تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الدكتورة مهجة غالب...

تنشغل الكثيرات بتفاصيل في حياتهن اليومية خلال شهر رمضان المبارك قد يظنها البعض صغيرة وبسيطة، لكنها قد تثير حيرة من تسعى إلى ثواب الصيام الصحيح. ولذلك هناك العديد من التساؤلات التي تخص تفاصيل حياة المرأة اليومية في رمضان، تحتاج إلى فتاوى حاسمة وواضحة تقدمها لنا الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر.


- هل خروج المخطوبين معاً وحدهما في نهار رمضان يؤثر علي أجر الصيام؟
من الممنوع شرعاً خروج المخطوبين معاً دون وجود محرم مع الفتاة، حماية وصيانة لها، لكن لا تأثير لهذا الخروج إذا تم، رغم أنه حرام، على صحة الصيام إلا إذا حدث ما يؤدي إلى الإفطار أو إفساد الصيام.

- لكن هذا الخروج قد يكون بريئاً كأن تكون المخطوبة والخاطب ملتزمين دينياً ؟
لا قيمة للمظهر هنا، لأنهما في النهاية أجنبيان عن بعضهما، والخروج معاً يعتبر من قبيل الخلوة المحرمة شرعاً، ولهذا اشترط الإسلام وجود محرم مهما كانت درجة تدين المخطوبين، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم». الحكمة في ذلك سد أبواب الفتنة وتزيين الشيطان للحرام مهما كانت درجة الصلاح أو التدين.


الامتحانات

- بعض الامتحانات تستمر في رمضان وسط درجة حرارة مرتفعة جداً، ولا تتحمل البنات المذاكرة والتركيز في الصيام، فهل هذا مبرر للإفطار وتعويض ذلك بعد رمضان؟
الامتحانات في حد ذاتها ليست مبرراً للإفطار، لكن العبرة بالقدرة على التحمل. وإذا كان الصوم يمثل خطراً شديداً على الصائمة وقرر الأطباء ذلك فإنه يتم قياسها على المريض في عدم القدرة على التحمل.


دخول السينما

- هل يجوز دخول السينما في رمضان وهل هناك فرق شرعاً إذا  كان ذلك نهاراً أو ليلاً؟
رغم أنه من غير المستحب في رمضان الانشغال بغير الطاعة، لأنه شهر الطاعات الذي تضاعَف فيه الحسنات عن بقية شهور السنة، فإن دخول السينما في حد ذاته لا يفسد الصيام، لكن الحكم الشرعي يرتبط بالهدف من دخول السينما، ومع من تدخل المرأة، هل مع زوجها أو خطيبها الذي يعد أجنبياً عنها؟ وكذلك ماذا سيشاهدان في السينما؟ هل هو عمل هادف ليس فيه عري أو إثارة أم عمل يفسد الصيام بالمشاهد الساخنة؟ وأنصح الصائمين في نهار رمضان أن ينشغلوا بالطاعات وكثرة الذكر لله، وأن يكثروا في الليل من قيام الليل وصلاة التراويح، وبالنسبة إلى دخول السينما فإن هذا يتوقف على العلاقة بين من يدخلون معاً السينما، وكذلك ما يشاهدونه، فقد يكون عملاً دينياً أو تاريخياً ويدخله الزوجان معاً، فهذا ليس حراماً لأنه ليس فيه شيء محرم. وأذكر الجميع بقوله تعالى: «وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا» آية 36 سورة الإسراء.

- هل العمل في السينما في رمضان يفطر كأن يكون موظفاً فيها؟
يتوقف الأمر على طبيعة العمل، فمن يكون في قاعة العرض يختلف عن من يقوم بقطع التذاكر أو الحسابات، فمثلاً من يعمل في قاعة العرض ويشاهد مناظر خليعة أو محرمة فهذا حرام، ولأن كل ما يؤدي إلى الحرام هو حرام، أنصح بعدم العمل في السينما في رمضان، بل البحث عن عمل آخر أفضل للابتعاد عن أبواب الفتنة، لأنه عمل على الأقل فيه شبهة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فـسد الجسد كله ألا وهي القلب».

- هل التمثيل في نهار رمضان يفسد الصيام؟
كما سبق أن قلت يتوقف هذا على طبيعة العمل ومراعاته للضوابط الشرعية، فمثلاً إذا كان يتم تصوير عمل ديني أو تاريخي فهذا لا شيء فيه ولا يؤثر على صحة الصيام، أما إذا كان فيه اختلاط مُحرَّم أو خلوة شرعية محرمة أو عري وإثارة، فهذا حرام قطعاً لا يجوز للصائم أو الصائمة القيام به، سواء في رمضان أو غير رمضان.      


سن التكليف

- ما هي السن التي يجب عندها على البنات الصوم كفريضة يحاسبن عليها، أم أن الأمر مرتبط بالقدرة الجسدية على تحمله؟
الإسلام فرض الصيام على كل المسلمين، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، في السن التي يطيقون فيها ذلك وهي سن البلوغ، حين يكون الجسم قد اكتمل وأصبح قادراً على تحمل التكاليف الشرعية، ولهذا فإنه يجب الصوم على الفتاة متى بلغت سن التكليف، وهو يختلف من فتاة إلى أخرى، لكنه في المتوسط خمس عشرة سنة قد تزيد او تنقص من فتاة إلى أخرى، وعلامات البلوغ معروفة وأهمها نزول الحيض.

- لكن هذه السن قد تكون عند فتاة عشر سنوات وعند أخرى عشرين عاماً، فهل هناك حد أدنى وحد أقصى للبلوغ؟
ليس هناك سن محددة نقول عندها إنه يجب على الفتاة الصوم، وإنما ربط الشرع ذلك ببلوغ الفتاة ولا قيمة لاختلاف السن من واحدة الى أخرى.

 

- لكن لسبب مرضي أو وراثي قد لا يأتي الحيض إطلاقاً، فهل معنى هذا أنه لا صيام على الفتاة في مثل هذه الحالات؟
إذا افترضنا جدلاً إمكان ذلك، فإن هذه حالة نادرة والنوادر لا يقاس عليها، لكن وضع الإسلام لها ضابطاً آخر وهو سن الفتيات مثلها، وهو في المتوسط 15 سنة، فلا أتصور أن فتاة قد تتعدى 15 سنة دون أن تحيض، وبالتالي لا مهرب من التكاليف الشرعية المرتبطة بسن البلوغ، وهي فرائض الصيام والصلاة والزكاة والحج. ويجب سؤال الأطباء عن تلك الحالات النادرة باعتبارهم أهل الاختصاص والعلاج، لقوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» آية 43 سورة النحل.


التساهل ممنوع

- لكن أهالي الفتيات قد يتساهلون مع بناتهم بحجة أنهن صغيرات ولا يتحملن الصيام في الحر الشديد والنهار الطويل صيفاً، فما كلمتك لهم؟
تساهل الأهل وظنهم أن ابنتهم صغيرة فلا يلزمونها بالصيام، خطأ شرعاً يجعلهم آثمين، ولأن الواجب عليهم تدريبهم لها على الصيام قبل سن البلوغ حتى تعرف أن هناك فريضة شرعية ستكون واجبة عليها شرعاً عندما تبلغ. أما التساهل هنا فهو دلع مرفوض شرعاً ويأثم المتساهل في أداء الفريضة، سواء الفتاة أو أهلها، لأن الفتاة كما سبق أن قلنا إذا حاضت فقد بلغت مبلغ النساء وجرى عليها التكليف، وذلك لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما روت: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه». وهذا الحديث يؤكد أن التكاليف الشرعية الخاصة بالعبادات الشرعية ومنها الحجاب والحشمة تبدأ بالمحيض أي البلوغ.

- إذا تساهلوا سنوات عديدة مضت فما الحل الشرعي في السنوات التي أفطرتها؟
من المقرر شرعاً أن المرأة تكون مكلفة بشروط، الإسلام والعقل والبلوغ،  ومتى توافرت فيها شروط وجب التكليف بالصيام، ولهذا يجب عليها قضاء ما تركته من الصيام منذ وقت تكليفها مهما كانت السنوات، وعلى أهلها مساعدتها على ذلك واستغفار ربهم لأنهم آثمون شرعاً لسماحهم بهذا التساهل المرفوض، لأن الدين ليس فيه مجاملة.


أحكام استثنائية

- بعض النساء تنزل عليهن الدورة الشهرية قبل غروب الشمس بدقائق معدودات بعد صيام اليوم كاملاً فهل صيامهن مقبولا؟
اذا صامت المرأة وعند غروب الشمس وقبل الأذان بفترة قصيرة جاءها الحيض بطل صيامها، وعليها أن تفطر وتقضي هذا اليوم بعد ذلك، ولا قيمة لما صامته حتى ولو قبل المغرب بدقائق. أما إذا أحست المرأة بالدم لكنه لم يخرج قبل الغروب، أو أحست بألم العادة وهي صائمة لكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس، فإن صومها ذلك اليوم صحيح وليس عليها إعادته.

- من المعروف أنه من رحمة الإسلام بالأزواج والزوجات أنه سمح بالمعاشرة الزوجية ليلاً، لكنهم قد يؤخرون التطهر من الجنابة إلى ما بعد الفجر، أي يبدأ اليوم وهم في حالة الجنابة فما حكم الشرع؟
من كانت عليهم الجنابة وطلع الفجر عليهم فإن صيامهم صحيح، لقوله تعالى «فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» آية 187 سورة البقرة. وكذلك لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث روت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع أهله وهو صائم، أي أنه عليه الصلاة والسلام لا يغتسل عن الجنابة إلا بعد طلوع الصبح، لكن هذا كان استثناءً لإقرار يسر الإسلام وسماحته، أما في المعتاد فكان صلى الله عليه وسلم يحرص على التطهر من الجنابة قبل الفجر، حتى يدرك صلاة الفجر في جماعة.

- لكن الأزواج والزوجات الجدد أو من هم في مرحلة الشباب قد لا ينتهون من الجماع قبل إطلاق مدفع الإمساك، فهل صيامهم صحيح؟
أذن الله تعالى بالجماع أو المعاشرة الزوجية إلى أن يتبين الفجر، أي أذان الفجر وليس مدفع الإمساك، وبالتالي إذا أذن الفجر والزوجان في حالة الجماع فيجب التوقف فوراً وإلا أصبحا مفطرين عمداً، ويكون على الزوج القضاء والكفارة الكبرى، وهي صيام ستين يوماً أو إطعام ستين مسكيناً، أما الزوجة فيكون عليها القضاء فقط، أي صيام يوم بدلاً من اليوم الذي أفطرته. 


اضطراب النفاس

- ماذا تفعل المرأة  النفساء إذا طهرت خلال أسبوع مثلاً ثم صامت ثم عاد الدم؟
إذا طهرت النفساء في الأربعين ثم صامت في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم في الأربعين، فإن صومها صحيح وعليها أن تؤجل الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم، لأنها نفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين يوماً، فالعبرة في انقطاع الدم لكن متى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل.

- إذا كانت الأربعون يوماً هي الحد الأقصى للتطهر من النفاس فماذا تفعل إذا استمر الدم بعد الأربعين سواء في الصيام أو الصلاة؟
من المقرر شرعاً أن الأربعين يوماً هي نهاية فترة النفاس في أصح الأقوال عند العلماء، ومع هذا إذا استمر الدم بعد الأربعين فإنه يجب عليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بذلك، ولها أن تصوم وصيامها يكون مقبولاً إن شاء الله.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078