تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

مفتي مصر الدكتور علي جمعة...

مع اقتراب موسم الحج تكثر علامات الاستفهام في أذهان حجاج بيت الله الحرام حول العديد من التفاصيل التي تخص رحلتهم مع الحج، حتى ينالوا ثوابها كاملاً، ولا يقعوا في أي أخطاء ناتجة عن عدم معرفتهم بأحكام الحج الصحيح.
«لها» التقت مفتي مصر الدكتور علي جمعة، ليجيب على الأسئلة التي تشغل أذهان المقبلين على الحج
.


حدود الاستطاعة

- ما هي حدود الاستطاعة التي تفرض علينا أداء الحج والعمرة؟
شروط الاستطاعة عديدة أهمها أن يكون الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، صحيح البدن، وأن يملك من المواصلات، أياً كان نوعها، ما يصل به إلى بيت الله الحرام لأداء المناسك، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً زائداً على نفقة من تلزمه النفقة عليه، ومن ثمَّ لا يجوز مثلاً الاستدانة لأداء الحج أو العمرة.

- ما حكم حج المرأة من دون مِحرم لكن مع نسوة ثقات؟
هذه قضية اختلفت فيها آراء الفقهاء، لكن الأقوى أنه لا يجوز لها أن تسافر للحج ولا العمرة إلا مع زوجها أو مِحرم لها من الرجال، فإذا لم يتوافر ذلك فقد أباح بعض الفقهاء لها أن تسافر مع نسوة ثقات ، أو مع أفواج الجمعيات الخيرية حتى لو كان الفوج المسافر معها به نساء ورجال وليس قاصرا على النساء فقط، لكن بشرط أن تكون الصحبة آمنة ديناً وخلقاً، لكنها تكون آثمة في سفرها من غير مِحرم، إذا كان هذا المحرم متوفراً وتعلم بضرورة وجوده معها.  

- ماذا تفعل المرأة إذا كانت راغبة في حج الفريضة للمرة الأولى بغير إذن زوجها الذي يرفض ذلك مثلاً؟
 حج الفريضة أول مرة واجب شرعاً، إذا توافرت الشروط التي تسمح للمسلمة بأدائه، وليس من بين هذه الشروط إذن الزوج، وخاصة إذا كان متعنتاً أو ليست في الأسرة ظروف قهرية تمنعها من السفر للحج. وبالتالي لا يجوز للزوج منع زوجته من أداء فريضة الحج، بل عليه أن يكون متعاوناً ويسافر معها أو يوفر لها مِحرماً تسافر معه أو صحبة آمنة.

- أليس في حجها رغماً عنه معصية لله لأنها مأمورة بطاعة زوجها؟
إطلاقاً، بل يجب عليها شرعاً أن تحج ولو لم يأذن زوجها، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولا شك أن المنع من السفر للحج، مع المقدرة وتوافر الظروف، معصية يأثم عليها الزوج.

- وماذا تفعل إن هددها بالطلاق إذا سافرت بدون إذنه أو رغماً عنه؟
 عليها التفاهم معه قدر الاستطاعة، عن طريق استشارة المقربين منه واتخاذهم وسيلة للضغط، لأن منعه لها أقرب إلى العضل الذي يجوز فيه الاستعانة بالغير للصلح وزيادة التفاهم، لقوله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» آية  128 سورة النساء.


نفقة حج الزوجة

- إذا كان الزوج غنياً وزوجته ترغب في الحج فهل تجب عليه نفقة حجها؟
لا شك أن من حسن المعاشرة والإحسان بالمعروف التعاون في أداء الطاعات والعبادات، خاصة بين الزوجين. ولكن لا يُلزم الزوج شرعاً بنفقات حج زوجته، حتى وإن كان غنياً، وإنما ذلك من باب المعروف الذي يثاب عليه، لأنه من باب التعاون الذي أمرنا الله به في قوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» آية 2 سورة المائدة.

- لا يوجد إنسان إلا وعليه ديون، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، فما حكم حج من عليه دين لغيره؟
على الإنسان ألا يستدين إلا للضرورة القصوى، ومن ثمَّ إذا كان المدين يقوى على تسديد الدين مع نفقات الحج، ولا يعوقه الحج عن السداد، فلا مانع شرعاً. كما أن الإنسان المدين يمكن أن يستأذن صاحب الدين لتأجيل سداد الدين إلى حين العودة من الحج، وإلا فلا يجوز لأن قضاء الدين مقدم.

- هل معنى هذا أنه إذا حج وهو مدين حجه غير مقبول؟
 الحج صحيح، ولكننا نقول الأفضل أن يؤدي ما عليه من دين أو يستأذن صاحب الدين.


الملابس البيضاء

- غالبا ما نرى النساء يرتدين الملابس البيضاء في الحج، فهل هذا واجب شرعاً أم أن المسألة اختيارية؟
ارتداء النساء للملابس البيضاء هو من قبيل العادة والاستبشار، باعتبار أن اللون الأبيض مشرق ومريح. لكن للمرأة أن تحرم في ما شاءت من الملابس بأي لون، لأنه ليست هناك ملابس مخصوصة في الإحرام كما يظن الكثيرون.

- ما هي الضوابط الشرعية لهذه الملابس حتى لا تخرج عن المقبول شرعاً؟
من الواجب عليها شرعاً أن يكون إحرامها في ملابس غير لافتة لنظر الرجال، لأنها تختلط بهم، ولهذا ينبغي أن تكون ملابسها محتشمة قدر الاستطاعة وليس فيها فتنة.

 

- هل معنى هذا أن حجها يكون مرفوضاً إذا حجت بملابس لافتة للنظر؟
لا شك أن مساعدتها في إغراء الرجال أو لفت نظرهم معصية. ومن ذهبت للحج هدفها القبول من الله ومغفرة الذنوب، ومع هذا لو أحرمت في ملابس جميلة صح إحرامها، لكنها تركت الأفضل، وحسابها على الله، لكننا ننصح بأن تكون الملابس عادية ومحتشمة وواسعة وفضفاضة.

- اذا كانت المرأة تحج وفوجئت بالحيض فماذا تفعل؟
يجب على من نزل بها الحيض قبل أن تطوف طواف الإفاضة البقاء في مكة حتى تكمل حجها، لقوله صلى الله عليه وسلم،  لما أخبر عن صفية يوم النحر أنها حائض: «أحابستنا هي؟ فقالوا: يا رسول الله قد أفاضت فقال: انفروا».
وذكر أهل العلم أن من لم تستطع البقاء إلى أن تطهر جاز لها النفير ثم الرجوع إلى مكة لتكمل حجها، لقول الله سبحانه: «فَاتَّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُم» آية 16 سورة التغابن. وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»، أما طواف الوداع فيسقط عن الحائض.

- وماذا تفعل إذا حاضت المرأة قبل أن تطوف طواف الإفاضة؟
إذا حاضت المرأة قبل طواف الحج يبقى عليها الطواف حتى تطهر، فإذا طهرت تغتسل وتطوف لحجها، ولو بعد الحج بأيام، حسب التيسير، وليس له وقت محدود. وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز تأخيره عن ذي الحجة، ولكن المبادرة به أولى مع القدرة.


الحائض وقراءة القرآن

- هل يجوز للمرأة التي حاضت أثناء الحج  قراءة كتب الأدعية رغم أن فيها آيات قرآنية؟
لا حرج أن تقرأ المرأة الحائض من كتب الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، لأن غالبيتها ليست من القرآن الكريم، وننصحها أن تقرأ ما تحفظ من القرآن لأنها ستكون قراءة بدون مس المصحف.

- مثلما تحرص بعض النساء في رمضان على صيام الشهر كاملاً بتناول حبوب منع الحيض فهل يجوز لهن تناول هذه الحبوب أثناء أداء فريضة الحج؟
تناول تلك الحبوب من الأمور المباحة التي لم يرد نص بتحريمها، لهذا فهي من المباح شرعاً للمرأة، بشرط أن يكون ذلك بعد استشارة الطبيب حتى لا تكون لها آثار ضارة عليها، وفقاً لظروفها الصحية، لأن الدين يسر لقوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» آية 185 سورة البقرة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». وفي ضوء استشارة الطبيب يجوز، أو لا يجوز، للمرأة التي تحج أن تأخذ حبوباً تؤجل بها الدورة الشهرية حتى تؤدي فريضة الحج.

- كيف تصلي الحائض ركعتي الإحرام؟
يرى جمهور الفقهاء أن الحائض لا تصلي ركعتي الإحرام، بل إنها تحرم من غير صلاة، بل إن ركعتي الإحرام سنة عند الجمهور، وبعض العلماء لا يستحبها لأنه لم يرد فيها شيء مخصوص، والجمهور استحبها ومن المقرر شرعاً أن الحائض والنفساء لاتصليان، وبالتالي فهما تُحرِمان من دون الصلاة.


حل الضفائر

- هناك اعتقاد لدى كثير من النساء أنه يحرم قيام المرأة بحل ضفائر شعرها أثناء الإحرام فهل هذا صحيح؟
هذا اعتقاد لا أصل له في الشرع، وبالتالي حل الضفائر ليس فيه شيء، ما لم تتعمد قطع شعرها، أما أن تنقض ضفائرها للغسل أو غير ذلك من الأسباب فلا بأس.

- معنى هذا أنها ممنوعة من قص شعرها أوقطع أي جزء منه؟
نعم، يحرم على المرأة قطع أو قص جزء من شعرها حتى تنتهي من إحرامها، أما إذا حلت ضفائرها لغسل رأسها فلا شيء في ذلك. 

- هل يجوز للمرأة أن تضع حناء بيديها أو رجليها أثناء أدائها مناسك الحج؟
من حيث المبدأ ليس هناك مانع شرعاً، بشرط ألا يكون ذلك للتزين ولفت النظر، ولهذا ننصحها إذا وضعت الحناء بيديها أو رجليها أن تسترها عن الرجال قدر استطاعتها، لسد أبواب الفتنة.

- هل يختلف حكم الحناء إذا كانت مختلطة بالطيب من العطور أو الروائح التي قد يشمها الرجال؟
الطيب للمرأة في الحج ممنوع، ولهذا لا يجوز وضع الحناء إذا كانت مختلطة بطيب، أخذاً بالأحوط وسداً للذرائع.


الحج والعمل والمخالفة

- هل يصح الحج لمن يعمل بعقد عمل في السعودية في موسم الحج؟ وما الحكم الشرعي إذا خالف التعاليم السعودية المنظمة لذلك؟
هناك فرق بين صحة الحج وجوازه، فإذا اكتملت أركان الحج وواجباته فالحج صحيح يُسقط الفرض، وأما جوازه فشيء آخر. فإذا كان مثلاً عقد العمل لا يسمح لك بالحج فخالفت وحججت، فهذا إثم لمخالفة شرط العقد وما يترتب على ذلك من الضرر الذي يلحق بك وبالآخرين، مع كون الحج صحيحًا إذا استوفى أركانه وشروطه.

 

- هل استخدام الصابون المعطر أثناء الإحرام ممنوع؟
استخدام العطر في البدن أو الثياب أو الطعام لمن تلبَّس بالإحرام من المحظورات، ولكن هل الصابون المعطر من العطر؟ هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنه من العطر ومنهم من يرى أنه ليس من العطر، والاحتياط أحسن.

- هل يجوز لشخص يملك مالاً يكفي للحج ولكن صحته لا تمكنه من أدائه بنفسه أن يوكِّل من يحج عنه؟
نعم يجوز ذلك بشرط أن يكون من تتم إنابته قد أدى الفريضة عن نفسه. 


مخاطر التزاحم

- نظرا للتزاحم الشديد ما حكم ترك المبيت بمنى للضعفاء والمرضى والنساء من الحجاج؟
نعم يجوز، لأن المحافظة على النفس من المقاصد المهمة للشريعة، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وإذا كان هناك تعارض بين المصالح وفق بينها وإلا قدم أعلاها على حساب أدناها، والمحافظة على أرواح الحجيج واجب شرعي فعلى الجميع أن يعملوا على المحافظة عليها، لعظم حرمتها، فعن ابن عباس قال: لما نظر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الكعبة قال «مرحبًا بك من بيتٍ ما أعظمك وأعظم حرمتك ولَلمؤمنُ أعظم عند الله حرمةً منك». وفي هذه الأيام تزداد الحاجة إلى التيسير على الناس في فتاوى الحج وأحكامه، فإن من الحكمة مراعاة أحوال الناس في أدائهم لمناسك الحج بحيث نجنب الحجيج ما قد يصيبهم من أمراض وأوبئة، حتى يعودوا إلى أهلهم سالمين غانمين إن شاء الله تعالى، خاصة في الأماكن التي يكثر فيها التجمع والتي جعل الله فيها سعة لعباده.

والمبيت بمنى ليالي التشريق مختلف فيه بين العلماء، فالجمهور من الشافعية والحنابلة والمالكية يرون أنه واجب، والحنفية يرون أنه سنة، ووافقهم في ذلك بعض أقوال في المذاهب الأربعة، وإن كانت غير معتمدة عندهم.
ومما يقوي القول بالسنية أيضًا أن يقال: إن المبيت ليس مقصودًا في نفسه، بل قد شرع لمعنى معقول وهو الرفق بالحاج، بجعله أقرب لمكان الرمي في غده، فهو مشروع لغيره لا لذاته، وما كان كذلك فالشأن فيه ألا يكون واجبًا.
وإذا أضفنا إلى ما سبق اعتبار ما يعتري الحجيج، من تعب شديد، وضيق مكان، وخوف مرض، كان القول بسنية المبيت بمنى وعدم وجوبه هو المختار للفتوى.
وحتى على قول الجمهور إن المبيت بمنى واجب، فإنهم يرخصون لمن كان ذا عذر شرعي بترك المبيت، ولا إثم عليه حينئذ ولا كراهة، ولا يلزمه شيء أيضًا، ولا شك أن الخوف من المرض من جملة الأعذار الشرعية المرعية.


الإنابة في رمي الجمار

- هل تجوز الإنابة في رمي الجمار للضعفة والمرضى والنساء؟
نعم هي جائزة، ودليل ذلك أنه تجوز الاستنابة في الحج، فالاستنابة في الرمي جائزة من باب أولى، لأن الحج رمي وزيادة، وهي رخصة لأهل الأعذار من المرضى ونحوهم ممن توجد فيه العلة.

- هل يجوز للمحرم أو المحرمة أن يغطي نفسه بشيء يتدفأ به؟
المحرم بعمرة أو بحج ممنوع من لبس المخيط والمحيط، وهو المفصل على قدر العضو من أعضاء الجسم، كالقميص والسراويل والخُفين غير المقطوعين أسفل الكعبين ونحو ذلك، أما ما يُلف على عضو من الأعضاء من غير أن يكون مفصلاً عليه فلا يضر، فلو أخذ قميصًا أو ملاءة أو لحافًا فلفها على جسمه لدفع البرد أو لستر العورة أو غير ذلك فلا يضره ذلك.

- هل يجب على المرأة تغطية وجهها في الحج؟
المُحرمة بحج أو بعمرة إحرامها في وجهها وكفيها، فيجب عليها ألا تغطي ذلك منها ولها بعد ذلك لبس ما تشاء وتغطية رأسها بما تشاء.


الحج عن الغير

- هناك من يسأل: حججت مرة واحدة عن نفسي ثم حججت مرة واحدة عن جدتي المتوفاة، فهل يجوز أن أحج عنها مرة أخرى؟
لا مانع شرعًا من تكرار الحج عن الغير.

- هناك سؤال لآخر يقول فيه: أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجه؟ وهل يُغني عن حج الفريضة؟
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لقي ركبًا بالروحاء فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر».
وعلى ذلك يصح حجُّ ابنك الصبي ما دمت ستستكمل له أركان حجه وواجباته، ويحسب له حسناته كحج نافلة، ولذا لا يغني عن حج الفريضة، لأن شرط العبادة المفروضة التكليف والصبي غير مكلف.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078