حضانة الأم لأبنائها متى تنتهي شرعاً؟
حضانة الأم لأولادها متى تنتهي؟ هذا هو السؤال الذي أثاره أعضاء في البرلمان المصري أثناء مناقشة مشروع قانون يطالب بخفض سن حضانة الأمّ لأولادها، لينتهي عند السابعة للولد والتاسعة للبنت ولأن مشروع القانون يستند إلى بعض الأدلة الشرعية التي ساقها أصحاب المشروع، كان لابد أن نتوقف مع علماء الدين عند تلك الأدلة ونسألهم عن حق حضانة الأم لأبنائها ومتى ينتهي شرعاً؟
تعود بداية القضية إلى موافقة لجنة الاقتراحات والشكاوى في البرلمان المصري على اقتراح بمشروع قانون جديد، لتعديل قانون «الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 بشأن الولاية على النفس والرؤية»، بحيث يتم انتهاء حق حضانة النساء للأطفال ببلوغ سن سبع سنوات للولد وتسع سنوات للبنت، وهي سن التمييز، ويخير القاضي الابن أو الابنة بعد بلوغ هذه السن إما بالحياة مع الأب أو البقاء في حضانة الأم، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.
وطالب مشروع القانون بحق الأب والأم في الرعاية المشتركة للصغير أو الصغيرة، وتكون الولاية العامة وبصفة خاصة الولاية التعليمية للأب، ويكون نظام الرعاية المشتركة بمنزل الطرف غير الحاضن، وهي فترة يوم كامل من كل أسبوع بدلاً من ثلاث ساعات حالياً، وكذلك أسبوع في إجازة نصف العام وآخر العام والأعياد الرسمية.
واعترض ممثل وزارة العدل المستشار عمر الشريف على مشروع القانون، وطالب برفع السن إلى عشر سنوات للولد والفتاة حتى توافق وزارة العدل على القانون. وكذلك يجب تنظيم عملية استضافة الأب لأبنه في حال حضانة الأم له، خاصة أن ذلك يتطلب موافقة الحاضن باعتباره المسؤول عن الطفل المحضون، ومسألة الزيارة لا بد أن تتم برضا الطرفين، ويجب أن يكون الهدف من تعديل سن الحضانة بما يزيد من تفاعل الولد مع الرجال قبل بلوغ سن الرشد، حتى يكون أكثر نضجاً. إلا أن مقدمَي مشروع القانون أصرا على السن وأكدا أنها تتوافق مع أحكام الشرع.
مصلحة الأطفال أولاً
في البداية تحذر الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، من تحويل الأب والأم خلافاتهما التي أدت إلى الطلاق، إلى حرب يدفع الأطفال ثمنها غالياً من طفولتهم، بالإضافة إلى التأثير السلبي لذلك على حالة الأطفال النفسية والاجتماعية ومستقبلهم، ولهذا لا بد من إعلاء لغة التفاهم بصرف النظر عما سينتهي إليه مشروع القانون الجديد.
ودعت الآباء والأمهات إلى أن يتقوا الله في أطفالهم، حتى يترحموا عليهم في ما بعد، وأن يتأملوا قول الله سبحانه وتعالى: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» آية 24 سورة الإسراء. وهذه الآية تدل على أن الولاية على الطفل تكون للأب والأم معاً، دون انحياز للأم أو للأب، ولهذا لابد من إعلاء مصلحة الأطفال فوق أي خلاف، حتى يكونوا أسوياء يساهمون في إنشاء مجتمع صالح.
وحضت الآباء والأمهات على أن يتأملوا قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنَّى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك». وبالتأكيد أن هذا الاستغفار من الأبناء لآبائهم وأمهاتهم لن يكون إلا إذا أحسنوا تربيتهم، حتى في حالة الانفصال بينهم، وبالتالي فإن سن الحضانة يجب أن يتفق عليها الأب والأم الصالحان حسب ظروفهما، وبما فيه مصلحة أولادهما باعتبارهما الأقدر على تحديد السن المناسبة، من انتقال الحضانة من الأم الى الأب. أما إذا حدث شجار بينهما فالقاضي هو الذي يحدد حسب مصلحة الطفل والظروف التي يعيش فيها والأوضاع التي سينتقل إليها.
ضوابط شرعية
وعرضت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية، لبعض الضوابط الشرعية للحضانة فتقول: «الحق في الحضانة ليس مقصوراً على الأم، لمجرد العناد مع الأب، لكن من حق الأب المشاركة في تربية طفله، خاصة أن القرآن الكريم يؤكد أن تربية الأبناء حق للآباء والأمهات، سواء كانت الحياة الزوجية قائمة أو تم الانفصال، خاصة في السنوات الأولى من حياته، لأنه ثبت علمياً أن أخطر سنوات في تربية الطفل هي الخمس سنوات الأولى، ولهذا اشتراكهما معاً في التربية واجب شرعاً، وخاصة أن ما يحدث في حالة العناد والانتقام بين الآباء والأمهات يعد إجراماً في حق الطفولة».
ووافقت نصير على تغيير قانون الحضانة ليكون متضمناً إلزام الآباء والأمهات الرعاية المشتركة، حتى لا يكون الأب أشبه بموظف أو عامل عند الأم، يدفع لها نقوداً فقط دون أي مشاركة منه في تربية أولاده، فهذا ضد العقل والفطرة، لأنه لا يوجد طفل لا يحتاج إلى أبيه حتى ينشأ سوياً نفسياً واجتماعياً. ولهذا من حق الأب المشاركة في تربية أبنائه من خلال تفعيل مبدأ الرعاية المشتركة، وليس فقط المن على الأب بالرؤية والاستضافة لمدة ساعات معدودة وفي مكان عام. أما بالنسبة إلى سن انتهاء حضانة الأم فأرى أن يترك أمره للقاضي، لأن كل طفل يحتاج إلى فترة رعاية تختلف عن الآخر، وهنا يجب أن تقدم مصلحة الطفل على أي مصلحة أخرى، وبالتالي فإن تحديد سن موحدة سيضر كثيراً من الأطفال.
سن التمييز
ويقول الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر: «لا خلاف بين أهل العلم على أن حق الحضانة في حال افتراق الزوجين يكون للأم، للحديث الذي رواه عبد الله بن عمر: «أن امرأة أتت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: «يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي».
وعن السن التي تنتهي عندها الحضانة قال عبد الرؤوف: «اختلف الفقهاء فيها اختلافاً كبيراً، ولكن يرى جمهور الفقهاء أن الأم أحق بحضانة الأولاد حتى يبلغوا سن التمييز والاختيار، فإن بلغوها خيروا عن طريق القاضي بين الأب والأم دون إكراه أو ضغط، حفاظاً على استقرارهم النفسي والاجتماعي، وذلك للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، وما فعله الصحابة رضوان الله عنهم، فقد رووا أن رسول الله، صلى الله وعليه وسلم، خيَّر غلاماً بين أبيه وأمه».
وينهي الدكتور صبري كلامه بترجيحه لرأي مذهب أبي حنيفة، الذي يرى أن الحاضنة أحق بالغلام حتى يستغني عن خدمة النساء، وقدَّر زمن استقلاله بسبع سنين، والحاضنة أحق بالفتاة الصغيرة حتى تبلغ سن الحيض أو الإنزال أو بعد تسع سنين أو إحدى عشرة سنة.
التعديل الى الأفضل
ويؤيد الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة في جامعة القاهرة، تغيير قانون الحضانة الحالي ليكون أكثر إنصافا للأب، مما يعود بآثار إيجابية على الطفل، وبعد انتهاء فترة الحضانة للأم يتم تخيير الطفل بينهما، فقد جاءت امرأة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: «يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، أي إنه كبر ونضج»، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: استهما عليه. فقال زوجها: من يحاقني، أي يشاركني، في ولدي. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به».
وأشار المنسي أن هذا الحديث العملي يدل على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب، ما لم يكن بالأم ما يمنع حضانتها للولد، وبعد ذلك يخيَّر الولد في السن التي يراها القاضي مناسبة حسب ظروف كل حالة، من الاستقرار أو عدم الاستقرار، ولهذا فإن الأصلح أن يترك تحديد سن انتهاء حضانة الطفل أو الطفلة للقاضي، الذي يحكم حسب ظروف كل حالة بما فيه مصلحة الطفل وظروف الوالدين.
وعرض المنسي قصة واقعية تؤكد حق الأم في حضانة طفلها في الصغر، فقد قضى بذلك عملياً أبو بكر الصديق على الفاروق عمر بن الخطاب الذي كان متزوجاً امرأة من الأنصار، وولدت له ابنه عاصم ثم طلقها عمر، وعندما جاء إلى منطقة »قباء» وجد ابنه عاصم يلعب بفناء المسجد، فأخذه معه واركبه معه على الدابة، فأدركته جدة الغلام وتنازعا عليه أيهما أحق به، فأتيا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال عمر بن الخطاب: «ابني. وقالت مطلقته: ابني. فقال أبو بكر لعمر: خل بينها وبينه، أي اتركه لها، فما راجعه عمر في الكلام».
مزيد من الدراسة
وتفرق الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، بين الحضانة في حالة الطلاق النهائي أو البائن بينونة كبرى وبين المطلقة طلاقاً رجعياً، حيث تكون الحضانة كاملة للأولى أما الثانية فيجب عليها البقاء مدة العدة في مسكنها الذي تسكنه قبل الطلاق مع أبنائها، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً» آية 1 سورة الطلاق. وبعد انتهاء العدة فلتقم حيث شاءت، وليس لطليقها أن يشترط عليها الإقامة في مكان معين إلا إذا أرادت السفر، الذي يسقط حقها في الحضانة، وله أن يجبرها على الإقامة في المكان الذي وجدت فيه الحضانة، وإلا سقط حقها وانتقلت الحضانة إلى من له الحق بعدها، وهي أمها إن كانت على قيد الحياة.
وطالبت الدكتورة عبلة بإعادة طرح سن الحضانة على المؤسسات الدينية والاجتماعية والنفسية والتربوية، والاستفادة من تجارب الدول العربية والإسلامية الأخرى في تحديد الأفضل لمصلحة الأطفال والآباء والأمهات، لأنها ليست حرباً فيها خاسر ومنتصر، بل إنها شراكة وأمانة أمام الله وإما أن يكسب الجميع أو يخسر الجميع.
مسالة اجتهادية
وعن وجود سن محددة شرعا للحضانة يقول الدكتور محمد داوود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس: «تحديد سن معينة للحضانة مسألة اجتهادية، حيث لم يرد فيها نص قطعي صريح في القرآن أو السنة، ولهذا يرى جمهور الفقهاء أن سن الحضانة بالنسبة الى البنت تسع سنوات، وللابن سبع سنوات، وبنوا اجتهادهم هذا على أن الأم هي الأفضل في البناء الأساسي للطفل في السنوات الأولى من حياته، في حين يكون الأب الأفضل في بداية مرحلة التنشئة والتربية بعد سن السابعة للابن. أما الابنة فربما تكون أكثر ارتباطاً بأمها من الولد، ولهذا جعلوا سنها تسع سنوات. أما ما نص عليه القانون المصري من أن مدة الحضانة خمس عشرة سنة فهي فترة طويلة، تحرم الأب من حقه في ممارسة الولاية في التربية والتأديب والرعاية».
وعن حق الرؤية يقول الدكتور محمد داوود: «اتفق الفقهاء أن حق الرؤية ثابت شرعاً للطرف غير الحاضن، وهو الأب في الغالب، لأن رؤية أحد الأبوين لأولاده حق لكل منهما إذا افترقا، كما أن الفقهاء اتفقوا على تحريم منع أحدهما من زيارة المحضون، لما في ذلك من التسبب في قطيعة الرحم، وبالتالي فإن من يفعل ذلك يكون آثماً شرعاً. ويجب أن تكون مدة الرؤية كافية بصرف النظر عما يحدده القانون، لأن لكل حالة خصوصيتها وننصح الوالدين بالابتعاد عن كل ما فيه ضرر بالطفل، من عناد وانتقام بينهما أو يتحلى كل منهما بقوله تعالى: «وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» آية 237 سورة البقرة. وهذا الفضل بأن يتقي كل من الطرفين الله في الآخر، رغم انفصالهما، ولا ينسيا أنه كانت بينهما عشرة بالمعروف، وقد أثمر هذا الزواج أطفالاً يجب أن يتقي الطرفان الله فيهم، ولا يسببا ضرراً لهم، لهذا من حق الأب استضافة الطفل أثناء فترة حضانة الأم ضمن حقه في الولاية والرعاية المشتركة، على أن تكون هناك ضمانات تكفل عودة الطفل للأم لتوفير الرعاية للمحضون مادياً ومعنوياً، ويجب وضع قوانين تجرم كل تصرف يصدر من أحدهما ضد مصلحة الطفل، وأن يكون الأب هو المكلف بالولاية التعليمية، مع اشتراط علم الأم بتصرف الأب إزاء هذه الولاية، وان تتم الرؤية في مكان مناسب يكون قريباً من أقارب الأب والأم، حتى ينشأ ويعرف أقاربه، سواء قبل أو بعد الانتهاء من سن الحضانة وانتقال المحضون من الأم إلى الأب، حيث يلتزم الأب شرعاً بوجوب استضافة الأم للمحضون تأكيداً لمبدأ المساواة بين الطرفين».
أرفض التعديل
وتعارض الدكتورة زينب رضوان، وكيلة مجلس الشعب السابق وأستاذة الفلسفة الإسلامية، تغيير سن الحضانة، وتراه متعارضاً مع أحكام الشرع التي تعمل على حماية الطفل أطول فترة ممكنة بوجوده في حضانة أمه، لأنها الأقدر على رعايته وحمايته في عصر كثرت فيه الفتن، بالإضافة إلى أن زواج الأب بأخرى في كثير من الأحيان يسبب كثيراً من المشكلات النفسية والاجتماعية للطفل.
وتضيف: «ولهذا من الأفضل الإبقاء على القانون الحالي الذي وافق عليه الأزهر، لعدم وجود نصوص قطعية وصريحة بتحديد سن الحضانة أو مدة الرؤية، إلا أن الفقهاء أكدوا أن الحضانة واجبة للصغير والصغيرة، لأن المحضون يهلك بتركها فوجبت حفاظًا عليه من المهالك والمخاوف، وقد أخذنا بمذهب الإمام مالك لأنه الأفضل، اذ يرى أن الحضانة تستمر في الغلام حتى البلوغ وفي الأنثى حتى الزواج ودخول الزوج بها».
وأنهت رضوان كلامها بالتأكيد أن الأم هي الأحق بالحضانة، مادام الولد صغيرًا، وقبل بلوغ السن القانونية للولد وسن الزواج للفتاة حماية لها، لأن الحضانة تتعلق بها ثلاثة حقوق معًا، حق الحاضنة وحق المحضون، وحق الأب أو من يقوم مقامه، فإن أمكن الجمع بين الحقوق، وجب العمل بها، وإلا فيعتبر الأوفق للمحضون هو البقاء مع الأم. ولا يصح أن يأخذ الأب الأبناء لحضانته من الأم إلا لأمر شرعي، كأن تكون سيئة السمعة أو غير أمينة عليهم، ويكون أخذهم منها وفقاً لتقدير القاضي.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024