تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الشارع السعودي: غلاء السكن واحتكار التجار للأراضي يمنعاننا من تملك بيوتنا

بعد سنوات من الانتظار خرج نظام الرهن العقاري في السعودية الذي يفترض أن يسهل عملية تمليك المسكن وينظمها. ويرى مختصون أن نظام التمويل والرهن العقاري لم يأتِ بجديد من حيث العملية التمويلية، إلا أنه أصبح تحت النسق التنظيمي والقانوني بما يحفظ حق الدائن، والمدين. وتعد السعودية من أولى الدول التي لا يملك أفرادها مساكن خاصة، بل يعتمدون على الشقق السكنية المستأجرة ، وذلك لعدة أسباب كما أوردها الرجل السعودي والسيدة السعودية يأتي في مقدمها غلاء أسعار العقارات السكنية، واحتكار عدد من التجار للأراضي الصالحة للبناء، وارتفاع كلفة البناء، وتدني الرواتب خصوصا في صفوف طبقة ذوي الدخل المحدود التي تبين في تحقيق «لها» أن الرهن العقاري استبعدها من الحسبة. «لها» التقت عددا من السعوديين والسعوديات للوقوف على انعكاس قرار الرهن العقاري على حساباتهم في تملك سكن خاص، إضافة إلى أصحاب الاختصاص العقاري لمعرفة الجوانب الايجابية والسلبية للنظام الجديد.


سمير
يعمل في القطاع الخاص، ومتزوج منذ ما يقارب خمسة عشر عاما، وحتى اليوم لا يملك عقاراً سكنياً خاصاً به. قال: «الكلفة العالية للمنازل أحد أهم الأسباب، بل وتأتي في مقدمها، فهي أكبر من القدرة الشرائية لأي رجل له راتب محدود. وكنت قد حاولت أكثر من مرة البحث عن سكن لي ولعائلتي ولكن متوسط سعر الفلل الدوبلكس (الصغيرة) لايقل عن مليون ونصف مليون، فيما تأتي الشقق السكنية ذات الأربع غرف بمتوسط 500 ألف ريال وما فوق».
ولفت إلى أن اللجوء إلى القروض المصرفية هو حمل لا يمكن التخلص منه بسبب الفوائد التي تضاف الى المبلغ الأصلي (هامش الربح). وأضاف: «الوحدة السكنية سعرها مرتفع لا يمكن توفيره، فكيف بالاقتراض من البنك؟ هذا صداع حقيقي يضيفه أي شاب الى نفسه إذا اقترض من البنك. ولكن إذا بالفعل رغبت القطاعات المختصة في مساعدة الشباب عليها بناء وحدات سكنية على قطع أراضٍ كبيرة، ويتم بيعها على الراغب في التملك، أو تقسيطه بدفعات ميسرة دون إضافة أي فائدة، أو بفوائد بسيطة».
ورأى أن احتكار الأراضي من بعض رؤوس الأموال يعد السبب الثاني لغلاء الوحدات السكنية في السعودية، وهذه مشكلة يجب التدخل فيها بشكل جدي.

دعاء يونس مدرّسة لا يتجاوز راتبها 5000 ريال تؤكد أن نظام الرهن العقاري لن يفيد إلا أصحاب الدخول المرتفعة ورجال الأعمال: « كوني مدرّسة وأعمل في القطاع الخاص، فإن قيمة الراتب لا تخولني دخول بنك وطلب قرض، لأن المبلغ الذي سيمنحني إياه البنك لا يغطي كلفة شراء وحدة سكنية كما أريد، مما يضطرني للاقتراض من طرف ثالث حتى أستطيع تأمين كامل المبلغ، وسيكون علي السداد لجهتين الأولى البنك بالهوامش الربحية التي يفرضها علي خلال سنوات السداد، وثانيا الشخص الذي اقترضت منه وبالتالي هذا بحد ذاته هاجس يمكن أن يدمر حياتي».

أحمد الهلال صحافي أخذنا رأيه في القصة، قال: «أنا من المستأجرين وأطمح إلى تملك منزل، ولكن في ظل ارتفاع الأسعار لن أتمكن من ذلك أبدا».
وعن نظام التمويل العقاري قال: «الرهن العقاري لا يخدم إلا أصحاب رؤوس الأموال، ويسهّل عملياتهم البنائية، ولكن على مستوى الفرد العادي لن يدفع به أبدا إلى أن يصبح من أصحاب العقارات».

وفي السياق ذاته أوضحت مودة اليوسف أن امتلاك عقار يكفي أسرتها ويحقق طموحها في سكن ذي مساحة كبيرة وفي منطقة جيدة يعد من الأحلام بالنسبة إليها: «عندما أقرر أن أخرج من السكن المستأجر إلى سكن تملك ينبغي أن يكون البيت بمواصفات جيدة وأكبر مساحة وفي منطقة مريحة فيها كل الخدمات، وهذه المعادلة صعبة. فمثل هذه الوحدة السكنية التي أرغب فيها ستكون بسعر مرتفع جدا يتجاوز المليون ريال، وبالطبع لا يمكن أن أقترض مبلغاً كهذا من بنك قياساً بمستوى راتبي».

شادي المخلافي كان له رأي في الموضوع قائلاً: «تعد السعودية من الدول ذات الحصانة الاقتصادية والنفطية القوية، وهي دولة مؤثرة على مستوى الاقتصاد العالمي، مما يجب أن يعني رفاهية اقتصادية للمواطن على كل الأصعدة ومن بينها السكن».
أضاف: «السبب الرئيسي لعدم تحقيق حلم أي شاب سعودي في امتلاك عقار بجهد ذاتي سواء شراء أرض أو بناء منزل، هو تدني الرواتب، أو القدرة المادية الشرائية».
وعن القروض المصرفية قال: « القرض البنكي احد الحلول المتاحة للتملك، إلا أنه يعتمد بشكل أساسي ومباشر على الراتب ، فعلى سبيل المثال لو كان الراتب ما يقارب 5000 ريال ويتقطع البنك منه 30 في المئة لمدة عشرين سنة، فأنت لا تستطيع توفير معيشة جيدة لأفراد أسرتك من مأكل ومشرب وتسوق». 
واشار إلى أن الاقتراض المصرفي يصلح مع ذوي الراتب الذي يتجاوز 10 ألاف ريال.  وذكر عددا من الحلول للمشكلة ومنها خفض هامش الربحية للبنوك على الإقراض المالي حتى لا تكون كلفة السداد عالية، ويتحمل المواطن الكلفة السكنية الأصلية مع هامش الربحية. أيضا على الدولة التدخل في بناء وحدات سكنية ميسرة الأقساط للمواطن السعودي.


آراء المختصين

من جهته، أوضح المدير العام لشركة بصمة لإدارة العقارات خالد شاكر المبيض الفرق بين الرهن العقاري قبل إقرار النظام وبعده بقوله: «كان لدينا سابقا ما يسمى الرهن العقاري، ولكنه غير معترف به، وكان هناك عملية تحايل بإحضار جهة ثالثة لنقل الملكية. فمثلا عندما يقدم الشخص على شراء عقار عن طريق البنك، سينقل العقار إلى جهة ثالثة إما تابعة للبنك أو غير تابعة، وهذا له مشاكل أخرى تتعلق بأن المحفظة الاقراضية للبنك لا يكون لها تصنيف ائتماني مرتفع، لأن العقارات غير محفوظة في نظام الرهن العقاري، وبالتالي يسهل على البنك ما يسمى التفنيد ليحصل على سيولة أكبر. هذا يشكل فرقاً بين نظام الرهن العقاري التقليدي والنظام الحالي. وبالطبع الفائدة ستكون كالتالي: نظام الرهن العقاري سيخول البنوك أن حصول سيولة أكبر للإقراض منخفضة الكلفة، مما يوفر منتجات تمويلية أكبر منخفضة الكلفة سواء كانت للمطور أو للمشتري، وهنا تكمن الفائدة الأساسية».
ولفت إلى أن هناك فائدة أكبر من حيث أن النظام سيمكّن البنوك من تمويل المطورين العقاريين، مما يؤدي إلى طفرة في بناء المساكن، وبالتالي سيكون هناك تنافس بين المطورين يصب في مصلحة المستهلك، كما سوف يتحقق نوع من التوازن بين العرض والطلب وثبات للأسعار، أو انخفاضها.
وأضاف المبيض: «ولكن هذا لا يعني مبالغة في التفاؤل في نظام الرهن العقاري فقد اعتقد كثيرون أن النظام سيحل أزمة الإسكان بطريقة سريعة جدا، وهذا خطأ، فالنظام من الحلول الأساسية لأزمة الإسكان، ولكن ليس هو النظام الأوحد. ولو أردنا تقويم النظام قريباً سنظلم النظام، لأنه على المدى القريب قد تكون له بعض الآثار السلبية، ولكن على المدى البعيد سيحقق طفرة من الوحدات السكنية وستتلاشى السلبيات،». وقد أقر مجلس الوزراء خمسة أنظمة هي الإيجار التمويلي، الرهن العقاري، ونظام المراقبة، ونظام التسجيل وجميعها تحت مسمى التمويل العقاري. ومن ضمن ما تم إقراره هو نظام الرقابة على المقرض والمقترض وسلامة التطبيق وخلافه، وكل هذه الضوابط وبحسب مجلس الوزراء ستكون جاهزة خلال 90 يوماً من الإقرار.

من جهته، بيّن رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية في الرياض الدكتور عبد الله بن أحمد  المغلوث أن «منظومة الرهن والتمويل العقاري التي صدرت من المقام السامي سوف تجد بيئة تمويلية عقارية وآلية واضحتين تسير عليهما كل الأطراف الداخلية في عملية تمويل الرهن العقاري، بما يضمن وضوح كل الإجراءات الكفيلة بتسهيل حصول المواطن على التمويل العقاري، ما من شأنه أن يجعل من النظام بيئة ايجابية لحل مشكلة الإسكان». ورأى أن تطبيق نظام الرهن العقاري الجديد «سيساهم في إحداث تطوير كبير في نشاط تمويل قروض الإسكان كما هو حاصل في البلدان المتقدمة، علماً أن نسبة التمويل السكني في المملكة تبلغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وإلى جانب تسهيل عمليات التمويل الداخلية، توقع أن يثمر النظام دخول شركات أجنبية تمويلية للمنافسة في التمويل العقاري، لان هذا النظام سوف يحافظ على حقوقها».
وأشار إلى أن «الشريحة العظمى في الوظائف الحكومية هم الأقل من المتوسط، مما يعني أن الراتب الشهري من 8 آلاف ريال وما دون، وبالتالي فإن أفراد شريحة الدخل المتوسط والدخل المحدود لن يستفيدوا من نظام الرهن العقاري. «ولكن من الممكن أن تستفيد هذه الشريحة إذا أخذت الدولة مساحات كبيرة خارج مراكز المدينة وعملت على تطوير هذه المناطق، وبالتالي أنشأت وحدات سكنية بالتعاون مع الشركات العقارية المطورة، وهنا تكتمل الاستفادة من نظام التمويل العقاري بحيث لا يتجاوز سعر الوحدة السكنية 300 ألف ريال».

الرئيس التنفيذي لشركة دار التمليك ياسر أبو عتيق قال: «وجود نظام الرهن والتمويل العقاري سيوفر الحماية للأطراف كافة، وهذا مهم جدا، لأنه في الرهن السابق لم تكن هذه الحماية والضمانات موجودة. وهذه الحماية أيضا تجعل التمويل أسهل وأوضح، إضافة إلى أن هذا النظام على المدى الطويل سيخفض كلفة التمويل، ففي الوقت الحالي هناك تكاليف إضافية لوجود مخاطر قانونية في ظل عدم وجود أنظمة، وهذا سيكون له أثر ايجابي على المواطنين».
أضاف: «برنامج توطين الوظائف هو برنامج فعال جدا في الفترة الحالية، وهناك وظائف كثيرة في الشركات المتوسطة والصغيرة يعمل بها سعوديون، وبالنظر إلى أنه في الفترة السابقة كان معظم التمويل موجهاً للشركات الكبرى، فأنه مع النظام الجديد سيكون لدينا شريحة جديدة لم تكن مستهدفة من قبل».
وتابع: «حاليا لا يوجد تمويل طويل الأجل، ولكن بوجود الرهن العقاري سيوجد هذا النظام بهامش ربحية معقولة بالنسبة إلى المطورين، وبالتالي هذا الحل سينعكس على المواطن مستقبلا. ولكن العنصر الأهم في المقارنة ليس فقط الكلفة، بل المقارنة الحقيقية ما بين تملك وحدة سكنية ودفع أقساط منتهية بالتملك، والسكن في بيت مستأجر يدفع فيه إيجار على سنوات طويلة دون تملك العقار، وهذا أحد العناصر المغيّبة عن المجتمع».
وعن التعثر في السداد قال: «التعثر أنواع، منها المتعمد، وآخر خارج عن الإرادة، والنظام الجديد كفل حماية جميع الأطراف. وعادة في حال مرور الفرد في تعثر مالي يقف البنك أو الجهة الممولة بجانبه حتى انتهاء الأزمة المالية ومن ثم معاودة برنامج التقسيط»، ولفت إلى أنه إذا كانت حالة التعثر مستمرة سيكون هناك حل يضمن حقوق جميع الأطراف.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078