجه اتهامات بالخطف والاتجار بالأطفال، ولم تجد مفراً من الاعتراف بجرائمها وقررت النيابة حبسها.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079