تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

مشروع تنظيم زواج السعوديين من أجنبيات يحمي الحقوق الأسرية

تختلف الشخصيــات لكن تبقى القصص واحدة، تتأجج المشــاعر بين قرارٍ صادر عن جهة حكومية أو عن مشروعٍ يُدرس في مجلس الشورى. حكــايات لأشخــاص اُستنزفت مشــاعرهم ألماً وأملاً للوصول إلى حلول مُقنعة ومُرضية ومُنهية لمعاناة السنوات التي عاشوها وعاشت معهم كـجزءِ من حيــاتهم. مشروع  صدر قبل عام بتنظيم زواج الأجانب من السعوديات، واستمرت المشــاكل لأبناء السعوديات الذين يحملون جنسية والدهم الأجنبي، فعدم الحصول على الجنسية يحرمهم التعليم والمناصب والبعثات الخارجية وغيرها من الأمور التي توفر لهم العيش الكريم في وطنٍ لم يعرفوا غيره.


خرج اليوم مشروع آخر يُعنى بتنظيم الزواج من أجنبيــات وتوفير حل نهائي للبدون، وهم من لا يحملون الجنسية. وقال وكيل وزارة الداخلية لشؤون الحقوق الدكتور عبد الرحمن المخضوب إن بعض أبناء السعوديين غيّروا دياناتهم بسبب تربيتهم لدى أمهاتهم الأجنبيات في مجتمعات غير مسلمة، مشيراً إلى قرب إطلاق هذا المشروع، ومضيفاُ «عدد الموافقات الصادرة لزواج السعودي من غير السعوديين بنوعيه بلغ ستة آلاف موافقة في السنة خلال السنوات الأخيرة، شاملة الموافقات التي قبل الزواج، وتصحيح الأوضاع لمن تزوج بغير إذن». ومُنبهاً إلى أن والدة السعودي الأجنبية التي انفصلت عن زوجها لها حق الحضانة، وصدر قرار سامٍ ببقائها في السعودية. فتحت «لها» تحقيقاً حول ايجابيات هذا المشروع وسلبياته، مستعينة بآراء المعنيين فيه من جمعية حقوق الإنسان ومجلس الشورى وعلم الاجتماع، وعارضة قصصاً واقعية لأناس ما زالوا ينتظرون الحل النهائي...

نشرت الصحف خبراً يفيد بأن وزارة الداخلية السعودية وافقت على ستة آلاف طلب لزواج سعوديين وسعوديات من غير سعوديين في العام، وذلك على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. وأكد الدكتور عبد الرحمن المخضوب أنه لا يوجد مانع من زواج السعودي من غير السعودية من ناحية شرعية. لكن المشكلة في ما يعتري ذلك بعض الأحيان من عقبات في التربية كما حدث مع أبناء السعوديين الذين غيّروا دياناتهم بسبب بقائهم مع أمهاتهم الأجنبيات في مجتمعات غير مسلمة. وأوضح المخضوب أن من أسباب إقبال السعوديين على الزواج من غير السعوديات كثرة السفر إلى الخارج، ومعايير الجمال لدى الجنسيات الأخرى، وعدم قبول المرأة السعودية بالتعدد، وغلاء المهور، وعدم قبول السعوديات ببعض الفئات، مثل كبار السن والمرضى ومن لديهم إعاقة ( الحياة، 9 نيسان/أبريل 2012).


أم خالد: أنا ابنة هذا البلد ولم أحصل بعد على الجنسية السعودية...

نادرة (أم خالد) أردنية متزوجة من سعودي منذ 14 عاماً. هي من مواليد السعودية درست وعاشت فيها قبل الزواج وتحديداً في جدة. تقول: «ظروف زواجي كانت مُريحة وسهلة، فتصريح الموافقة على الزواج لم يأخذ أسبوعاً وبدأت تجهيزات الزواج، وبالفعل تزوجت لكني تأخرت في الإنجاب الأمر الذي أخّر مسألة منحي الجنسية السعودية. فمن شروط الحصول على الجنسية إنجاب الأولاد».
أنجبت أم خالد تؤأميها بعد 4 سنوات من الزواج، ولا تزال تنتظر صدور الموافقة ومنحها الجنسية السعودية، وتضيف: «مرت خمس سنوات وما زلت انتظر الحصول على الجنسية السعودية، فأنا ابنة البلد وعائلتي وزوجي وأبنائي هنا، فهل هذا غير كافٍ لمنحي الجنسية أم أن هناك تعقيدات أخرى قد تقف عائقاً أمام هذا الأمر؟!».


كارمن : كنت محظوظة لصدور إذن الزواج وإن متأخراً...

 تحدثت كارمن (غُيّر الاسم بناءً على طلب صاحبة القصة) بلسان ثقيل نوعاً ما في اللغة العربية عن قصة زواجها من سعودي منذ سبع سنوات بعدما تعرفت عليه خلال بعثته الجامعية في العاصمة الروسية موسكو. اقول: «بقيت سنوات الجامعة بيني وبين زوجي طبيعية جداً ولم أكن أُفكر في الارتباط به، نظراً الى الكثير من الأمور المختلفة بيننا من حيث الدين والعادات والتقاليد والأهل وغيرها».
ووافقت كارمن قبل التخرج بنصف عام على الارتباط بزميلها السعودي، بعدما تقدم الى خطبتها في منزل عائلتها وبحضور عائلته. ومع أن الزواج نظامي، إلا انه تم بدون أخذ الإذن من الحكومة أو استصدار تصريح الموافقة على الزواج. وتشير كارمن إلى وجود الكثير من الزيجات الأجنبية التي تنتهي بالانفصال بسبب عدم صدور تصاريح موافقة للزواج من أجنبية.


سمية: لم أحصل على الجنسية السعودية ولم أتمكن من تحقيق حلمي...

سمية زوجة تونسية لرجل سعودي منذ 18عاماً ولديها أربعة أبناء. تقول: «كنت أعيش في جدة قبل زواجي بعشر سنوات مع عائلتي، وتم النصيب بيني وبين زوجي وهو سعودي ميسور الحال وعلاقتنا مبنية على التكافؤ والاحترام والحب وليس كما يُقال أن زواج الأجنبية من السعودي تخدمه المصالح. في بداية زواجي حصلت مشاكل بسيطة بسبب تأخر صدور الموافقة الرسمية من وزارة الخارجية في الرياض، وأخذت معاملة الزواج أكثر من أسبوعين ومن ثم جاءت الموافقة على زواجي وأنجبت في السنوات الثلاث الأولى ولدين وبنتاً. ومن بعدها عدنا الى استكمال الإجراءات للحصول على الجنسية السعودية بعد السنة الرابعة من زواجي».

صبرت سمية علها تجد حلا لمشكلة الجنسية التي ما زالت تنتظر الموافقة. وواجهتها بعض المشاكل مع عائلة زوجها خصوصاً أنها غريبة وطباعها تختلف عن طباع السعوديين. وبعد مُضي الوقت بدأت تشعر بالإحباط لأنها لم تتمكن من الحصول على الجنسية التي قد تؤمن لها القوت اليومي وتساعد زوجها في المصاريف، فقد كانت تعمل في الخياطة في المنزل وتستقطب الزبونات لكنها تمنت أن تفتح مشروع مشغل خياطة نسائية، ولكونها أجنبية لم يتحقق هذا الحلم.


الخيـاط: المشروع قيد الدرس وهو يُعنى بالحالات الجديدة...

قال عضو مجلس الشورى الدكتور مازن الخياط إن مشروع تنظيم الزواج من أجنبيات كبير جداً ومتشعب وبنوده الكثيرة ما زالت قيد النقاش والدرس ولم يُرفع إلى المقام السامي بعد. وأضاف: «نحن نعرف أن هناك أطفالاً وزواجاً وأسراً، وهناك احد الأعضاء في مجلس الشورى أثار مسألة التوطين. لكني لا اعتقد أن بند والدة السعودي الأجنبية لها حق الحضانة والبقاء في المملكة عند طلاقها، ولا بد للجنة من التحقق من ذلك. وهناك قيود على العسكريين وأعضاء الشورى وأعضاء السلك الدبلوماسي، وهناك تشعب كبير في هذه المسألة».


حمّاد: مبررات واهية وغير حقيقة  لزواج السعودي من أجنبية...

قالت عضو المجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد إن الرجل يرتبط من أجل الشكل دون التفكير بدين المرأة، لأنه يجري وراء غريزته «كما أن السعوديات من أجمل البنات في الدنيا، ومن يقل إن المرأة الأجنبية تقبل بالتعدد فهو مخطئ. وهي تستنزف الزوج مالياً أكثر من الزوجة السعودية».
وتساءلت حمّاد عن سبب عدم منح الجنسية لوالدة السعودي الأجنبية طالما أنها اختارت البقاء في السعودية وهي أم سعودي قد تكون مطلقة، وفضلت البقاء هنا على العودة الى بلدها. تقول: «هذه الأمور تتعلق بحقوق المواطنة، وكأنها علاقة قانونية بين الإنسان والدولة».

وحول غياب الإحصاءات عن أعداد السعوديات المتزوجات من أجانب أشارت حمّاد الى أن الأرقام المذكورة في الصحف المحلية والمواقع الالكترونية لم تنسبها إلى الجمعية، «تلك الأرقام موجودة وأفادت أن هناك 750 حالة زواج سعودية من أجانب. كل ما هنالك أنني أخبرت صحافية أن هناك عضواً في مجلس الشورى ذكر هذا الرقم وفي اليوم التالي نفى هذا الأمر ولم يصدر تأكيد لحقيقة الأرقام. وأتمنى من وزارة العدل ووزارة الداخلية تزويدنا إحصاءات دقيقة في هذا الموضوع».


المشهدي: الزواج حرية شخصية... وأسباب الإقبال على الزواج من أجنبية أعمق

من جانبها، ذكرت الاختصاصية الاجتماعية سوزان المشهدي أن هناك عناصر أساسية ورئيسية تدفع بالسعودي الى أن يتزوج من أجنبية ولعل أهمها رفض الأهل وجود فترة الخطوبة للتعارف بين الشاب والفتاة. وبعض الشباب السعودي يرفضون مبدأ «المفاجآت» في هذا الأمر. تقول: «هذا ما يجدونه لدى الدول الأخرى سواء عربية أو غربية، وقد يكون هناك تعارف بين الشاب والفتاة قبل الخطوبة بسبب الانفتاح البيئي وعدم نظر المجتمع إلى العلاقات نظرة الريبة والشك».

ولفتت إلى وجود مشكلة أخرى تجعل الشاب السعودي يُقبل على الزواج من أجنبية وهي أنه يرى فتاة ويعقد عليها، ليُفاجأ يوم الزواج بأن العروس فتاة أخرى «فبالتأكيد سيتزوج الشاب من الخارج لاقتناعات بداخله وتساؤلات كثيرة يطرحها حول دفع المهر الباهظ، والتقاضي في المحكمة إن حدثت المشاكل، والخسارة المادية والمعنوية التي تستنزفه وفي النهاية قد يأخذ حقه وقد لا يأخذه، لأن الفتاة قد تثبت أن من رآها هي العروس المختارة».

وشددت على ضرورة وضع الزواج في السعودية من أي جنسية في خانة الحرية الشخصية بعيداً عن قوانين وضعية، لأن هناك حقوقاً لأطفال لا يحملون ذنب الاختيارات العشوائية. «هو موضوع اجتماعي وإنساني في المقام الأول. وهناك أسباب أعمق من التي وضعت لإقبال السعوديين على الزواج من أجنبيات، فمعايير الجمال لدى الخارج لا تختلف عن السعوديات، والأمر لا يتعلق فقط بالجمال. كما أن غلاء المهور يعود الى خوف السيدة السعودية من الطلاق المفاجئ أو الزواج المفاجئ أو خسارة أبنائها فجأة».


آل علي: هذا المشروع ايجابي لأنه يُلبي حاجات أساسية للسعوديين والسعوديات

من جانبه، رأى عضو مجلس الشورى الدكتور مشعل بن ممدوح آل علي أن مشروع تنظيم زواج المواطنين والمواطنات من غير سعوديين أمر ايجابي لأنه يُلبي حاجات أساسية للإنسان، «فقد تكون امرأة وصلت الى الأربعين ولم تتزوج، كما لا يجوز الزواج من غير المسلم وهو أمر محسوم في النظام الأساسي في الحكم. والسعودية قائمة على كتاب الله وسنة رسوله وراعت هذا الجانب. وأنا بحكم تخصصي في هذه القضايا، أرى أن الاتفاقات التي توقعها السعودية يجب أن تكون مطابقة للشريعة الإسلامية، وأنا من الأعضاء في الشورى الذين صوّتوا على ضرورة هذا التطابق. والسعودية حريصة على هذا الجانب».

وقال إن هذه المشاريع تُريد أن تحفظ للطفل الذي نتج عن سعودي حقه في الانتماء والنسب. وأضاف: «أنا مسؤول عن التنظيم والنظام وعن كل أمر يأتي منه خلل سواء إنساني أو واقعي أو تشريعي، فالزواج من أي جنسية أخرى حق شخصي لأي سعودي أو سعودية، لكن أنا أُسأل عن النظام وعن مدى ثباته واستمراره ومدى توازنه مع حقوق الإنسان».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079