تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

محترف خطف الفتيات يعترف...

اسمه كان يثير الرعب في أوساط العائلات في الإسكندرية، فعلى مدار سنة تحوّل خميس إلى كابوس في كل بيت هناك... تخصص في خطف البنات الصغيرات، وسرقة ذهبهن، وطلب فدية من عائلاتهن مقابل إعادتهن.
سنة كاملة ظل خميس، أو كما أطلق عليه «السفاح»، يسبب ذعراً بين العائلات، الجميع كانوا يخشون وقوع بناتهم فريسة له، فرغم أنه لا يقتل، إلا إن الساعات والأيام التي تمضيها الضحية تحت سيطرته تحتاج بعد ذلك إلى جلسات علاج نفسي لها لإزالة آثارها... فكيف بدأ السفاح رحلته مع الجريمة؟ وكيف سقط في قبضة الشرطة؟



«فتش عن المرأة»، هذه القاعدة ما زالت تحكم تصرفات رجال الشرطة، ويطبقونها في معظم الجرائم التي يبحثون عن مرتكبيها. وقبل أيام تنفست محافظة الإسكندرية الصعداء بعد سقوط سفاح الأطفال، المحترف خطف الإناث الصغيرات وسرقة ذهبهن وابتزاز أسرهن.
كشفت اعترافات السفاح تورط زوجته وشقيقتها في التخطيط لهذه الجرائم، واكد أن دوره يشبه دور «عبد العال» في جرائم «ريا وسكينة»، فهو يساعد المتهمين في السيطرة على الأطفال، واحتجازهن، وبيع المجوهرات الذهبية المسروقة.

بكى السفاح وهو يعترف بأنه كان في شبابه مجرماً عاتياً، لكن قبل أشهر، وبعد خروجه من السجن قرر اعتزال الجريمة والتوبة نهائياً والابتعاد عن هذا العالم، ودعا الله أن يساعده في توبته، وأكد لزوجته فاطمة أنه سيبحث عن عمل شريف يتيح له تكسب عيشه من الحلال. أبدت الزوجة في البداية موافقتها على قرار زوجها، ولكنها في قرارة نفسها كانت تضمر شراً. ومع مرور الأيام تعقدت الأمور في منزل المجرم التائب، فقد فشل في الحصول على عمل مناسب بسبب تاريخه الإجرامي القديم، وضاقت الدنيا أمام خميس، وبدأت زوجته تنفذ الجزء الأول من خطتها.


«زوجتي شيطانة»

أبدت الزوجة تذمراً شديداً من عدم وجود أموال، وذكّرت زوجها بأنه ملزم باحتياجات المنزل. حاول خميس إقناعها بمساعدته والبحث عن عمل الى حين عثوره على وظيفة، لكن الزوجة أكدت أن حالتها الصحية لا تسمح لها بذلك، وبدأت تضيق الخناق على زوجها الذي راحت قواه تخور، وعادت الشياطين تسيطر على عقله من جديد. كانت الأموال تأتي إليه بسهولة حين كان مجرماً، محترفاً لجرائم السرقة بالإكراه، يكسب أكثر من ألفي جنيه كل يوم، وينفق ببذخ، لكنه الآن لا يجد قوت يومه. وبدأت زوجته وشقيقتها تستغلان حالة التردد والقلق التي أعيت خميس. وأكدت له زوجته أن عليه أن يؤمن مستقبلها قبل أن يفكر في التوبة، وبدأ المجرم التائب يستمع لزوجته التي كانت تبث سمومها في عقله وقلبه.

أدركت الزوجة أن زوجها أصبح مهيَّأً لتنفيذ تعليماتها، وبدأت تشرح له خطتها. وأنصت خميس إلى المرأة التي بدأت تسرد له تفاصيل خطتها، فأخبرته أنها ستستدرج الصغيرات دون السادسة أثناء خروجهن من مدارسهن، بحجة أنها ستوصلهن إلى الحافلة التي تقلهن الى بيوتهن. وخلال لحظات ينقض خميس بسيارة مستأجرة ليخطف فيها الطفلة ويصطحبها إلى منزله.

وأضافت الزوجة فاطمة أنها ستقوم بمساعدة شقيقتها بانتزاع الأقراط الذهبية التي تتحلى بها البنات، وستحصل منهن على عناوين أسرهن وأرقام هواتف الآباء لابتزازهم وطلب فدية في مقابل إعادة البنات.
راقت الفكرة لخميس وأبدى استعداده لتنفيذها، وبعد ساعات تحركت فاطمة في اتجاه إحدى مدارس الابتدائي حيث وقعت عيناها على طفلة في الصف الأول الابتدائي تضع قرطاً ثميناً. الطفلة كانت تتلفت حولها وكأنها تبحث عن والدها، وتحركت فاطمة بسرعة متجهة نحو الطفلة، ولاطفتها بعد أن التقطت اسمها من إحدى زميلاتها.

أخبرت فاطمة الطفلة أن أمها في انتظارها وبكل براءة سألت الطفلة: أين أبي؟ لماذا لم يأت لإحضاري؟
أجابت فاطمة بسرعة: هو مرتبط بعمل مفاجئ، وينتظرنا في في المنزل الآن. استسلمت الطفلة منار لفاطمة التي اقتادتها إلى السيارة التي يقودها زوجها الذي انطلق بها نحو منزله، وظهر الذعر على وجه منار حين انتزعت فاطمة قرطها، وحصل خميس على رقم هاتف والدها واتصل به وطلب منه 10 آلاف جنيه في مقابل إعادة ابنته... وافق الأب على الفور، وحدد له خميس مكان تسليم الأموال التي وضعها الأب في حقيبة، وتركها في مقهى بوسط الإسكندرية وغادر المكان، وبعد نصف ساعة أرسل خميس الطفلة منار إلى مدرستها.


الجريمة الثانية

الغنيمة كانت كبيرة، عشرة آلاف جنيه فدية وألف جنيه أخرى ثمن بيع مجوهرات الصغيرة منار. الزوجة وشقيقتها التي شاركتها، كانتا في قمة سعادتهما، بينما عانى خميس من تأنيب الضمير لبعض الوقت، لكن الزوجة نجحت في إخراج زوجها من هذه الحالة حين شاهد بريق المال. وبدأت تخطط معه للجريمة الثانية.
تكرر السيناريو، لكن خميس لم يكن يطلب فدية في بعض الحالات ويكتفي بسرقة الذهب، وذلك حتى لا يترك الفرصة لرجال المباحث ليتابعوا هواتف العصابة. وأكد لزوجته أن جرائم الخطف وطلب فدية تمثل خطورة وتستنفر أجهزة الأمن للقبض بسرعة على مرتكبيها، لكن الزوجة أكدت له في الوقت نفسه أن مبالغ الفدية ضخمة وهي أقصر الطرق لتأمين مستقبلهما.

عاد خميس واستجاب لرغبة زوجته، وبدأ يتصل بالآباء ويطالبهم بفدية مقابل إعادة بناتهم. وخلال أشهر تغيرت حياة خميس، الذي أصبح يمتلك آلاف الجنيهات. اشترى سيارة، وفتح رصيداً في أحد البنوك، وبدأ يفكر جدياً في التوقف عن الجريمة.
طرح الفكرة على زوجته التي تملّكها الشيطان، وأكدت لزوجها أنها توافق تماماً. لكنها في الوقت نفسه ترغب في ارتكاب ثلاث أو أربع جرائم أخرى، أملاً في المزيد من التأمين للأسرة وجمع المزيد من المال.

واقتنع خميس بوجهة نظرها، ولم يكن يعلم أنها تقوده إلى الهاوية، ففي هذه الأثناء كانت مباحث الإسكندرية تسابق الزمن للتوصل إلى السفاح الذي أثار الذعر في أوساط العائلات. وكان أولياء أمور تلميذات الابتدائي يعيشون حالة من القلق. يصطفون بالمئات أمام المدارس لحظة خروج التلميذات خشية تعرضهن للخطف على يد سفاح الأطفال الذي ذاع صيته في الإسكندرية. وبدأ رجال المباحث نشر أوصاف المجوهرات المسروقة على محلات الذهب، وطلبوا منهم سرعة إبلاغ الشرطة عند الشك في أي شخص يبيع الذهب دون فاتورة.

في هذه الأثناء كان خميس يكرر الدور الذي احترفه، ويتظاهر بالحزن الشديد وهو يتحدث مع أحد أصحاب محلات المجوهرات، ويؤكد له أن ابنته مريضة ولا يملك أموالاً لعلاجها، ولهذا اضطر لبيع ذهبها وأنه نسي الفاتورة. ظهر الشك على وجه صاحب محل مجوهرات، لكنه أخفى شكوكه وطلب من خميس الانتظار قليلاً، وسارع الى الاتصال بالشرطة. وفي دقائق وصلت سيارة الشرطة، فحاول خميس الهرب لكن الضباط تمكنوا من الإمساك به، لتنتهي أسطورة سفاح الأطفال. اعترف بجرائمه أمام النيابة التي قررت حبسه، وأرشد الى أصحاب محلات المجوهرات التي اشترت الذهب المسروق. وفي تلك الاثناء هربت الزوجة وشقيقتها تاركتين خميس يواجه مصيره وحيداً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078