تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هل يجوز منع الحوامل من الحج حماية لهن؟

أثار قرار الحكومة النيجيرية منع النساء الحوامل من السفر للحج، وإيقاع أقصى عقوبة على من تخالف القرار، جدلاً بين علماء الأزهر الذين اختلفوا حول حق الدولة في منع المرأة من أداء الفريضة الخامسة في الإسلام، فمنهم من يؤيد القرار ومنهم من يعارضه، ولكل أدلته الشرعية فماذا قالوا؟


بدأت القضية بقرار الحكومة النيجيرية بمنع النساء الحوامل من أداء فريضة الحج هذا العام، وتكثيف الفحص الطبي على النساء المتجهات لأداء الفريضة للتأكد من عدم حملهن.
وقال رئيس لجنة الحج بنيجيريا محمد بيلو في تصريحات صحافية: «الأطباء سيقومون بالكشف على النساء، وسيوقعون في سجلات المستشفيات للتأكد من أنهن غير حوامل، بحيث تُفرض عقوبات على الطبيب الذي يفشل في التعرف على الحوامل بعد سفرهن إلى السعودية، وأية سيدة ترفض السماح للأطباء بفحصها للتأكد من أنها غير حامل لن يسمح لها بالسفر، وإذا تحايلت بأية وسيلة وسافرت وهي حامل سيتم عقابها بشدة على مخالفة القوانين التي تستهدف حمايتهن من أخطار الزحام على حملهن وعلى حياتهن».


الوعي أفضل من القانون

ترى الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن منع المرأة الحامل من السفر لأداء فريضة الحج، قضية ذات شقين، أولهما أنه يجب أن يكون الوعي وليس القانون الصارم، هو السلاح في التقليل من عدد الحوامل المسافرات للحج، وذلك بأن يشرح علماء الإسلام الأخطار التي قد تتعرض لها الحامل، ومن ترى نفسها عرضة لوقوع الضرر، عليها ألا تسافر رغم أن الحج ركن من أركان الإسلام، وتهفوا إليه الأفئدة استجابة لدعوة إبراهيم  أبو الأنبياء، حيث قال الله له «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» الآيتان 27 -28 سورة الحج.

أما الشق الثاني، فهو أنه إذا لم يحرص الرعية على مصالحهم، ومنهم الحوامل، من حق ولي الأمر منعهن محافظة على حياتهن، مثلما تم منذ سنوات للوقاية من انفلونزا الخنازير، وذلك استناداً إلى القاعدة الشرعية « درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن الحجاج يتدافعون كل عام، ليرجعوا مغفوراً لهم ذنوبهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، ولهذا فإن الحوامل، وخاصة في الشهور الحرجة، لا يبجب أن يغامرن بحياتهن وحياة حملهن، لأن هذه المغامرة يرفضها الشرع، لأن المحافظة على النفس من الأمور الضرورية في الإسلام، ولا يجوز الإضرار بها لقوله، صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».


الحالات الحرجة

أما الدكتورة عفاف النجار، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، فتشير إلى أن ثواب الحج عظيم، ولا يجوز منع المرأة منه لمجرد أنها حامل إذا أمنت على نفسها من الزحام بأية وسيلة كانت، وخاصة أننا نرى أن هذا القرار الغريب يصدر لأول مرة في دولة إسلامية، وهذا منافٍ لتعاليم الإسلام، التي تحرص على أن تنال المرأة من ثواب الحج، مثل الرجل تماماً، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب».

وأوضحت النجار أن قصر منع الحوامل على الحالات الصحية الحرجة التي يرى الأطباء أنها ستتعرض للهلاك إذا قامت بالحج ومناسكه، التي فيها مشقة جائز شرعاً، بضوابط الضرورات التي تبيح المحظورات. وأعتقد أن المرأة الحامل المشتاقة للحج لكن ظروفها منعتها سيعطيها الله ثواب الحج، بمجرد صدق النية والحرص على ألا تلقي بنفسها للتهلكة استجابة لقوله تعالى «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» آية 195 سورة البقرة.
أما حصولها على الثواب، إذا علم الله صدق نيتها فيأتي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».


ضوابط

ويؤيد الدكتور عبد الحي عزب رئيس قسم الفقه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر القرار النيجيري بشكل نسبي، داعياً الحكومة النيجيرية إلى الاستناد إلى الأطباء الثقات في بيان الشهور التي تمثل مشقة كبيرة في أداء مناسك الحج بدرجة تمثل خطراً على الحامل وحملها، باعتبارهم أهل الثقة والخبرة والاختصاص الذين أمرنا الله بسؤالهم، وهو أمر شرعي، فقال تعالى « فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» آية 43 سورة النحل.

وأشار الدكتور عبد الحي إلى أن منع الحامل بوجه عام، بصرف النظر عن رأي الأطباء أمر مخالف للشرع، لأنه يحرم المرأة الحامل من الثواب العظيم للحج، فقد جاء في الحديث أن رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، سئل « أيُّ العمل أفْضَل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟
قال: الجهادُ في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حَجّ مبرور»، ولذلك لا يجب أن نحرمها من هذا الثواب لمجرد أنها حامل، وإنما علينا وضع ضوابط لمنع الحامل التي يمثل الحج خطراً حقيقياً عليها من السفر، في حين يسمح لبقية الحوامل بالذهاب لأداء الفريضة.



اقتراح

وتقترح الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم الفقه والثقافة الإسلامية في جامعة الأزهر، تخصيص أماكن ووسائل انتقال مخصصة لمن لا يستطيعون تحمل مشاق أداء مناسك الحج، مثل النساء الحوامل أو المسنين والمسنات أو المرضى، لأن الإسلام دين يسر ورحمة، وليس هناك حرج في أن تحاول السلطات السعودية توفير ذلك عن طريق سيارات خاصة بتنقلات هذه الفئات وليس في هذا حرج شرعاً، حتى  يتمكنوا من أداء المناسك، وقد أكد الله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة، فلا يكلفون إلا ما يطيقون فقال: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا» آية 286 سورة البقرة، وقال تعالى أيضا: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» آية 78 سورة الحج، والله رحيم بعباده ييسر عليهم أداء العبادات، فقال تعالى:» يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» آية 185 سورة البقرة.

وتشير خاطر إلى أن تنفيذ هذا الاقتراح لا يحرم المرأة من أن تنال الثواب العظيم لحج بيت الله الحرام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وبالتالي يتاح لها الحج حتى لو كانت حاملاً، طالما توافرت وسائل الراحة التي تخفف عنها مشاق أداء المناسك.


مخالف للشرع

أما الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة بجامعة الأزهر، فيعارض القرار النيجيري مؤكداً أنه تعسف ضد المرأة الحامل، التي هي أدرى بنفسها إذا كانت تتحمل مشاق السفر وأداء مناسك الحج أم لا، وإذا افترضنا أنها سافرت وتعبت وماتت في أداء المناسك، فقد ماتت مغفوراً لها لأنها في حكم المجاهدة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة»، وهذا دليل عملي على ذلك، حيث سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل من الجهاد حج مبرور»، وفي رواية أخرى قالت أم المؤمنين عائشة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن العظيم أفضل من الجهاد، فقال الرسول لها: لكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور»، وفي رواية ثالثة قالت السيدة عائشة، رضي الله عنها: «يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة».

وأنهى البري كلامه بالتأكيد أنه إذا ماتت الحامل في الحج، لن تحصل على درجة المجاهد الشهيد، إلا إذا التزمت آداب الحج، ومنها اجتناب أفعال الإثم فيه من الرفث والفسوق والمعاصي، لقول الله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ» آية 197 سورة البقرة، وأن يتصف حجها بإخلاص النية لله بدون رياء أو حب ظهور، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه».


الاستطاعة هي الحل

ويشير الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، إلى أنه لا يحق لأي إنسان، سواء كان فرداً أو حكومة منع المرأة الحامل من أداء فريضة الحج، إذا توافرت فيها الشروط اللازمة لذلك، ومنها الاستطاعة الجسدية لقوله تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» آية 97 سورة آل عمران، وبالتالي لا يجوز منع المرأة الحامل المستطيعة لأداء الفريضة الخامسة من أدائها، لأن الحج ركن من أركان الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً»، ويكفيها ثواباً مغفرة كل ذنوبها، بل وتحصل على ثواب عظيم من الصلاة فى المسجد الحرام والمسجد النبوي، فقد فقال صلى الله عليه وسلم: «صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»، وأوضحت أحاديث أخرى أن الصلاة في مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، بألف صلاة في غيره من المساجد.

وأنهى طه كلامه، بالتأكيد أنه إذا كان الحج ليس واجباً على غير المستطيع، إلا أنه يستحسن التعجيل به قدر الاستطاعة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل ألا تحجوا، قالوا: كيف نحج قبل ألا نحج؟ قال: إن تقعد العرب على بطون الأودية فيمنعون الناس السبيل»، وبالتالي الحامل التي تستطيع تحمل المشاق، لا يجوز منعها من أداء فريضة الحج، ومن يمنعْها يكنْ آثماً شرعاً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079