تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

زواج ملك اليمين يثير الجدل

أثارت أول حالة زواج ملك يمين في مصر ردود فعل غاضبة لدى علماء الأزهر الذين هاجموها بشدة، مؤكدين أنها تحليل لعلاقة غير شرعية ومحاولة إلباسها عباءة الدين وهو منها براء، لما فيها من امتهان لكرامة المرأة والعودة بها إلى عصور الرق التي قضى عليها الإسلام، فكيف عاد هذا النوع من الزواج للظهور؟ وما هو الهدف منه؟ وبماذا يفسره علماء الدين؟ وما هي في النهاية أسانيدهم الشرعية لرفضه بشدة؟


بدأت القضية عندما استضاف برنامج «الحقيقة» الذي يعرض على قناة «دريم» الفضائية الشيخ عبد الرؤوف عون الذي دعا إلى تعميم «زواج ملك اليمين» مؤكدًا مشروعيته وأنه شخصيًا تزوج بهذه الطريقة، وأن هذه الفكرة كانت تراوده منذ حوالي 15 سنة.
عرض عون الطريقة التي يتم بها الزواج المزعوم الذي ينعقد بأن تقول المرأة «ملكّتك نفسي» فيرد الزوج: «وأنا قبلت وكاتبتك على سورة الإخلاص». وهذا النوع من الزواج لا يشترط توثيقه عند مأذون شرعي وتردد المرأة «ملّكتك نفسي» ولا تقول «زوجتك نفسي»، ولها أن تخلع الحجاب بدون أن تأثم إذا ما تحولت من «حرة» إلى «ملك اليمين»، لأن الإسلام أباح لملك اليمين أن تخلع حجابها وتكشف عن ساقيها طبقاً للحديث النبوي: «عورة الأمَة من السرة للركبة». وبذلك يمكن للمرأة التي لا تريد أن تلبس الحجاب أن تُملك نفسها لأي رجل وتخلع حجابها دون أن يكون عليها إثم أو عقاب من الله.


جهل وعبث بالأعراض

أكد عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبد الله النجار أن زواج « ملك اليمين» انتهى لأن هذا النوع من الزواج كان يستخدم وقت الرق، أما الأصل في الإنسان الحرية لا الرق حتى أنه قد اتفقت كلمة الفقهاء على أن «اللقيط» إذا وجد ولم يعرف نسبه يكون حراً، وإن احتمل أنه رقيق، لأن الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً وإنما كان الرق استثناءً، فإذا لم يوجد هذا الاستثناء فنعود إلى حكم الأصل وهو الحرية.

وأوضح أن «الجارية هي الأمَةُ المملوكة بملك اليمين، ويدخل في ملك اليمين الأسيرات أو السبايا من الأعداء الكفار، ونحن في زمن لا رق فيه، وهناك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أنهى وجرَّم الرق. لهذا فإن الكلام في «زواج ملك اليمين» نوع من العبث بأعراض المسلمين التي الأصل فيها التحريم، حيث قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏» آية 33 سورة‏ ‏‏الأنعام».

وأنهى الدكتور النجار كلامه بقوله: «الزواج لا يحل إلا بالطريقة الشرعية التي ذكرت في كتاب الله وعلى سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ووفقا لما أجمع عليه الفقهاء في مختلف العصور الإسلامية، ولذلك على كل من تزوج عن طريق «زاوج ملك اليمين» سرعة التوبة إلى الله والندم على ارتكاب الفاحشة التي حرمها الشرع، وسوف يتقبل الله التوبة بقدر الصدق فيها، لقوله تعالى: «والَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرِ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» آية 135 سورة آل عمران».


الهدف

يشير الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، إلى أنه مع وجود الرق بكثرة قبل الإسلام في جزيرة العرب أراد الله تحرير الأرقاء تدريجاً دون صدام مع واقع اجتماعي متأصل، ففتح أبواباً لعتق الأرقاء من العبيد الرجال وكذلك الإماء النساء، فجعل من وسائل الكفارات للذنوب أو المخالفات الشرعية التحرير وعتق الرقاب، وكذلك أباح الزواج بملك اليمين بأي عدد منهن، لأنهن لا يدخلن في عداد الزوجات الأربع الحرائر اللواتي لا يجوز أن يزيد العدد عنهن. أما المتزوجة عن طريق ملك اليمين فتكون حرة بالزواج من الرجل الحر ويكون أبناؤها أحراراً. وأوضح طه أن الرق انتهى في عالم اليوم وأصبح مجرَّماً قانوناً، ولم يعد موجوداً في بلاد الإسلام بعد أن تحقق الهدف الذي من اجله شرع الزواج بملك اليمين، وهو تحرير النساء ليتساوى الجميع في الحرية والكرامة الإنسانية التي أقرها الله لجميع البشر حين قال: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» آية 70 سورة الإسراء.


امتهان للمرأة

تعجبت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، من «إثارة هذه المشكلة التي فيها امتهان للمرأة والعودة بها إلى عصور الرق التي حررها الإسلام منها بالتدريج، حتى انقرض تماماً نظام الرق وتساوى جميع البشر أمام الأحكام الشرعية والقانونية. ولهذا يجب التصدي بكل قوة لتلك الدعوات التي تستهدف أموراً غاية في الخطورة، أولها الإساءة إلى الإسلام وهو من هذا الزواج براء، وثانيها إعطاء غطاء شرعي للفاحشة التي حرمها الله بل وأوجب لها عقوبة تنفذ علانية للردع، فقال تعالى: «الزانية والزاني فاجْلِدُوا كلَّ واحدٍ منْهُمَا مِئةَ جَلْدةٍ ولَا تأْخُذْكم بِهمَا رأفةً في دين اللَّه إن كُنتمْ تُؤمنون باللَّه واليوم الآَخِر وليشهد عذابَهما طائفةٌ من المؤمنين» آية 2 سورة النور».

وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن «الأمر الثالث الذي يستهدفه دعاة زواج ملك اليمين، تبرير أي علاقة غير شرعية مع الخادمات على أنهن من ملك يمين، وهذا غير جائز شرعاً، لأن الخادمة حرة تعمل بأجر متفق عليه ولها حرية ترك العمل، وهذا لم يكن متوافراً في نظام الرق القديم، حين كانت الأمة تباع أو يهبها سيدها لغيره... الأمر الرابع أنه محاربة صريحة للحجاب ودعوة إلى خلعه، بزعم أن المتزوجة ملك يمين ليست مكلفة شرعاً بالحجاب وستر جميع جسدها مثل المرأة الحرة، مع أن الحجاب في عصرنا الذي لا توجد فيه إماء فرض على جميع النساء المسلمات، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» آية 59 سورة الأحزاب».


حالة فوضى محرّمة

حذرت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في جامعة الأزهر، من حالة «الفوضى في ما يطلق عليه «زواج ملك اليمين» استناداً إلى الفهم الخاطئ لقوله تعالى: «وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ» آية 24 سورة النساء. حيث إن الله وضع القاعدة الأساسية لأي معاشرة بين الرجل والمرأة عن طريق «الإحصان»، أي الزواج الشرعي، ومعنى «تبتغوا بأموالكم» أي سواء كان المال المدفوع لمعاشرة النساء مهراً للحرة أو كان المال المدفوع مهراً للأمة أو لشرائها للزواج الحلال بها، أما غير ذلك فيكون سفاحاً أي زنى حرام شرعاً، ولا يجوز أن يطلق عليه زواج بل يجب أن يعاقب فاعله».

وأشارت إلى أنه «إذا كانت الحرة  تستحق المهر فإن «الأمة» التي كانت تسمى «ملك يمين»، إذا تزوجها سيدها بدون مهر، فإن مهرها هو عتقها من الرق بالزواج فتصبح حرة، بدليل أن الله أطلق على كل من تزوج بهن الرسول، صلى الله عليه وسلم، تسمية «زوجات»، رغم أن بعضهن «ملك يمين» للتسرية، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ..» آية 28 سورة الأحزاب. وهنا لم يفرق الله بين الزوجة الحرة  وملك اليمين وسماهن كلهن «أزواج النبي» وخاطبهن بقوله تعالى: « يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» 33-34 سورة الأحزاب. وقد جاء الخطاب عاماً لكل نساء النبي، رغم أن بعضهن ملك يمين مثل السيدة صفية والسيدة مارية والسيدة جويرية».


فتاوى مضلِّلة

وتكشف الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، جانباً آخر من حرص الإسلام في القرون الأولى على تحرير كل النساء بزواج ملك اليمين، سواء من الإماء أو أسيرات الغزوات والحروب، حتى أن الله حينما حرَّم على النبي الزواج بالمزيد من الحرائر لم يمنعه من الزواج بملك اليمين، لمزيد من تحرير النساء بالزواج فقال تعالى: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً» آية 52 سورة الأحزاب. وكان هذا الأمر الإلهي للنبي أبلغ دليل على تحرير الإسلام للنساء بالزواج ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، حتى أنه لم يحدد عدداً للزواج بملك اليمين، بل ترك الأمر حسب مقدرة كل رجل حتى لو كن عشرات، لأنهن ينتقلن بالزواج إلى العتق والحرية، فقال تعالى في وصف المؤمنين: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ» الآيات 5-7 سورة المؤمنون.

ورصدت الدكتورة مهجة «بعض مظاهر رفق الإسلام بالإماء والعبيد في المعاملة، وليس في زواج ملك اليمين فقط، فتقول: «يروى عن أبي مسعود الأنصاري ‏قال: «كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً يقول: «اعلم ‏أبا مسعود ‏لَلَّهُ أقدر عليك منك عليه»، فالتفت فإذا هو النبي ‏فقلت: «يا رسول الله هو حر لوجه الله»، قال الرسول: «أما إنك لو لم تفعل ‏ ‏للفعتك ‏ ‏النار ‏ ‏أو لمستك النار»، وقال أيضاً: «لا يقُلْ أحدكم أطعمْ ربك وضِّئ ربك اسقِ ربك، وليقل سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي». إلى هذا الحد حرص الإسلام على رعاية الكرامة الإنسانية للإماء والأرقاء بكلمتي «فتاي وفتاتي» فما لنا نجد الآن جهالاً يقولون بعودة زواج ملك اليمين، الذي شرعه الإسلام لتحرير الإماء، فإذا بهذه الأفكار المتخلفة تعيد النساء إلى عصور «الإماء»، وقد صدق فيمن يفتون بذلك قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا».

وأنهت الدكتورة مهجة غالب كلامها، مؤكدة أن الإسلام لم ينهنا فقط عن أي معاشرة محرمة بين الرجل والمرأة، وإنما حرّم أيضاً المقدمات التي قد تقود إلى الخطيئة، فقال تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً» آية 32 سورة الإسراء. ومن المؤسف أن نجد هؤلاء المتنطعين الجهال بالدين يفتون بذلك تقليداً لما كان سائداً في عصور الرق، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: «وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون» آية 28 سورة الأعراف».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078