تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

جريمة بشعة تنهي حياة تالا... والمتهمة العاملة المنزلية

لم تعلم الطفلة ذات الأربع سنوات ما تضمره العاملة في صدرها، فهي الإنسانة التي شبّت بين يديها، حملتها صغيرة، وراعتها في غياب والدتها. جلست في حضنها، وشربت من كفها، وأكلت من طعامها. لكن كل هذه الشواهد لم تمنع العاملة من مباغتتها بسكين كانت حد السيف الذي قضى على تالا، كما أظهرت التحقيقات حتى الآن. روايات وأحاديث مختلفة تحكي تفاصيل الجريمة التي راحت ضحيتها ابنة الأربعة أعوام وتتهم الخادمة الإندونيسية بذبح الطفلة  في مدينة ينبع السعودية الأربعاء 26 أيلول/سبتمبر 2012. وقررت الأجهزة الأمنية في محافظة ينبع، كما جاء في الصحف، إيداع المتهمة بقتل الطفلة الحجز الانفرادي وتحويلها إلى الصحة النفسية للتثبت من حالتها العقلية والنفسية. وما بين قصة وقصة، ورواية وأخرى، حاولت «لها» تقصّي الحقيقة على ألسنة الأم والشقيقات والجارات في السكن للوقوف على تفاصيل المصيبة التي وقعت على الأسرة.


بصبر مؤمن واثق بما عند الله، تحدثت المعلمة زينة الشهري والدة المغدورة قائلة: «في آخر ليلة لابنتي تالا كانت تحتفظ بوردة حمراء جهزتها لتقدمها لوالدها، وكانت تنام بجوارنا رغم وجود غرفة خاصة بها. رفضت أن تنام حتى يأتي والدها، حاولت معها كثيرا لكن كان لديها إصرار على انتظاره. غفت والوردة تحت وسادتها. وفي الصباح كان ما كان، وأنا حتى اليوم في تعجب وفزع. فأنا لم أرَ على خادمتي ما يدعو إلى الشك أو الريبة، ولن أظلمها وأتقول عليها. واسأل الله أن يثبتني حتى لا يضيع أجري».

وطالبت زينة بصوت يملأه الحسرة وتخنقه العبرة وزارة التربية والتعليم بتوفير حضانة في كل مدرسة، مضيفة: «طلبت من مديرة المدرسة أكثر من مرة النظر في موضوع الحضانة لحاجتنا نحن المعلمات إلى مكان يوفر الرعاية لأبنائنا أثناء غيابنا. فإجازة الأمومة لا تكفي، والخدم يأتون ودون سبب مباشر يطلبون الرحيل فأضطر لأخذ إجازة. وقلت للمديرة نحن على استعداد لتجهيز غرفة خاصة بنا تحمل أطفالنا، لكن المديرة لا تملك أي حيلة فالموضوع بيد الوزارة ».

واستطردت قائلة: «أحياناً أضطر للمناوبة حتى تذهب آخر فتاة في المدرسة. فكيف تطلب الوزارة مني رعاية أبنائها، وان نعطيهم كل عنايتنا، وقلوبنا ترتجف على أطفالنا الموجودين في المنزل بين أيادٍ غريبة؟ أنا وجميع المعلمات اللواتي أتين إلى منزلي طالبنا بوجود حضانة. فلو كان لدينا مكان مخصص لأطفالنا لما لجأنا إلى الخادمات».


الشهري
: أحسب ابنتي طيراً من طيور الجنة

«بعد أن تعرّضت لحادثة مرورية ظهر يوم الجريمة، استيقظت في المستشفى حيث علمت بمقتل ابنتي تالا». بهذه العبارة بدأ أحمد الشهري الأب المفجوع حديثه وقال: «اتصلت بي زوجتي في يوم الجريمة لتخبرني بأنها تحاول فتح باب منزلنا لكنه مُغلق بإحكام، ولم يخطر ببالي أن السبب يتمثل في الجريمة التي وقعت.  في أي حال، خرجت مسرعاً من عملي واتجهت إلى منزلي، وفي الطريق قدر الله لي بحادث مروري حين اصطدمت مركبتي بمركبة أخرى كان بداخلها طفلة ووالدها. لم أشعر بما حدث لي، ولم أستيقظ إلا في المستشفى، ومن ثم حضرت والدتي لتخبرني بما حدث مع ابنتي... نزل عليّ الخبر كالصاعقة إلا إنني احتسبتها طيراً من طيور الجنة إن شاء الله».

صمت قليلاً ثم أضاف: «لا أتخيّل أن تُقدم العاملة على فعلتها هذه وهي التي كانت تحب تالا كثيراً، وكنت أراها من أفضل العاملات اللواتي عملن لدينا طوال السنين الماضية. لكن بحمد لله أنا رجل مؤمن بقضاء الله وقدره». يذكر أن الحادثة المرورية التي وقعت مع الشهري أدت إلى وفاة سائق المركبة وهو والد الطفلة فرح (8 سنوات) التي ما زالت ترقد بالعناية الفائقة في مستشفى الهيئة الملكية في ينبع.


شقيقة
تالا: اتصلنا بالدفاع المدني بعدما امتنعت الخادمة عن فتح الباب

شقيقة تالا الوسطى روت تفاصيل الحادث الأليم الذي لا يفارق ذاكرتها: «حين وصلنا إلى المنزل أنا ووالدتي وشقيقاتي طرقنا الباب دون أن يجيبنا أحد، وكانت نافذة المطبخ مفتوحة فرمينا حصى على أمل أن تستجيب الخادمة. كنا نحاول الاتصال بالهاتف الجوال الخاص بالخادمة فكانت ترد دون أن تتكلم،  فقط نسمع طرقنا للباب وصوت ما نرميه من حصى. حينها هاتفت والدي وأبلغته عن الوضع لكن شاءت الأقدار أن يتأخر بسبب الحادث. اتصلنا بالدفاع المدني الذي جاء رجاله وكسروا الباب. دخلنا أنا وشقيقتي قبل دخول أمي وصعدنا إلى سلم المنزل فوجدنا الخادمة نائمة على بطنها وتؤشر إلى غرفة تالا وتئن بصوت أفزعنا. شعرنا بخوف شديد فأسرعنا بالنزول إلى الطابق الأرضي وصعدت أمي، ومن ثم نزلت بهدوء مشيرة لنا على رقبتها بطريقة توضح أن تالا قد ذبحت  دون أن ترف عين والدتي، أو أن تنزل دمعة، أو حتى صوت. فقد ابتلعها صمت الصدمة التي لم تفق منها إلا ليلا وبدأت البكاء».

وأضافت: «كان مسجل القرآن يعمل حتى بعد وفاة شقيقتي تالا إذ أن والدتي لا يمكن أن تخرج من المنزل دون أن يكون القرآن مسموعاً في كل أرجاء المنزل. لا أذكر في صباح ذاك اليوم إلا أن الخادمة أحضرت لأمي قهوتها الصباحية الساعة الخامسة فجرا، ورأيتها وهي تكوي الزي المدرسي بكل هدوء وحنان، لقد كانت إمرأة كبيرة طيبة لم نرَ منها أي سوء».

الجارة: الخادمة تعمل من سنوات طويلة لدى الأسرة

أكدت الجارة القريبة من أسرة تالا منال مهندس أن الخادمة تعمل لدى الأسرة لسنوات وكانت تأتي إلى منزلها مع تالا لتلعب مع ابنتها الصغيرة ولم ترَ منها أي شيء يدعو للشك والريبة: «بحكم قربي من زينة كونها جارتي، أستطيع أن أتحدث عن  كرمها مع خادمتها. كانت دائما ما تقول إن علينا أن نرفق بالعمالة ومعاملتهم بإحسان لأننا نودع في أيديهم أعز ما نملك. وقبل الحادث كانت قد ذهبت بها إلى البقالة لتشتري لها البسكويت والبطاطس لأنها كانت تحبهما، وأحضر لها والد تالا بطاقة شحن للجوال»، مضيفة: «بصراحة لم أسمع أن جارتي تشتكي من خادمتها، ولا الخادمة تشتكي من جارتي، الوضع يدفع إلى الصدمة».

وأشارت إلى أنها كانت مع الأم حين صعدت إلى غرفة ابنتها، وكان صوت القرآن يعمّ المكان، وصوت أنين الخادمة وهي نائمة على بطنها وتشير إلى غرفة تالا. حينها دخلت الأم وقالت: الحمد لله ابنتي نائمة. لكن حين فتحت إضاءة الغرفة اكتشفت الفاجعة وقالت: على سرير ابنتي دم، ابنتي مذبوحة! وأوضحت الجارة أن الخادمة لم تفصل رقبة تالا بل قطعت جزءاً بسيطاً من رقبتها بساطور وأن ما يتناقله الناس غير صحيح.

واتفقت معها في الرواية الجارة الأخرى أم محمد قائلة: «خلال السنوات التي أمضيتها جارة لوالدة الطفلة  تالا لم نرَ منهم إلا كل خير وحسن جوار. بل ما نعرفه أن الخادمة نفسها حين انتهت فترة خدمتها طلبت تجديد إقامتها سنة أخرى... نسأل الله أن يتولّى الجميع برحمته».


أم
عبد العزيز: الخادمة مدلَّلة لدى الأسرة وجريمتها لا يصدقها عقل...

من جانبها وصفت أم عبد العزيز، وهي إحدى قريبات والدة الطفلة المغدورة، الجريمة بالأمر الذي لا يوصف ولا يمكن أن يُصدقه عقل، «فالخادمة التي أمضت لدى الأسرة أربع سنوات وعوملت بالحسنى تصبح قاتلة طفلة لا ذنب لها».

وتضيف أم عبد العزيز: «أعرف زينة والدة الطفلة المغدورة منذ سنوات بحكم الجوار في المنطقة، كما أنني أعرف جيداً جميع صديقاتها ومكان عملها، والجميع يشهدون لها بحُسن السيرة والسلوك، ولم تكن تظلم خادمتها أبداً. حتى أنني أذكر حرص بعض صديقاتها على عدم اختلاط خادماتهن بخادمتها لكونها مُرفهة جداً ومدللة لدى الأسرة».


الغنام
: الخادمة حاولت الانتحار... وهي الآن في السجن

تحدث الناطق الأمني في شرطة مدينة ينبع العقيد فهد الغنــام أنه تم إلقاء القبض على الجانية ونقلها إلى المستشفى في حالة خطرة بعد أن أقدمت على شرب مادة من مواد التنظيف السائلة بغية الانتحار بعد قتلها للطفلة بآله حادة، «جرى إسعافها وهي في حالة جيدة وبعد أمر الطبيب  نقلت على الفور إلى السجن. ولا صحة لما تناولته بعض المواقع الالكترونية بأن الخادمة تعرضت للقتل. وستحال على هيئة التحقيق والادعاء العام لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقها».


الحامد
: العاملة قد تكون تحت تأثير ضلالات وأفكار متوهمة أدت إلى هذه الجريمة

قال استشاري الطب النفسي في جدة الدكتور محمد الحامد إن حوادث القتل والضرب المعنف من جانب الخادمات للأطفال كثُرت في الآونة الأخيرة. وعلى المستوى النفسي هذه الجرائم «ناتجة عن احتمالات كثيرة، فقد يكون أحد الأسباب وجود كبت ناتج عن عدم أخذ هؤلاء العاملات حقوقهن كاملة»، مشيرا إلى وجود ثقافة السيد والعبد أو الأمة في المجتمع.

وأضاف الحامد: «لا بد من لفت الانتباه إلى أن العاملة المنزلية لها واجبات وعليها حقوق واضحة من خلال العقود المبرمة ما بين الطرفين، بمعنى أن العاملة المنزلية ليست عبدة ولا إنساناً دون مستوى الإنسانية، ولا يجوز التعامل معها بعنف أو بالضرب أو بالشتم أو الإثقال عليها ببعض المهمات أو إغراقها في ساعات عمل. هذا يمكن أن يثير حقد بعض العاملات، وتتفاوت درجات الحقد لديهن بحسب تراكم الأحداث إلى أن تصل الى مرحلة الانفجار غير الإنساني وغير الأخلاقي». 

ولفت الحامد إلى احتمال إصابة العاملة باضطراب ذهاني أو عقلي يسبب فقدان القدرة على السيطرة وعلى التفكير المنطقي والعقلاني، نتيجة للحظة غضب، أو تراكمات أدت إلى اتخاذ هذا الخيار وهو الاعتداء على طفلة كنوع من الانتقام. «هذا الاضطراب العقلي قد يؤدي إلى وجود هلوسات سمعية أو ضلالات معينة جراء اضطهاد الأسرة للشخص. لكن إذا لم يتنبه أفراد الأسرة إلى وجود هذه الأنواع من الاضطرابات ولم يستطيعوا قراءتها سريعا ويعرضوا العاملة على المختصين بالعلاج، قد تكون النتيجة مثل ما حدث بطريقة مؤسفة وضحيتها طفلة لم تتجاوز أربع سنوات».

ولم يستبعد أن تكون العاملة في هذه الجريمة «تحت تأثير ضلالات وأفكار متوهمة أدت إلى هذه الجريمة. ولكن إن كانت سليمة من الناحية العقلية فإن هذه العدوانية ربما هي نتيجة أنها عملت أربع سنوات على سبيل المثال دون الحصول على إجازة أو ما شابه ذلك».

ورأى أن محاولة الخادمة «الانتحار تدلّ على أن هناك اضطراباً عقلياً أو نفسياً أدى إلى حدوث الجريمة، وأتجه إلى هذا المنحى أكثر إن صدقت أقوالها واعترافاتها لدى الجهات الأمنية. القضية تحتاج إلى درس الحالة بطريقة مباشرة حتى نتجنّب تكرار هذا الأمر. وأتمنى أن تًدرس هذه الحالة وحالات مشابهة بطريقة أكثر عمقاً وتفصيلا لمعرفة المسببات الحقيقية».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078