عصابة 'تحت الطلب'!
المهنة: «مجرم بالإيجار»، المهمة: أن يفعل أي شيء يتم تكليفه به مقابل المال كالقتل، الخطف، الابتزاز، التهديد... كل شيء مباح والمهم هو تكلفة هذه الجرائم... هذه المهنة أتقنتها سمر، ابنة الثامنة والعشرين، وزوجها الموظف الشاب. فهما لم يقتنعا بالدخل القليل الذي كان يدرّه عمل الزوج في إحدى الشركات، لذا قررا أن يتجها إلى الجريمة وذاع صيتهما في سوقها، وتخصصا في جرائم الخطف والابتزاز لصالح الغير. والجريمة الأخيرة كان ضحيتها رجل أعمال أميركياً من أصل عراقي، سقط في براثن عصابة المجرمين بالإيجار وكاد يدفع حياته ثمناً، لولا الظروف التي أنقذته وأسدلت الستار على جرائم الأسرة التي احترفت بيع نفسها لمن يدفع أكثر.
كانت الزوجة هي بيت الداء، رفضت أن تستسلم لواقعها المتردي، راتب زوجها لم يكن يكفي للوفاء بكل متطلباتها، فراحت تحرضه ليثور على واقعه. لكن الزوج لم يكن يمتلك تصوراً لمستقبل آخر، فقررت سمر أن تقنعه بالاتجاه إلى وسائل سريعة لتحقيق الربح، وأكدت له أن العمل الشريف لن يحقق لهما شيئاً. واستغلت ضعف شخصية زوجها وتمكنت من السيطرة على عقله، ورسمت له طريق المكسب السريع، فعرضت عليه فكرة النصب على راغبي السفر واستخدام أوراق مزورة لإقناعهم بإمكان توفير فرص عمل لهم في أوروبا. وهكذا كان، وخلال أيام قليلة حصدت سمر وزوجها آلاف الجنيهات. واستعدت الزوجة للهرب، لكن الشرطة دهمت مسكنهما وقبضت على الزوج الذي رفض أن يشير إلى تورط زوجته ومشاركتها في الجريمة.
تحمل الزوج محمد مشقة السجن، وخرج بعد عامين ليجد زوجته قد أنفقت حصيلة جرائمهما، وقبل أن يصب جام غضبه عليها أكدت له أنها حاولت أن تضمن لأبنائها دخلاً كبيراً من خلال مشاركتها في مشروع حلال، لكنها خسرت كل الأموال التي كانت معها. وجزمت بأنها ستسعى إلى وسيلة جديدة وسريعة تحقق لهما حلم الثراء. واستسلم الزوج كعادته لآراء زوجته التي بدأت تشرح له خطتها.
الخطة
«سنربح مئات الآلاف من الجنيهات خلال أشهر قليلة»... وقعت هذه العبارة على رأس محمد كالصاعقة، وراح يستمع إلى زوجته التي راحت تؤكد أنها تدخر له مفاجآت سارة، وواصلت سمر حديثها قائلة: «سنواجه بعض الأخطار، ولكن هذه الأموال تستحق كل المشقة التي سنتحملها، سنستخدم السلاح أحياناً ونستعين ببعض أصدقائنا لمشاركتنا هذه العمليات».
بدا التوتر على وجه الزوج الذي ظهر كأنه تلميذ عجز عقله عن استيعاب ما يقوله المدرس، وأدركت سمر ما يجيش في نفس زوجها، وبدأت تفسر له خطتها قائلة: «هذه الفكرة استقيتها من صفحات الحوادث. سنتعامل مع رجال الأعمال ونساعدهم على معاقبة خصومهم وتصفية حساباتهم مع هؤلاء الخصوم الذين سنستدرجهم إلى شقة في منطقة المقطم ونحتجزهم لبعض الوقت، إلى حين الحصول على فدية أو إيصالات أمانة منهم لصالح رجال الأعمال الذين نعمل لحسابهم.
والعائد مضمون، لأننا سنتفق مع رجال الأعمال على قيمة العملية قبل الشروع فيها، ولن يقل العائد في العملية الواحدة عن مئة ألف جنيه». وكشفت سمر لزوجها أنها اتفقت مع أحد أصحاب معارض السيارات على خطف زبون وإجباره على سداد ديونه لدى صاحب المعرض، وتوقيع إيصالات أمانة بمليوني جنيه. وأضافت أنها كلفت بعض جيرانها بمراقبة الهدف وتحديد التوقيت الأنسب لاستدراجه. وبالفعل بدأت خطوات تنفيذ خطتها، فاستأجرت سيارة وتوقفت أمام المنطقة التي يمر بها الضحية يومياً، وتحدثت معه ذات يوم وطلبت منه أن يدلّها على عنوان في هذه المنطقة، وادعت أنها لم تستوعب المكان بالضبط، وطلبت من الضحية سعيد أن يستقل معها السيارة ليوصلها الى أقرب منطقة من هذا العنوان. ابتلع الضحية الطُعم، ولم تمض دقائق حتى توقفت السيارة واستقلها شخصان يحملان السلاح وهددا سعيد بالقتل في حالة صراخه أو طلبه للنجدة. وانطلقت السيارة متجهة إلى شقة في عمارة متهالكة في منطقة المقطم، استخدمتها العصابة لاحتجاز سعيد.
واتصلت سمر بصاحب معرض السيارات لتؤكد له أن كل شيء على ما يرام، وطلبت منه أن يصدر تعليماته بما يشاء، فطلب منها صاحب المعرض الضغط على سعيد لسداد ديونه أو كتابة إيصال أمانة على بياض. وأمام المناخ المرعب الذي عاشه سعيد عرض أن يسدد ديونه فوراً، فاتصل بزوجته وطلب منها أن تبيع مجوهراتها وتحضر له قيمتها. وبعد ساعات أعلنت سمر نجاح أولى جرائمها، وجلست مع زوجها في منزلهما يحتفلان بالأموال الطائلة التي حصلا عليها من تاجر السيارات. لكن الزوج لم يخف مخاوفه، بل أخبر زوجته أن سعيد قد يخطر الشرطة ويرشد عن مكان شقة المقطم، فقررت تغييرها واستأجرت شقة في منطقة المعادي الجديدة وبدأت التخطيط للجريمة الثانية.
الفخ
ذاع صيت سمر وزوجها في سوق الجريمة، وارتفع سعرهما، فهما الأقدر على ارتكاب أي جريمة لحساب أي شخص إلا القتل، لأن سمر رفضت منذ البداية أن تتلطخ يداها بالدماء، رغم أنها كانت تستخدم السلاح في تهديد ضحاياها.
وتوالت الجرائم التي ارتكبتها سمر وزوجها وعصابتهما، لكن الجريمة الأخيرة شهدت النهاية لأحلام الزوجة الشابة. فثمة محامٍ معروف عرض على سمر استدراج رجل أعمال أميركي من أصل عراقي واحتجازه داخل الشقة، وإجباره على توقيع إيصالات أمانة. وبدا أن الخلافات بين رجل الأعمال وزوجته دفعتها إلى التفكير في استئجار عصابة سمر لإجبار زوجها على التنازل عن بعض حقوقه لديها. وبدأت سمر تخطط لهذه الجريمة، خاصة أن زوجة رجل الأعمال عرضت مليون جنيه لإنهاء هذه العملية.
استعانت سمر بابنة خالتها الحسناء الشقراء تغريد وطلبت منها أن تستدرج رجل الأعمال إلى مكان هادئ. والتقت تغريد رجل الأعمال في أحد المراكز التجارية الشهيرة، وتجاذبت معه أطراف الحوار حول قضايا العراق، وامتد الحوار إلى خارج المول، وعرض رجل الأعمال على تغريد إيصالها إلى أي مكان، فطلبت منه نقلها إلى المقطم، وابتلع الطُعم لكنه دفع الثمن فادحاً.
فجأة توقفت سيارة ملاكي أمام سيارته لتجبره على التوقف، ونزل من السيارة محمد وسمر وشريكاهما خالد وشادي، وحاصروا رجل الأعمال واعتدوا عليه بحجة استدراجه لتغريد زوجة خالد، وأصابوه في رأسه واقتادوه بسيارته إلى شقة المقطم التي استأجرتها سمر بعد أن وضعت على عيني الضحية عصبة حتى لا يعرف طريق الشقة.
اتصلت سمر بالمحامي وأكدت له أن الضحية سقط في الفخ، وتحت تهديد السلاح استولت وعصابتها على أموال رجل الأعمال، وأجبروه على توقيع الأوراق المطلوبة من زوجته التي أعطت تعليماتها بعد ذلك بالإفراج عن زوجها. في صباح اليوم التالي تقاضت سمر مليون جنيه ثمن العملية الأخيرة، وفي هذه الأثناء كان رجل الأعمال في قسم شرطة النزهة يشرح للعميد محمد توفيق، رئيس مباحث قطاع شرق القاهرة، ما حدث، وبدأت الشرطة تتبع بعض المكالمات التي أجرتها العصابة من هاتفه المحمول.
من خلال إحدى هذه المكالمات توصل رجال المباحث إلى شخصية سمر، وتم تحديد مكانها ودهم شقتها، وألقت الشرطة القبض على أفراد العصابة وعرضتهم على الضحية الذي تعرف عليهم لتتوالى اعترافات المتهمين الذين ألّفوا عصابة «تحت الطلب».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024