تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

حوّلوا محنتهم إلى منحة ويوجهون رسائل استرحام

مجدي ومهيب شابان عربيان ينفذان عقوبة السجن المؤبد عن جريمة القتل العمد، فالأول قتل مسناً بعد أن راوده عن نفسه، إلا أنه اقرن جريمته التي كان ممكناً أن تكون دفاعا عن النفس بسرقة أموال القتيل بدعوى الانتقام، أما الثاني فقد اتهم بقتل فتاة من أوروبا الشرقية قبل ثماني سنوات، بالاشتراك مع آخر والقيا بها في مكان غير مأهول.


وفي سنوات وجودهما وراء القضبان  لم يجلسا مكتوفي الأيدي، يذرفان دموع الندم والاستغفار فقط، بل توجها إلى مسار آخر ليصبحا اليوم محفظين معتمدين للقرآن الكريم في الإدارة العامة للمؤسسات العقابية في دبي، وعلى أيديهما يحفظ العشرات من السجناء الآخرين ومن جنسيات عدة أجزاء من القران الكريم، بل وحصلا على إجازة من جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم لتحفيظ القرآن.
ورغم أن هذين الشابين لم يستفيدا من نظام العفو المعمول به في المؤسسات العقابية من مدد السجن المحكومين بها، باعتبار أن هذا النظام لا يطبّق على مرتكبي جرائم القتل، ورغم ذلك أصرا على استكمال حفظ القرآن كاملا، ولبراعة حفظهما أصبحا من المحفّظين المعتمدين داخل سجن الرجال.

« لها» التقت مجدي ومهيب للتعرف إلى ظروف دخولهما عالم الجريمة، والتحول الكبير الذي حدث في حياتهما بعد حفظ القرآن الكريم، وأمنية كل منهما خلال الفترة المقبلة.
يحكي مجدي قصته التي بدأت بقدومه إلى دبي حيث يعمل في مجال تصميم الأزياء، إلا انه أراد أن يزيد دخله المالي فمارس التدليك، ونشر إعلانا صغيرا في إحدى الصحف عن ممارسته لهذا العمل. وذات يوم اتصل احدهم طالبا منه الذهاب إليه في احدى الشقق في منطقة نايف لإجراء تدليك له.

يقول مجدي: «أعددت الأدوات التي استخدمها وتوجهت الى عنوان هذا المتصل، وهناك فوجئت بشخص مسنّ من إحدى الجنسيات العربية، وبمجرد البدء بـ «المساج» وجدته يراودني عن نفسي ويطلب مني فعل الفاحشة معه، أخرج حافظة نقوده وبدأ إغرائي بالمال. وعندما نهرته وهممت بالمغادرة لحق بي وجذبني وحاول ضربي، فأبعدته عني بقوة فسقط وارتطم بحافة السرير وفجأة وجدته جثة هامدة. وأثناء  خروجي شاهدت الأموال تطل من حافظة نقوده فاستوليت على مبلغ من المال، وكانت تلك خطيئتي الوحيدة. وبعد أيام ألقي القبض علي بتهمة القتل، وتمت إحالتي على المحاكمة وحصلت من المحكمة الابتدائية على حكم بالسجن لمدة عشر سنوات، واستأنفت الحكم عبر المحامي الموكل عني وفوجئت بأن الحكم أصبح السجن لمدة 25 عاما، ولا أدري كيف أتظلم من الحكم، خوفاً من مضاعفته»...

ويضيف مجدي: «حاولت مراراً أن أستأنف المحاكمة ولكني فشلت، واليوم أكملت أربع سنوات وراء القضبان، عانيت خلالها الكثير، فقد أصبت بحالة اكتئاب حادة كادت تفتك بي. ولكن بعد فترة انخرطت في دورات تحفيظ القرآن الكريم، ودعوت الله أن يحوّل محنتي إلى منحة. وبعد مرور عامين حفظت القرآن كاملا، فكنت أمضي اليوم بأكمله في حفظ القرآن حتى يخفف عني ما أنا فيه، وحصلت على إجازة بتعليم القرآن من جائزة دبي الدولية للقرآن بعد اجتيازي للاختبار المخصص، وأشارك حالياَ في مسابقات الجائزة المحلية، رغم مرضي بالقلب والذي يحتاج الى علاج دوري».

ويؤكد مجدي أنه كان يعلم أنه لن يستفيد من برنامج العفو المطبق على حفظة القرآن الكريم من نزلاء المؤسسة لأنه يستثني المتورطين في جرائم القتل، ولكن وكما يقول:  «يكفيني أن القرآن علّمني أن لكل إنسان قدره الذي لا يستطيع أن يتخطاه، وعلينا تقبل كل محنة لأن بعدها سيكون الفرج. ووقت ارتكابي الجرم لم أكن أفكر في ذلك، بل كان كل همي جمع المال حتى أعود الى بلدي وأتزوج بخطيبتي، ولكنه القدر».
ويقول انه اليوم بعد ملء قلبه بالقرآن والإيمان  لم يعد يقبل رد الأذى بالأذى بل صار التسامح هو مبدأه، بل انه علمه الصبر الى أبعد الحدود، لافتا الى انه سعيد لأنه يعلّم غيره حفظ القرآن الكريم، ومن بينهم غير المسلمين، ومنهم من أسلم على يديه. ويتمنى أن يغفر له ربه كل ذنب ارتكبه، ويعيده إلى موطنه لرؤية أهله وأشقائه.


محفظ لمدة 8  سنوات

أما مهيب البالغ من العمر 33 عاما فكان يعمل مهندس كمبيوتر، ويشير إلى أنه قبل ثماني سنوات كان لا يزال صغير السن، وتعرّف على شخص جذبه إلى عالم السهر وغيره من الأمور ومنها التعرف على الفتيات، ومن بينهن تلك الفتاة التي اتهم بقتلها.

ويقول إن هذه الفتاة كانت تعيش في أحد الفنادق وكان وصديقه يترددان عليها من وقت الى آخر، وفي يوم الجريمة تركها مع صديقه ونزل الى سيارته إلا انه فوجئ بصديقه يهرول إليه ويعلمه أن البنت ماتت ومن ورائه رجال الفندق الذين أجبروهما على حمل جثة الفتاة والابتعاد عن الفندق.

ويقول مهيب: «أمرني صديقي بالابتعاد بالفتاة إلى مكان رملي في الصحراء، وألقاها هناك. إلا أن الجريمة اكتشفت وتم التوصل إلينا جميعا، وجاء تقرير الطب الشرعي ليؤكد أن الفتاة ماتت مخنوقة، وعليه تم توقيفي بينما تم الإفراج عن صديقي! وصدر حكم ضدي بالسجن المؤبد، وقتها حاولت الانتحار لأني خسرت حياتي وشركتي وأهلي، ولكن بعد فترة انخرطت في برنامج تحفيظ القرآن، وتخطيت الأزمة والحمد لله. ومنذ عام 2008 وأنا اعمل محفظاً  للقرآن في المؤسسات العقابية بسجن الرجال بعد حصولي على إجازة بذلك من جائزة دبي الدولية للقرآن، كما شاركت في المسابقة المحلية وحصلت على المركز الخامس عن حفظ القرآن كاملا».

ويكمل مهيب انه حاول عبر محاميه أن يتواصل مع شقيقة الفتاة للحصول على تنازل منها مقابل حصولها على جزء من الدية، «وبالفعل نزلنا معها بمبلغ الدية من 200 ألف درهم إلى 130 ألف درهم، ولكن للأسف لم أتمكن من تدبير المبلغ لأني لا املك أي مال، وكل ما احصل عليه مبلغ 1500 درهم مقابل عملي في تحفيظ القرآن الكريم أرسلها إلى أهلي في موطني». وأكد انه لو استطاع أن يحصل على تنازل من أهل الفتاة سيكون حكمه لمدة 3 سنوات فقط، أي انه سيتم الإفراج عنه، لافتا إلى أن تلك المحنة علمته كيف ينتقي أصدقاءه، والقرآن علّمه أمورا كثيرة أهمها الصبر على المحن والمصائب، وعلّمه الخطأ الذي كان يعيشه وقت ارتكابه الجريمة.


التجربة حققت أهدافها

ووفقا للواء محمد حميد السويدي مدير الإدارة العامة للمؤسسات العقابية في شرطة دبي، فإن برنامج تحفيظ القرآن المطبق من جانب جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم منذ العام 2001 هو من البرامج المميزة التي أفادت أعدادا كبيرة من النزلاء من مدد العقوبة، وأفرج عن الكثيرين في إطارها، بل انه كان أكثر تأثيرا على من ارتكبوا جرائم قتل ومن بينهم الفتاة المواطنة الوحيدة التي اتهمت بالاشتراك في جريمة قتل لشاب في عام 2000 وحكم عليها بالسجن لمدة 15 عاما، وكانت وقتها لا تتعدى 18 عاما وهي اليوم أيضا محفظة للقرآن الكريم في سجن النساء،  وتستكمل دراستها الثانوية، وأصبحت نموذجا لفتاة متميزة على كل المستويات.
وأكد أن إجمالي المستفيدين من برنامج تحفيظ القرآن أكثر من 5 ألاف نزيل ونزيلة، تم تخفيض مدد العقوبة عن أكثر من 2700 منهم.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079