حلم الثراء قادها من سوريا إلى السجن في القاهرة!
جاءت من سورية إلى القاهرة تراودها أحلام كثيرة. خلال الطريق إلى القاهرة كانت إنجي تتخيل نفسها وهي غارقة في الثراء الذي كانت تحلم به دائماً، مدركةً أنها تملك مؤهلات عديدة تساعدها على أن تحقق بسرعة هدفها المنشود.
هذه المؤهلات، ومنها الذكاء والقدرة على الإقناع، ساعدت إنجي في تحقيق ما أرادت، وتمكنت خلال تسعة أشهر من أن تمتلك سيارة فارهة وشقة في أفخم أحياء القاهرة، ورصيداً في البنوك تجاوز المليون جنيه. وحصل أفراد عصابتها على مميزات لا تقل كثيراً عن المكاسب التي حققتها السورية الشابة التي وجدت في القاهرة الحلم واتخذت من العاصمة المصرية مسرحاً لجرائمها واختارت تجارة الآثار لجني مكاسب دسمة وسريعة.
لكن القصة المثيرة التي بدأت أحداثها في القاهرة انتهت في أحد الأحياء الراقية في الإسكندرية، بعد أن دهمت الشرطة وكر عصابة إنجي وضبطت آثارا مسروقة وذهبا وآلاف الدولارات المزيفة.
البحث عن أعوان
حين خطت إنجي السورية أولى خطواتها في مطار القاهرة كانت تعرف طريقها جيداً، وتدرك أن البحث عن الآثار هو أول طريق الثراء السريع. اعتقدت أن مصر تعيش فترة من الفراغ الأمني الشديد الذي يحقّق أطماع المجرمين في اقتناص فرص متزايدة ليقوموا بما يحلو لهم.
بدأت رحلة بحثها عن أشخاص تثق بهم لمساعدتها في تحقيق أطماعها، واستأجرت شقة في حي مصر الجديدة، وبدأت تتردد على المراكز التجارية الشهيرة، وتمكنت من خلال أسلوبها المعسول وخفة ظلها من اصطياد ممدوح، مهندس الديكور الشاب الذي تجاذبت معه أطراف الحديث وتعددت لقاءاتهما.
بدأت إنجي تتلاعب بالأوتار الحساسة داخل كل فرد يطمع بالحصول على المال، ووجدت في ممدوح الشاب الذي يتمرّد على واقعه ويريد أن يتجاوزه، ولكن السبل أمامه كانت مقطوعة، فالدخل الذي يحققه من مكتب الديكور الذي يملكه لا يكفي متطلبات الحياة.
بدأت إنجي تنسج شباكها حول صديقها، ولم تبذل جهداً كبيراً لأنه كان مؤهلاً للمشاركة معها في جرائمها. وسرعان ما بدأت إنجي تسرد لصديقها فكرتها التي تقوم على التردد على الأماكن الأثرية والتعرف على الخفراء وشرائهم بأي ثمن، والاستعانة بهم في التنقيب عن المقابر الأثرية الممتلئة بالذهب.
واستخدمت تحويشة عمرها طعماً للخفراء الذين سال لعابهم لأموال إنجي وصديقها المصري، وفتحوا الأبواب للعصابة، فبدأت السورية مع صديقها رحلة البحث عن الآثار. في هذه الأثناء عرض عليها ممدوح أن يشارك معهما أحمد، صديقه الذي يملك شركة مقاولات. فوافقت بعد تردد، خاصة أن العملية تحتاج إلى العديد من الأشخاص وعائداتها الضخمة لن تتأثر بزيادة عدد المشاركين فيها.
وبدأت السورية الشابة توزع الأدوار، وراح الثلاثة ينقّبون عن الآثار في المساء بالاستعانة ببعض الخفراء، ومضت أسابيع قبل أن تثمر جهود عصابة الشابة. فقد تمكنت من الوصول إلى مقبرة فيها تماثيل فرعونية وسبائك ذهبية لا تقدّر بمال... كانت سعادة إنجي بلا حدود، وطلبت من زميليها مراسلة بعض مواقع الإنترنت المشبوهة حتى يستطيعوا ترويج بضاعتهم.
تلقّى أفراد العصابة عشرات المراسلات، وبدأت إنجي تدرسها وتختار أنسب العروض وأكثرها جدية، فوجدت أنها ستربح ملايين الجنيهات، وانتابتها حالة من السعادة الغامرة، لكنها قررت تأجيل فرحتها حتى تحصد ثمار جرائمها. وباعت بالفعل مجموعة من التماثيل الذهبية بثلاثة ملايين دولار، ووزعت أنصبة شركائها، وأصبحت من أصحاب الملايين خلال شهرين فقط من وصولها إلى مصر. لكنها قررت أن تبحث عن وسيلة أخرى أقل خطورة للحصول على التماثيل الأثرية، وأهداها الشيطان فكرة جهنمية، فعرضت على عصابتها أن يزوِّروا العملات الأجنبية ويشتروا بالأموال المزيفة تماثيل أثرية.
بدا القلق على وجهيْ شريكَيْها أحمد وممدوح، لكن إنجي بثت الطمأنينة داخلهما، وأكدت أنها ستوفر طابعة وجهاز كمبيوتر فائق الجودة، وستدربهما على التزوير الذي كانت قد تعلمته قبل أن تجيء إلى القاهرة.
دولارات مزيفة
بدأت عصابة إنجي تطبع دولارات، وواصل الثلاثة العمل ليل نهار حتى وصلوا إلى نسخة فائقة الإتقان من ورقة المئة دولار. وطبعت العصابة مليون دولار، وبدأت إنجي تبحث عن كنوز أثرية جديدة، وعرض عليها أكثر من شخص أن يبيعها قطعاً أثرية وسبائك ذهبية، واستقرت معهم على سعر الصفقة، وسلمتهم حقيبة أموال فيها مليون دولار مزورة، ولم يكتشف أفراد العصابة أن الأموال التي تقاضوها مزيفة.
طلبت إنجي من أفراد عصابتها السفر إلى الإسكندرية والابتعاد عن القاهرة، واستأجرت شقة في الإسكندرية باسم ممدوح، وبدأت العمل ليلاً ونهاراً لطبع كميات أخرى من النقود، ووضعت النقود الصحيحة التي تمتلكها في البنوك، وبدأت تستخدم الأموال المزورة في تنقلاتها وشرائها عقارات وإقامتها في الفنادق الكبرى وشرائها سيارات وملابس.
وذات يوم قررت إنجي أن تأخذ إجازة لمدة شهر من تجارة الآثار وتزوير النقود. فسافرت إلى الغردقة وشرم الشيخ لتعيش بأموالها المزيفة أجمل لحظات عمرها حياة كالأساطير، فاستأجرت جناحاً ملكياً في أحد الفنادق الكبرى وبدأت تنفق ببذخ... كانت تتلقى اتصالات يومية من شريكيها في العصابة يسألان عن أحوالها، لكنها كانت تطلب منهما عدم التحدث بحرية في الهاتف النقال خوفاً من رصد أجهزة الأمن.
في هذه الأثناء بدأت الشرطة تكتشف انتشار الدولارات المزورة في القاهرة والإسكندرية، وتابعت أجهزة الأمن مصادر هذه الأموال، ولم تكن المهمة سهلة، لكن الخيوط انتهت كلها عند ممدوح الذي كان يقيم في شقة الإسكندرية التي اتخذت منها إنجى مسرحاً لجرائمها.
حدد رجال المباحث ساعة الصفر لدهم الشقة، وشاء حظ إنجي العاثر أن تنهي في هذا اليوم رحلتها إلى الغردقة وشرم الشيخ وتعود إلى شقة الإسكندرية، استعداداً لاستكمال نشاطها، بعد أن حرّكتها بواعث الطمع نحو عقد صفقة جديدة لشراء الآثار بدولارات مزورة. دهمت الشرطة الشقة، وأسقط في يد عصابة التزوير والآثار، وبحركة لا إرادية اتجهت إنجي نحو النافذة، وحاولت أن تقفز من الطابق الثاني، لكنها اكتشفت أن ضباط الشرطة يحيطون الشقة من كل مكان، فاستسلمت وعصابتها تماماً، ولم تصدق أنها خسرت أحلامها فجأة...
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024