تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بعد الموافقة على أول تجربتين...

أثارت موافقة مجمع البحوث الإسلامية على ما أنجزته سيدتان، كل منهما على حدة، بتفسير كامل للقرآن الكريم للمرة الأولى، جدلاً بين علماء الدين الذين انقسموا حول قدرة المرأة على إعداد تفسير متكامل، فمنهم من أشاد بالخطوة الجريئة وطالب بدعمها والتوسع فيها إذا توافرت في المفسرة الشروط اللازمة، في حين عارض آخرون تلك الخطوة بحجة أنها قد تكون مدخلاً لتفسير يجامل النساء مما يولّد نوعاً من التعصب، وخاصة إذا صدر هذا التفسير مستقبلاً بعيداً عن رقابة أو إقرار الأزهر، مثلما سبق أن فعلت كاتبة باكستانية أصدرت تفسيراً نسائياً منحازاً إلى المرأة أثار ضجة كبرى لما فيه من انحرافات. فماذا يقول المؤيدون والمعارضون للتفاسير النسائية للقرآن الكريم؟


تعود القضية إلى موافقة مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر على طبع ونشر أول تفسير نسائي للقرآن الكريم للسيدة فوقية الشربيني (72 عاماً) التي اختارت لتفسيرها عنوان «تيسير التفسير»، وحصلت على الإذن بتداوله بعد فحصه ومراجعته.
وأوضحت فوقية الشربيني أن عملية الفحص التي قامت بها استمرت أكثر من ثلاثة أعوام، نظراُ إلى ضخامة التفسير الذي يتكون من أربعة مجلدات، أولها يبدأ من سورة «الفاتحة» وحتى «التوبة»، وثانيها يبدأ من «يونس» وحتى «الحج»، وثالثها يبدأ من «المؤمنون» وحتى «الزُّخرُف»، ورابعها يبدأ  من «الدخان وحتى «الناس».

ونفت ما يردده المعارضون من أن هذا التفسير قد يكون فيه مجاملة للمرأة أو تأويل في فهم وتفسير  بعض الآيات لصالحها، قائلة: «لن أبيع ديني بدنياي أو مجاملة لأحد، ولو كنت أنا شخصياً، وإنما استعنت بالله وكنت أستشير كبار المفسرين خلال إنجازي لهذا العمل الذي استغرق سبعة أعوام كاملة، وذلك لمحاولتي تقديم رؤية مبسطة للآيات القرآنية، حتى يتمكن عامة القراء من النساء والرجال من غير المتخصصين من فهم بعض أسرار القرآن الكريم وإعجازه».

وعن السمات التي تميز تفسيرها عن غيره من التفاسير التي قام بها الرجال قبلها، قالت: «أرفض تصنيف التفاسير حسب جنس المفسر، بجعل هذا تفسيراً نسائياً وذاك تفسيراً رجالياً، لأن جميع المفسرين يجتهدون في فهم الآيات القرآنية استناداً إلى الصحيح من الروايات والمراجع من أقوال العلماء، حتى لا نُدخل القارئ العادي في خلافات لن يستفيد منها كثيراً... ويتصف تفسيري بالتبسيط، مما ييسر على القراء استيعابه وفهمه، لكن سيظل كل منا يحاول فهم القرآن وتفسيره، لأنه معجزة متجددة ولن يستطيع أي مفسر الوصول إلى الكمال في التفسير».


تجربة فريدة

أما صاحبة التجربة الثانية في تفسير القرآن فهي الإعلامية الإسلامية كريمان حمزة، المذيعة السابقة في التلفزيون المصري، والتي تقول: «من فضل الله عليَّ أن سخرني  للعديد من الأعمال الفريدة، فقد كنت أول مذيعة في التلفزيون المصري ترتدي الحجاب، ولاقيت في سبيل ذلك الكثير من التعسف، وتم تتويج هذا التوفيق الرباني بتفسيري للقرآن الكريم الذي يعد تتويجاً لمسيرتي في الإعلام الديني لأكثر من 35 عاماً، عشت فيها كداعية إسلامية من خلال برامجي الدينية وكتاباتي الإسلامية من خلال المؤلفات أو المقالات، مما جعلني أحصل على مقدار كبير من الثقافة الدينية».

ونفت كريمان حمزة أن يكون هدفها من التفسير الذي  يحمل عنوان «الواضح في تفسير القرآن للشباب والشبيبة»، الدعاية لها كامرأة أنجزت تفسيراً، وتقول: «هدفي من هذا العمل هو خدمة الإسلام والدعوة إلى الله، مع أنني لست خريجة الأزهر، إلا أنني عاشقة للدعوة الإسلامية، وربما هذا ما دفعني إلى دخول هذا المجال الذي كان قاصراً عبر التاريخ على الرجال».
 وعن السمات التي يتسم بها تفسيرها عن غيره من التفاسير، تضيف كريمان حمزة: «اعتمدت في تفسيري على التبسيط والوضوح في الشرح والتفسير، حتى يستطيع فهمه الصغار والكبار، فيخاطب الناس بلغة سهلة وميسرة، ويتيح لهم فهم القرآن بسهولة».

وأشارت إلى أنها لجأت، أثناء رحلتها في تفسير القرآن، إلى المراجع الأساسية من أمهات كتب التفسير، مثل «المنتخب في تفسير القرآن» الصادر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، واشترك فيه مجموعة من علماء الأزهر، وكذلك تفسير «في ظلال القرآن الكريم» للشيخ سيد قطب، و»التفسير الموضوعي للقرآن الكريم» للشيخ محمد الغزالي، وأيضاً «التفسير المختصر» للشيخ حسين مخلوف مفتي مصر الأسبق، وغيرها من التفاسير التي أنجزها كبار المفسرين عبر التاريخ الإسلامي.


ترحيب

وعن رأيها في التفسير النسائي للقرآن الكريم، تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «أرفض أن يسمى اجتهاد بعض النساء في تفسير القرآن «تفسيراً نسائياً»، لأن الإسلام لا يفرق بين الرجل والمرأة في طلب العلم والاجتهاد فيه، وكل ما بينهما من فروق مرتبط فقط باختلاف طبيعتهما، أما غير ذلك فهناك مساواة بينهما في التكاليف الشرعية مع مراعاة الخصوصية، فقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» آية 97 سورة النحل.

وأوضحت الدكتورة عبلة أن عدم التفريق بين الجنسين، في الإفتاء والعمل الدعوي، يؤكد مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة، ويجب الترحيب بمثل هذه الاجتهادات النسائية في تفسير القرآن، طالما توافرت فيهن شروط المفسر، من الإلمام بكل العلوم الشرعية والعربية اللازمة لفهم كتاب الله وتفسيره، وخاصة أن علم التفسير يعرف بأنه «فهم كتاب الله المُنزَّل على النبي، صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمه» ولهذا العلم أهمية بالغة لفهم وإدراك معاني عبارات وألفاظ آيات القرآن الكريم، بقصد استخراج واستنباط الأحكام الشرعية والوصول إلى مقاصد المشرع من نصوص القرآن.


لا مانع

وعن أهمية علم التفسير كأحد العلوم الشرعية ومشروعية مساهمة النساء فيه، تقول الدكتورة مهجة غالب عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «يعد علم التفسير أول علوم القرآن نشأةً، إذ ظهر منذ عصر الرسول، صلى الله عليه وسلم، حينما كان يسأله الصحابة عن بعض معاني آيات القرآن الكريم، ثم اجتهد الصحابة والتابعون. ولهذا فإن الصحابة أول من أخذوا القرآن الكريم وتفسيره عن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كتطبيق عملي لقوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» آية 44 سورة  النحل.

وأوضحت الدكتورة مهجة أنه في عصر الصحابة لقنوا التابعين القرآن الكريم وتفسيره لمن بعدهم مشافهة وكتابة، وبعد القرن الثالث اتخذ التفسير منحىً جديداً، حيث فسر بعض كبار العلماء القرآن حسب تخصصاتهم، فمنهم من اهتم بإبراز الإعجاز اللغوي للقرآن أو بيان أحكام القرآن أو إعرابه وغير ذلك. واتبع المفسرون مناهج متعددة في تفسيرهم للقرآن، فمنهم من اعتمد على التفسير بالمأثور، وفيه يقتصر المفسر على ما ورد في التفسير عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته وأوائل التابعين بلا زيادة عليها، إلا من بعض النواحي اللغوية أو التوفيق بين الأقوال أو الجمع بين الأقوال الواردة في معاني الآيات، ومنها تفسير القرآن بالقرآن وهو أحسن أنواع التفاسير، وكذلك تفسير القرآن بالسنة النبوية باعتبارها شارحة للقرآن ومبينة وموضحة ومفصلة له، ومنها تفسير الصحابة الذين سمعوا القرآن من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقرب الناس لإدراك معاني القرآن الكريم وأسراره، وأخيراً تفاسير التابعين الذين جاؤوا بعد الصحابة.
وأشارت غالب إلى أنه لا يوجد مانع شرعاً من قيام المرأة بالاجتهاد في فهم القرآن وإعداد تفسير، وخاصة أنها في الغالب تعتمد على التفاسير السابقة ولا تبتدع تفسيراً جديداً بعيداً عن اجتهادات المفسرين السابقين.


مراجعة

ويؤيد الدكتور محمد مختار جمعة، عميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، المحاولات النسائية لتفسير القرآن، مؤكداً أن التفسير ليس حكراً على الرجال، لأنه ليس هناك نص شرعي قطعي بذلك. كما أن أي عمل يخص تفسير القرآن الكريم لا يتم إقراره إلا بعد أن  يخضع لمراجعة دقيقة جداً، ولن تتم الموافقة عليه إلا بعد مراجعة كل حرف وكل كلمة من العلماء المتخصصين في علوم القرآن وتفسيره، وبالتالي فإن ما تتم الموافقة عليها يكون صالحاً للتداول ويجب أن نطمئن إليه بعد الموافقة عليه من مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، بصرف النظر عن كون القائم بالتفسير رجلاً أو امرأة، لأن المجمع يوافق على تفسير القرآن الكريم ما لم يرد فيه نصوص تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.


المساواة

وأوضح الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، أن موافقة الأزهر على نشر أي تفسير، سواء كان للرجال أو النساء، يعد تجسيداً حقيقياً وحياً للمساواة التي أوجبها الإسلام بينهما، وتأكيداً لحق المرأة في التعليم والاجتهاد في التفسير، مثل الرجل سواءً بسواء، فالمهم المقولة لا القائل. وشريعة الإسلام أعطت المرأة المسلمة حق أن تتعلم العلوم الشرعية بل وتفتي في الأمور الدينية، مثلما كانت تفعل أمهات المؤمنين  والصحابيات والتابعيات.
وأشار الدكتور صابر إلى أنه لا يجوز منع النساء المجتهدات المؤهلات من التفسير، وأن قيام بعض النساء اللواتي درسن في جامعات غربية بتحريف معاني القرآن إرضاءً للمجتمعات الغربية المعادية للإسلام، لا يجوز أن يصبح حجة لمنع المخلصات للدين من الاجتهاد والتفسير.


أرفض بشدة

ويعترض الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، على قيام النساء بتفسير القرآن قائلاً: «النساء لسن مؤهلات لهذه المهمة الصعبة، وقد أعفاهن الله من ذلك، فلماذا المشقة على النفس؟ ولعل هذا يعود إلى طبيعتهن التي خلقهن الله عليها، من عدم اكتمال العقل مثل الرجال، وأبدلهن الله عن ذلك بغلبة العاطفة، فقد وصفهن النبي، صلى الله عليه وسلم، بأنهن «ناقصات عقل ودين»، فلماذا نحمِّل المرأة ما لا تطيق؟ مع أن الله يقول: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا أن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» آية 286 سورة البقرة».

 وحذر الشيخ البدري من أن يعتمد التفسير النسائي على مدرسة «التفسير بالرأي»، وهي  مذمومة خاصة إذا كان هذا الرأي باعثه الهوى المحض، أو أن قائله لا يتمتع بالعلم ولا الدراية الكافية بمعاني الآيات، فيكون رأيه في التفسير خاطئاً، وهنا يأثم القائم بالتفسير ولا يثاب من الله. «ولذلك لا أحبّذ قيام المرأة بتلك التجربة. فقال تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إن السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا» آية 36 سورة الإسراء. وقد حذرنا الإسلام أن نقول على الله ما لا نعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»».


أتحفظ خشية الانحراف

ويتحفظ الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، على قيام النساء بتفسير القرآن كاملاً، ويقول: «هذه التجربة غير مسبوقة في تاريخ التفاسير، ونخشى من الانحراف عن جادة الصواب، وهذا ليس مصادرة على النساء وإنما حماية لهن، ويكفيهن إصدار خواطر عن تدبرهن آيات القرآن، لقوله تعالى: «أَفَلا يَتَدبَّرُونَ الْقُرْآنَ أمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» آية 24 سورة محمد».

واستشهد مزروعة بما «حصل قبل سنوات قليلة، حين حاولت الكاتبة الباكستانية أسما بارلس مع غيرها من النساء الدارسات في الجامعات الأوروبية والأميركية، إخراج ما أطلقن عليه «التفسير النسائي للقرآن»، وحاولن من خلاله تطويع وتأويل تفسير آيات القرآن لتتناسب مع النظرة الغربية الى المرأة، وقد رفضه العلماء حينئذ لأنه محاولة لاختراق الإسلام عن طريق المرأة. ولهذا نخشى تكرار تلك المحاولات باسم حرية المرأة وحقها في الاجتهاد».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079