قانون الخلع يثير جدلاً متجدداً
رغم مرور 12 سنة على تطبيق قانون الخُلع في مصر وما حققه من مكاسب للمرأة، ظهرت أخيراً اتهامات له بأنه مخالف للشرع، حتى أنه تم تقديم مشروع قانون في البرلمان المصري يطالب بإلغائه فوراً، وهذا ما عارضته المنظمات النسائية. فما هي كلمة علماء الدين لحسم هذا الجدل الدائر؟
انفجرت القضية بتقديم النائب محمد العمدة مشروع قانون مطالباً بإلغاء مادة الخُلع من قانون الأحوال الشخصية، بحجة أنها أضيفت إلى القانون إرضاءً للمجلس القومي للمرأة الذي كانت تترأسه سوزان مبارك، بزعم إنقاذ المرأة الشرقية من الاضطهاد، لهذا أراد المجلس القومى للمرأة والجمعيات النسائية السماح للمرأة بالتخلص من الحياة الزوجية بإرادة منفردة دون رقيب، وتجاهل أدنى اعتبار لحقوق الأسرة والمجتمع.
وقال النائب في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون إن الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق رحمه الله، وغيرهما من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، خضعوا لإرادة النظام السابق وللمجلس القومي للمرأة من أجل فرض الخُلع على المصريين بما يخالف القرآن وكل الأحاديث النبوية والمذاهب الأربعة، وذلك بموافقتهم على تمكين المرأة المصرية من تطليق نفسها إذا وقفت أمام القاضي وتنازلت عن كل حقوقها الشرعية، وأعلنت أنها تبغض الحياة مع زوجها وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، دون أن يكون للقاضي أي سلطة تقديرية في مدى توافر شروط الخُلع الواردة في القرآن والسنة.
وأوضح العمدة في مذكرته أن الخُلع، وفقاً للقرآن والسنة النبوية، يستوجب القبول والإيجاب من الزوج والزوجة وفقاً للمذاهب الفقهية الأربعة، وهو ما لا يمكن تصوره إلا بوجود تراضٍ واتفاق بين الزوجين على الانفصال، وهذا الأمر ثابت في قوله تعالى: «الطلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْساك بمَعْرُوف أَوْ تَسرِيحُ بِإِحْسان وَلا يحِلُّ لَكمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شيْئاً إِلا أَن يخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا فِيمَا افْتَدَت بِهِ تِلْك حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئك هُمُ الظالِمُونَ» آية 229 سورة البقرة.
وأنهى العمدة مشروع قانونه بتساؤل: «ماذا لو أن زوجة رفعت دعوى خلع بحجة أنها كارهة لزوجها وتخشى عدم إقامة حدود الله، وهي في الحقيقة تريد أن تتخلص من زوجها لأنه يرفض السماح لها بالسفر إلى الخارج مثلاً، فهل يكون الحكم الصادر لها موافقاً لمفهوم الخُلع كما أراده الله عز وجل؟».
اعتراض نسائي
أحدث مشروع العمدة ردود فعل نسائية غاضبة، كان أسرعها الرفض الذي أعلنه الاتحاد النسائي المصري الذي أصدر بياناً عبَّر فيه عن انزعاجه الشديد ورفضه التام لهذا المقترح، لأن صدور قانون الخُلع لم يكن يوماً إرضاءً لزوجة رئيس الجمهورية السابق، وإنما جاء كمحاولة لحل الكثير من المشكلات القانونية المترتبة على الخلل القانوني في ظل عدم استطاعة العديد من النساء الحصول على أحكام لصالحهن في دعاوى التطليق المختلفة، نتيجة لعدم مقدرتهن على إحضار الشهود وتراكم الدعاوى في المحاكم وطول فترة التقاضي.
وأوضح البيان أن الخُلع يعد العلاج الرباني عندما تستحيل العشرة، ويتعسف الزوج في استخدام حق الطلاق، ويتمسك بزوجة لا ترغب في الحياة معه، مخالفاً بذلك حكم الله تعالى، وهو ما أقرته الشريعة وذكره القرآن الكريم، وأجمع الصحابة على جواز الخُلع. وقد تكررت الحوادث في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وأشهرها خلع الربيع بنت معوذ بن عفراء من زوجها.
وفند البيان النسائي ما استند إليه النائب العمدة، بأن الخُلع يتم دون تراضٍ بين الزوجين، مؤكداً أن ما يوضحه نص المادة 20 من القانون أن للزوجين أن يتراضيا على الخُلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن كل حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاها إياه حكمت المحكمة بتطليقها عليه. ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وانتدابها حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تجاوز 3 أشهر، وعلى الوجه المبين في المادة 18 والفقرتين الأولى والثانية من المادة 19 من هذا القانون. وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها، وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض يحق لها الخُلع.
ووصف البيان النسائي مشروع العمدة بأنه طرح مرفوض، ويمثل ردة في الحقوق والمكتسبات التي حصلت عليها المرأة المصرية، والذي لا يهدر فقط كرامتها، بل إنه أيضاً يتناقض مع الشرائع السماوية واتفاقات حقوق الإنسان المختلفة التي صادقت عليها مصر، وبالتالي فإن كل ما صدر من قوانين للأسرة لم يكن يوماً نتيجة لإرادة سوزان مبارك ومجلسها القومي، وإنما جاء نتاجاً للحاجات المجتمعية والتي ترجمها كفاح طويل للمنظمات المعنية بالأسرة بشكل عام والنساء بشكل خاص.
وفي النهاية طالب البيان القائمين على صناعة القوانين، سواء من اللجنة التشريعية في البرلمان أو وزارة العدل، عدم الاستجابة إلى مثل تلك المقترحات والقوانين التي تدل على أن هناك العديد ممن يريدون لمصر أن تعود مئة عام إلى الخلف.
دراسة
اعترض المجلس القومي للمرأة على دعوة العمدة لإلغاء الخُلع، مؤكداً أن هذا المطلب ليس له سند من الشريعة، وأن التعلل بصدور القانون إرضاء لـسوزان مبارك، أمر عار تماماً من الصحة، لأنه صدر في كانون الأول/يناير ٢٠٠٠، بينما تم إنشاء المجلس القومي للمرأة الذي ترأسته سوزان بعد شهرين من هذا التاريخ.
واستشهد المجلس القومي للمرأة في رده على العمدة بإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، التى تؤكد أن المرأة المصرية لم تسئ استغلال الخُلع، وأنها لا تلجأ إليه إلا مضطرة، وأن نسبة الطلاق خلعاً عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٠ توقفت عند ١.٨ في المئة فقط، وبالتالي فإن إصدار الخُلع لم يؤد إلى ارتفاعها.
واستند المجلس القومي في رده إلى دراسة ميدانية لجمعية «نهوض وتنمية المرأة»، عن أسباب لجوء المرأة لطلب الخُلع بدلاً من الطلاق لإنهاء حياتها الزوجية، على الرغم من حرمانها من حقوقها المادية التي يضمنها لها الطلاق، وتم إجراء هذه الدراسة على عينة من السيدات اللواتي طلبن الخُلع من مختلف الطبقات، وتوصلت إلى أن غالبية اللواتي طلبن الخُلع تراوح أعمارهن ما بين 35 و45 سنة، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية بين هؤلاء الزوجات. وكان السبب وراء طلب الخُلع بدلاً من الطلاق هو سوء معاملة الزوج، تلاه عدم إنفاق الزوج على الأسرة، ثم قيام الزوج بالزواج من أخرى، واقتران المعاملة السيئة للزوج باستخدامه العنف لدى 80 في المئة من السيدات الطالبات للخلع، وبالتالي فإن قانون الخُلع هو الضمانة الحقيقية للمرأة من بطش الزوج.
نفى الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، الاتهام الموجه الى القيادات الدينية أو تعرضه هو شخصياً لأي ضغوط لإقرار أي مخالفة للشرع، مؤكداً أن العلماء لن يبيعوا دينهم بدنياهم أو من أجل المناصب مهما كانت.
وأضاف: «قانون الخُلع من حيث المبدأ، ليس مخالفاً للشرع، لكن يمكن أن يخضع للتقويم والمناقشة من المجالس التشريعية، ودرسه من مختلف النواحي لعلاج أي سلبيات في التطبيق، أما القول بالإلغاء فهو يتنافى مع الشريعة الإسلامية ونصوص الأحاديث النبوية، حيث توجد نصوص صريحة وصحيحة في ذلك. ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ومن هنا وافق عليه الأزهر ومؤسسات التشريع في مصر، أما إلغاء الخُلع فيعني تحويل عقد الزواج لعقد عبودية، وهذا ما يرفضه الشرع جملة وتفصيلاً».
وأنهى واصل كلامه بالتأكيد أن قانون الخُلع بريء من الاتهام بالتسبب بانهيار الأسر، إذ تؤكد الإحصاءات أن حالات الطلاق التي يقوم بها الرجل منفرداً تبلغ 97 في المئة، ولهذا لابد من سن تشريعات تجعله أكثر حرصاً على تماسك الأسرة وتقييد الطلاق الرجالي الذي تدفع المرأة وأولادها ضريبته، بدلاً من البحث عن إلغاء قانون الخُلع الذي لم تزد حالات الطلاق بواسطته على 3 في المئة.
الإلغاء جهل
وهاجمت الدكتورة ملكة يوسف زرار، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة، مشروع إلغاء الخُلع، مؤكدة أن الكلام عن مخالفته الشريعة يؤكد الجهل بأحكام الإسلام التي جاءت صريحة في إعطاء المرأة حق الخُلع مقابل حق الرجل في الطلاق، بل إن كل القوانين الحالية التي يصفونها ظلماً بأنها تحابي المرأة مازالت بعيدة عما تمنحه الشريعة للمرأة من حقوق كثيرة، سواء في اختيار زوجها أو إنهاء الزواج بالخُلع في ضوء الضوابط الشرعية له، من كراهية المرأة لزوجها وخوفها من عدم إقامة حدود الله معه، وبالتالي تخشى على نفسها الفتنة، فتطلب الخُلع مقابل رد ما أخذته منه عند بدء الزواج، وهنا يتم إعمال مبدأ أو قاعدة «الغنم بالغرم»، سواء في الخُلع أو الطلاق.
وتعجبت الدكتورة ملكة من وصف النائب العمدة لقانون الخُلع بأنه من «قوانين سوزان مبارك»، قائلة: «هذه مغالطة، لأن قانون الخُلع أقره الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، حيث أكد لنا القرآن الكريم أن الزواج يجب أن تحكمه الآية الكريمة: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» آية 229 سورة البقرة. ومن يتأمل السيرة النبوية سيجد أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو أول من خلع امرأة، حيث جاءت امرأة ثابت بن قيس تقول للرسول، صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا في دين، لكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟. فقالت: نعم وأزيد، فقال صلى الله عليه وسلم، أما الزيادة فلا، ردي عليه الحديقة. وقال لثابت: طلقها تطليقة». كما أن الصحابة أجمعوا على جواز الخُلع الذي يحمي المرأة من استبداد الرجل الذي كان يتركها لسنوات طويلة مثل البيت الوقف».
تقنين ظلم المرأة
تستنكر الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، المطالبة بإلغاء قانون الخُلع، مؤكدة أنه من المؤسف أن كثيراً من الناس يرون أنه يجب على المرأة أن تصمت وتتحمل الظلم أياً كان، من أجل استقرار بيتها وأبنائها، متجاهلين أن المرأة التي تلجأ الى ذلك لها مشاعر وعقل تماماً كالرجل، ولها الحق شرعاً في الخُلع مثل الرجل الذي له الحق في الطلاق، وهذا هو شرع الإسلام لإنهاء هذه العشرة بشكل يحفظ كرامة الرجل والمرأة على حد سواء. وحذرت الدكتورة آمنة من ظلم المرأة باسم الدين، وهو من هذه المفاهيم المغالطة براء، لأن حق الخُلع منصوص عليه شرعاً، ومن يسعى في إلغائه لظلم المرأة فهو آثم شرعاً ويجب التصدي له بكل قوة، لأنه يلبس الحق بالباطل ويسيء الى الإسلام الذي أعطى المرأة حق الخُلع مقابل حق الطلاق للرجل، ومثلما يتحمل الرجل تبعات ونفقات قراره بالطلاق تتحمل المرأة تبعات ونفقات قرارها بالخُلع.
تقويم
وأوضح الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة في جامعة القاهرة، أن الخُلع بضوابطه الإسلامية يحافظ على الأسرة، لأنه حق للنساء كما أن الطلاق حق للرجل. ومن الملاحظ أنه قليل الاستخدام، حتى أن الإحصاءات الرسمية لوزارة العدل تؤكد أن نسبته لا تزيد على 3 في المئة فقط من إجمالي نسبة الطلاق، لأن المرأة بطبعها أكثر ميلًا للاستقرار والحرص على الأسرة، حتى وإن كانت غير سعيدة.
وطالب الدكتور المنسي بتكوين لجان من علماء الدين ورجال القانون لتقييم تطبيق قانون الخُلع خلال الفترة الماضية، ومعالجة أي سلبيات به سواء في النص القانوني أو التطبيق العملي، وأما أن ننفي الخُلع كلية فهذا مخالف للشرع، لوجود نصوص شرعية في القرآن والسنة تؤكده ولا نستطيع إلغاءه حتى ولو قيل إن هناك مؤسسات أجنبية قد ضغطت على الحكومة المصرية آنذاك لوضع واستمرار قانون الخُلع، لأنه يؤدى إلى مساواة الرجل بالمرأة.
الدليل
وأكدت الدكتورة فايزة خاطر، أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق، أن نفي وجود الخُلع في الإسلام مخالف للشرع، وهو مما حصلت عليه المرأة من حقوق في الإسلام، وبالتالي فهو من القوانين غير المخالفة للشريعة الإسلامية، بدليل أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وهو يضم كبار العلماء في مختلف التخصصات، أقره لأن الخُلع من صلب الشريعة وبالتالي لا وجه شرعياً للاعتراض عليه. كما أن الإحصاءات الحديثة تؤكد أن نسبة الطلاق ما زالت أكبر بكثير من حالات الخُلع، بل إن بعض الرجال يعتبرون الخُلع قانوناً في مصلحة الرجل، فالمرأة تطلق منه وتعيد له ما دفعه لها، كما أنها لا تأخذ منه نفقة ولا غيرها. ومن المؤسف أن هناك أزواجا يرفضون طلاق زوجاتهم لإجبارهن على الخُلع والتنازل عن كل حقوقهن ولا يأخذن منهم أي شيء.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024