تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

حكاية طفلة كادت تتحول إلى قطع غيار بشرية

عاشت الطفلة راندة ابنة العامين أسوأ أيام حياتها، كانت على أعتاب الموت، وجسدها كاد يتحول إلى قطع غيار بشرية... العصابة التي خطفتها اتفقت مع طبيب سيِّئ السمعة على بيعه إياها في حالة امتناع أسرتها عن دفع الفدية. المثير في هذه القضية أن أسرارها تكشفت بعد انتهاء احتجاز الطفلة ودفع أسرتها الفدية التي طلبتها العصابة، ولكن أحد المجرمين جلس مع أصدقائه يتباهى بهذه المغامرة بعدما أثرت المخدرات في عقله فأخذ يفضفض بتفاصيل مثيرة تفضح المخطط الدنيء الذي رسمه زعيم العصابة الهارب متستراً وراء شباب الثورة ولافتات الحرية.


حين عادت الطفلة راندة إلى أسرتها لم يكن والداها يدركان أنها كادت تضيع منهما إلى الأبد، فالعصابة التي خطفتها هددتهما بأنهما لن يتمكنا من رؤية ابنتهما، ولم تكن بذلك تقصد أنها سوف تقتلها... وتكشّفت الأسرار بعد أيام من انتهاء القضية، وقد كسا الذهول ملامح الأب وهو يستمع إلى اعترافات العصابة أمام رئيس المباحث، فبدأ يفهم الكلمات التي كانت ترددها ابنته بعد استعادتها من قبضة العصابة «كبد، كلى، قرنية»... اعتقد الأب وقتها أن ابنته تهذي بعد تعرضها لرحلة خطف مرعبة كادت تفقد فيها حياتها.

بدأت القصة الدرامية حين كانت الطفلة تلهو مع ابن عمتها ذي الثماني سنوات أمام منزلها في هضبة الأهرام. طلب منها ابن عمتها أن ترافقه إلى محل الحلوى، رغم أن والديها طلبا منها عدم الابتعاد مطلقاً عن المنزل.
كانت سيارة متوقفة قرب المكان الذي تلهو فيه راندة مع ابن عمتها، فأشار أحد ركابها إلى الطفلة وهو يهمس إلى سائق السيارة ببضع كلمات واقتربت السيارة من راندة وابن عمتها، وفي غفلة من المارة في الشارع وسكان المنطقة نزل من السيارة شابان خطفا الطفلة، وحاول ابن عمتها أن ينقذها وتشبث بالسيارة، لكن أحد المجرمين أزاحه بعيداً ليسقط أرضاً وتنطلق السيارة بسرعة هائلة وسط ذهول الجميع.


رسالة تهديد

انطلق الصغير نحو منزل أسرة راندة، وهو يصرخ: خطفوا راندة الحقوهم بسرعة! تجمع العشرات على صوت صرخات فارس، وظهر الذهول على وجه والدَي راندة وهما يستمعان إلى ما حدث، ظن الأب أنه يحلم، فابنته كانت تلهو معه قبل ساعات، وسمح لها بالخروج إلى الشارع لدقائق، ولم يتخيل أنها لن تعود.
جرى الأب إلى الشارع، وراح يبحث عنها في كل مكان. وأكد له أصحاب المحلات رواية فارس، وقالوا إنهم شاهدوا سيارة ملاكي يستقلها أربعة أشخاص خطفوا الطفلة وهربوا.

اتجه حسام والد راندة إلى قسم شرطة الهرم، وأبلغ العقيد محمد عبد التواب مفتش مباحث الهرم بما حصل وقدم له كل تفاصيل الجريمة. واستمع رجال المباحث إلى فارس الذي قدم وصفاً للجناة، وبدأت رحلة البحث وطلب رجال الشرطة من حسام أن يسارع إلى إبلاغهم في حالة اتصال الجناة لطلب فدية.
بعد ساعات سمعت والدة راندة طرقات على باب شقتها، وأخبرها أحد العاملين في محل مجاور أن رجلا ترك لهم مظروفاً مغلقاً، وتسلمت الزوجة المظروف، وقرأت محتواه، فهالتها سطوره.

المحتوى كانت عبارة عن رسالة، سطورها تطالب أسرة راندة بالتنازل عن البلاغ الذي قدموه في قسم الشرطة، وأن يؤكدوا للمباحث أن الطفلة عادت بعد اختفائها، وطلب الجناة من الأسرة دفع فدية مليون جنيه مقابل إعادة راندة.
سارعت الأم الى الاتصال بزوجها، وأخبرته بما حصل... فقرر الرجل أن يبحث عن  أسلم الحلول لاسترداد ابنته، ووافق على طلبات العصابة وقرر التفاوض معها على دفع الفدية. وتلقت الأسرة اتصالاً من أحد الخاطفين أبلغها فيه أنه حدد موعداً في صباح اليوم التالي لتسلم مبلغ الفدية، لكن الأب أكد للعصابة أنه لا يمتلك هذا المبلغ، وبدأ  يتفاوض معهم حتى وصل المبلغ إلى مئة ألف جنيه.

تم الاتفاق على أن تقوم والدة الطفلة بتقديم الفدية إلى العصابة بجوار فندق شهير في أطراف شارع الهرم، ولم ينس أفراد العصابة أن يهددوا الأم بقتل ابنتها فوراً إذا أبلغت الشرطة. واتجهت السيدة إلى المكان المحدد ومعها حقيبة فيها المال، وتوقفت في المكان المحدد، واقتربت منها سيارة ملاكي توقفت لثوانٍ وطلب منها أحد مستقليها حقيبة الفدية، وأخبرها أن ابنتها تقف على مسافة أمتار منها.

تخلت الأم عن الحقيبة والتفتت إلى الوراء لتجد ابنتها تبكي بحرقة وهي في حالة يرثى لها، فاندفعت الأم بلوعة نحو ابنتها في مشهد مزق القلوب، واحتضنتها وهي لا تصدق أن الكابوس انتهى.
عادت الأم مع ابنتها إلى منزلها، وكانت فرحة الأب بلا حدود، رغم أنه شاهد علامات التعذيب على جسد ابنته التي كانت العصابة تقدم لها الفتات من الطعام. وبدأت الطفلة تحكي أسرار الأيام التي عاشتها مع العصابة، ولم تفهم الأسرة وقتها أن الابنة الصغيرة كانت على أعتاب الموت في عيادة طبيب محترف في بيع قطع غيار البشر.


المجرم أوقع نفسه

بعد أيام كانت الأسرة على موعد مع مفاجأة مثيرة، زار الأب أحد العاملين في مكتبه الذي يقع في الشارع الذي يقع فيه منزلهم، أخبرهم العامل أنه دار بينه ورجل يدعى معتز حوار مثير، عندما قال له إن أسرة راندة دفعت فدية مليون جنيه لإنقاذ ابنتها من براثن العصابة، فضحك معتز مؤكداً أن الأسرة لم تدفع سوى مئة ألف جنيه.

اندهش العامل «فرج» وسأل معتز عن سر علمه بهذه التفاصيل، وبلا مبالاة أكد معتز أنه يعرف هذه التفاصيل لأنه شارك مع العصابة في جريمة خطف الطفلة راندة، وذلك بالاشتراك مع عبد الرحمن الذي يمتلك أحد المحلات في الشارع نفسه.

لم يصدق والد راندة هذه المعلومات، ولكن الساعات التالية كانت تحمل له مفاجأة جديدة، فقد توقفت سيارة فيات حمراء أمام المحل الذي يملكه عبد الرحمن، وبمجرد أن شاهدتها والدة راندة صرخت وأكدت لزوجها أنها السيارة التي كانت العصابة تستقلها أثناء تسلمها مبلغ الفدية!
سارع الأب إلى إبلاغ المباحث، وعلى الفور اتجه رئيس مباحث الهرم إلى المحل الذي يملكه عبد الرحمن وألقى القبض عليه، وحاول صاحب المحل الإنكار، لكن فارس وراندة تعرفا على معتز وعبد الرحمن، وأكدت الطفلة أنهما كانا يعتديان عليها بالضرب بسبب بكائها.

لم يجد معتز وصاحب المحل مفراً من الاعتراف بجريمتهما، وأكدا أنهما شاركا في عصابة للخطف وتقديم الأطفال الذين ترفض أسرهم دفع الفدية إلى طبيب يستخدم أعضاء الأطفال في عمليات جراحية مشبوهة.
وبدأت رحلة البحث عن بقية أفراد العصابة، وعلى رأسهم شاب تستر بشعارات شباب الثورة المصرية واتجه إلى إحدى خيام ميدان التحرير للاختفاء فيها بعيداً عن قبضة الشرطة. وتكثف الشرطة بحثها عن الطبيب الذي فقد كل معاني الرحمة وراح يتاجر بالأعضاء البشرية. ولكن القضية لم تنته عند هذا الحد، فأسرة راندة ما زالت تتلقى تهديدات من المختطفين.

تقول والدة رانده: «ما زالت أسرة العصابة تهددني بالقتل في حال عدم تنازلي عن المحضر وتغيير أقوالي في النيابة... هؤلاء يستحقون الإعدام بسبب جرائمهم البشعة التي راح ضحيتها أطفال في عمر الزهور، شاء حظهم العاثر وقوعهم في طريق الجناة الذين احترفوا الخطف والقتل، وبيع الأطفال لعصابات الاتجار بالأعضاء البشرية».
اتجهت الأم إلى النيابة لتحرير محضر جديد بالتهديدات، التي تتعرض لها بشكل يومي على هاتفها المحمول وهاتف منزلها من أقارب المتهمين، وطلبت اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتها.
ولا يزال البحث مستمراً عن المجرم الهارب.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078