العائدة من القطب الجنوبي سحر الشمراني: حلمي أن أكون أول رائدة فضاء سعودية!
ما بين مقعد وثير داخل مبني تلفزيون «أم بي سي» في دبي والجلوس لأسابيع وسط ثلوج تمتد آلاف الكيلومترات في القطب الجنوبي، وفي درجات حرارة تنخفض تحت الصفر بعشرات الأرقام، كان القرار الجريء والتحدي والرغبة في أثبات الذات ورفع اسم بلدها عالياً. فالرحلة إلى القارة القطبية الجنوبية «انتاركتيكا»لا يمكن أن تكون ترفيهية على الإطلاق، خاصة أنها تشمل ساعات طويلة من الطيران إلى البرازيل ومنها إلى جنوب الأرجنتين حيث آخر نقطة مأهولة في العالم، ليبدأ الجزء الأصعب ممثلاً في رحلة بحرية تصل إلى نحو ألف ميل، في واحد من أخطر الممرات البحرية في العالم، حيث يصل ارتفاع الأمواج إلى 20 مترا.
والمشاركة في تلك الرحلة لا تقتصر على تحمل هذه الصعوبات فقط، بل تفرض مزيدا من التحديات مثل حمل أمتعة يصل وزنها إلى 15 كيلوغراماً أثناء تسلق الجبال، أو المشي ع لى الثلوج في ظروف مناخية قاسية تصل درجة الحرارة فيها إلى أقل من الصفر مئوية بدرجات كثيرة.
رغم كل تلك الظروف قررت الشابة السعودية سحر الشمراني المعدّة في برنامج «صباح الخير يا عرب» على شاشة «ام بي سي»خوض هذه الرحلة التي قد يراها البعض جنوناً خاصة لشابة في سنّها، وهي تدرك جيدا الظروف الاستثنائية التي ستواجهها. وهناك -وعلى حد قولها- كانت المعاناة والتحدي في وقت واحد، وآلام مبرحة تقول عنها إنها أكبر من آلام ولادة ابنتها منى، لكن الغريب أنها تستعد لمغامرة أخرى الى القطب الشمالي، بينما حلمها الجديد هو ان تكون أول امرأة سعودية تغزو الفضاء... معها كان هذا اللقاء.
- من هي سحر الشمراني؟
أنا سعودية من مواليد المنطقة الشرقية، عملت سابقاً في شركة «أرامكو». حبي للإعلام دفعني إلى ترك دراسة الطب، واتجهت إلى المهنة التي أحبها وأعمل فيها حاليا في مجموعة «mbc» في طاقم إعداد برنامج «صباح الخير يا عرب». وأقيم في دولة الإمارات مع ابنتي لوجود عملي في دبي.
- وهل هناك علاقة بين مهنتك الحالية والخطوة التي تنوين القيام بها؟
بكل تأكيد، هناك علاقة وثيقة وأساسية جدا، فمن خلال عملي كمعدة في التلفزيون أعددت حلقة مع دانة الحمادي أول امرأة إماراتية تصل إلى القطب الجنوبي «أنتاركتيكا». وقبل تصوير الحلقة وخلالها بدا الأمر عاديا لي، ولكن عندما أطلعتني دانة على الصور التي التقطتها أثناء رحلتها انبهرت للغاية بجمال الطبيعة الخلابة، ولم أتخيل أن هناك مكاناً على الأرض بهذا النقاء الذي يخطف الروح. ومن شدة تأثري سألت دانة عن تفاصيل إضافية ودقيقة، ومدى تأثير الرحلة عليها من كل الجوانب، وهو ما جعلني أفكر في خوض هذه التجربة التي سيطرت علي عقلي وتفكيري، واتخذت قراري بعدما تأكدت أن لدي الإرادة والعزيمة اللازمتين لذلك.
- وماذا كان رد فعل الأسرة؟
اتخذت قرار السفر مدركة أنه لن يمر بسهولة من منطق قلق عائلتي عليّ، لكن كان رد فعل أبي وأمي إيجابيا للغاية، وسألاني فور إبلاغهما برغبتي في السفر إلى القطب الجنوبي، هل هناك من سبقني من السعودية إلى هناك، فقلت لهم: «سأكون المرأة الأولى التي تفعل ذلك». فقالا لي: «هذا شيء جيد. ستسجلين اسمك في التاريخ». وقالت لي أمي يومها «أعلم أنك شجاعة لدرجة الجنون، ولن يثنيك أحد عن قرارك ولن يغمض لك جفن حتى تقومي بما تريدين»، ويومها أيضاً باركت لي رحلتي متمنية لي التوفيق والنجاح. كما وجدت تشجيعاً كبيراً من سائر أفراد الأسرة، وكذلك دعماً هائلاً من زملاء العمل خصوصا رئيسي المباشر الذي لعب دورا كبيرا في دعمي في مجال عملي، لثقته بقدرة المرأة السعودية على إنجاز الكثير.
- وهل هناك حوافز أخرى ساعدتك على اتخاذ قرارك؟
الحافز الأكبر الذي دفعني للقيام بهذه الرحلة كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - «حفظه الله» عندما قال: «المرأة هي أمي هي أختي هي ابنتي و زوجتي. أنا مخلوق من المرأة»، وتأكيده الدائم لأهمية دور المرأة في المجتمع للنهوض بالأمة، فضلا عن أن لقائي مع دانة الحمادي في برنامج «صباح الخير يا عرب»أبهرني كثيرا بما فعلته.
- وكيف كان استعدادك لرحلتك التاريخية؟
بدأت قبل ستة أشهر من الرحلة بإجراء تمارين يومية على الجليد في حلبة «سكي دبي»، وحرصت خلالها على تعريض يدي للثلج لزيادة قوة تحملي للمناخ البارد في القطب الجنوبي، رغم إدراكي جيدا أن هناك فارقا كبيرا في درجات الحرارة داخل «سكي دبي» والمناخ في «انتاركتيكا». كما حرصت على إجراء تدريبات بدنية شاقة لتقوية عضلاتي، خاصة أنه كان من الطبيعي والمقرر أن أحمل أمتعة وزنها 15 كلغ خلال الرحلة. كما تم التركيز على تمارين تقوية القلب والمشي الرياضي بمعدل 3 مرات يومياً لمسافات متوسطة، إضافة إلى تمارين رياضية أخرى. وتابعت من جانب آخر مع اختصاصي تغذية لأن تلك الرحلة كانت تتطلب قوة جسدية كبيرة، وقد نصحني بالتركيز على البروتينات، وأيضا الفاكهة.
- هل هناك من تدابير قمت بها لعدم الوقوع في مشاكل؟
بالنسبة الى المشاكل الصحية المتعلّقة بالبحر والجو عموما هناك مشكلتان تعرّض لها من سبقوني وأنا أيضاً وهما دوار البحر وازدواج الرؤية، ولكن كان برفقتنا طاقم طبي لمتابعتنا أولا بأول، خاصة في ظل ارتفاع الأمواج إلى 10 أمتار وأكثر في أخطر الممرات البحرية في طريقنا إلى القارة القطبية الجنوبية.
- وماذا عن الفريق المصاحب لك في تلك الرحلة؟
كان معنا في هذه الرحلة العالم البريطاني روبرت سوان، ومجموعة من العلماء والخبراء في مجال البيئة، الى جانب عدد من وسائل الإعلام العالمية. ووصل عدد أفراد الفريق إلى 72 شخصاً من 22 دولة. وقد لعب سوان دوراً كبيراً في تشجيع المشاركين، وخصوصاً الجدد منهم، من خلال شرح أهمية الرحلة والدور الإنساني الذين يقومون به، وقد استفدت كثيرا من المعلومات التي قدمها لنا.
- وماذا عن برنامج الرحلة؟
استغرقت الرحلة ما يقرب من الشهر، وانطلقت من دبي وصولا الى البرازيل، ثم إلى الأرجنتين، لمواصلة تدريباتنا خصوصا على حمل الأوزان الثقيلة والتحرّك بشكل عام على الجليد، والتدّرب على تسلّق الجبال، وارتداء الملابس الخاصة بالرحلة وسبل تحمل الصقيع والبرد. وبعدها كانت الرحلة البحرية التي امتدت ألف ميل بحري في سفينة من نوع كاسحات الثلج، ودخلنا بها بحر «ممر دريك» وهو من أخطر مواقع القارة القطبية، اذ يرتفع الموج هناك من 10 إلى 20 متراً، وبعد ذلك وصلنا الى شبه القارة القطبية للبقاء أسبوعين كاملين.
- بدت على وجهك بعض علامات الرهبة والقلق خلال الإعلان عن الرحلة قبل أشهر، فهل كنت تشعرين ببعض التوتر؟
أكون كاذبة اذا ادعيت عكس ذلك، فهي المرة الأولى في حياتي التي كنت أسافر فيها بمفردي بعيدا عن أسرتي، وحين تحدثت مع أمي في ذلك قالت لي «لن تسافري وحدك ابنتي، قلبي ودعواتي معك». فضلا عن أن تحمّل مسؤولية تمثيل بلادي في حدث مثل هذا يفرض عليّ واجباً كبيراً أفكر فيه باستمرار، ولا أنكر بالتأكيد أنني كنت أفكر أحيانا في الصعوبات التي تتضمنها الرحلة، لكن أكدت لي صديقتي الإماراتية دانة، وأيضاً العالم البريطاني روبرت سوان أن الرحلة آمنة للغاية.
- ما أصعب ما واجهك خلال أيام تلك الرحلة؟
عدم التعود على درجة البرودة. والخوف من المجهول خصوصاً إني أول مرة أسافر كرحلة مثل هذه، وأيضا رؤية ماذا فعلنا كبشر بعدم احترامنا للبيئة، وللنعم الذي أعطانا إياها رب العالمين.
- لو عاد بك الزمان هل تكررين التجربة؟
بكل صراحة نعم لروعة التجربة ورؤية جمال خلق الله سبحانه وتعالى وشكره على نعمه، وأنا بالفعل مستعدة لتكرار التجربة ولكن بشكل مختلف، فلقد اتفقت مع العالم البريطاني روبرت سوان على مشاركتي في رحلة سيقوم بها الى القطب الشمالي، خصوصاً أنه أول شخص يصل إلى نقطة «السنتر» لمحور القطبين سواء الشمالي أو الجنوبي. ولهذا تمنيت أن أخوض معه تجربة السفر إلى القطب الشمالي، لأنه في حاجة الى مترجم عربي خلال أي من رحلاته القادمة ولي الشرف أن أكون هذا الشخص.
- مابين الشعور بالخوف والقلق والبرد وغيره، هناك شعور أخر لا يمكن أحداً وصفه إلا أنت. ماذا تقولين عنه؟
أحياناً تكون الكلمات من سهولتها تصف بطلاقة ما بداخلنا. لكن الكلمات هنا وقفت عاجزة عن وصف ما شعرت به سواء العيش مع 72 شخصاً من 22 دولة، أو ابتعادي عن ابنتي، أو كوني أول سعودية تخوض هده التجربة. لكن من أجمل ما شعرت به هي تلك اللحظة التي رفعت فيها راية التوحيد هناك مع صورة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بكل شموخ واعتزاز، وأصارحكم بشعوري بالفخر عندما كانت غالبية الكاميرات تصورني مع دهشتي لهذا الأمر. وعند سؤالي لأفراد المجموعة، كانت إجاباتهم بأنهم أحسوا معي أيضاً بالفخر لوجود سيدة سعودية معهم في هذه الرحلة، وانها تحدت المستحيل ، وبرؤية علم المملكة العربية السعودية مرفوعاً هناك في القارة القطبية الجنوبية.
- وكيف تصفين شعورك وردود فعل الآخرين بعد هذا النجاح؟
أسعدني شعور الوالد والوالدة بالفخر وكذلك كل شخص قريب مني، وزادت سعادتهم جميعهم بعد معرفة تفاصيل ما أنجزته. والحمد لله إلى الآن تصلني بعض الرسائل وأغلبها من سيدات سعوديات أو عربيات سعيدات وفخورات بقيامي بتلك الرحلة. وأهم شخص في حياتي ابنتي منى عندما تكبر سوف تحكي قصتي مع القطب الجنوبي. ومن هنا يشرفني أن اشكر رجل الأعمال الشيخ عبدالرحمن فقيه لإيمانه بي ومساعدتي في القيام بهذه الرحلة، وأيضاً الإعلامي شادي زاهد.
- وإلى أين يمتد طموحك اليوم ؟
أعتبر ما حدث مجرد بداية. وأتمنى القيام برحلة إلى الفضاء، ومثلي الأعلى هو سمو الأمير سلطان بن سلمان آل سعود. كما أتمنى أن تصل رسالتي الى الجهات المعنية بأن تساعدني بالتواصل مع «ناسا» للقيام بهذه الرحلة، لأحقق حلما جديدا، والشرف بأن أكون أول سعودية تسافر الى الفضاء.
- هل تعتبرين تجربة التخييم في البرد القارس من أصعب تجارب حياتك؟
يكفي أن أقول أنها آلام يصعب وصفها، والمقارنة بين التخييم في مثل تلك الظروف الجوية وآلام الولادة قد تبدو غير معقولة... ولكني أؤكد لكم أن آلام وضع ابنتي منى كانت أسهل من تلك التي تعرضت لها هناك في القطب الجنوبي، خاصة وأن الأمطار هطلت بغزارة نادرة وسط هذا الثلج المترامي، وحدثت تغيرات مناخية هناك لم تكن معهودة، وانخفضت معها الحرارة إلى درجات قياسية.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة