تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

أسطورة مغربية مسرحها جبال الأطلس

اختتم موسم الخطوبة السنوي في إملشيل، القرية الواقعة في جنوب شرق المغرب، بإقامة عرس تقليدي جماعي لثلاثين من العرسان والعرائس الذين ينحدرون من مختلف قبائل المنطقة.

هو موسم يخلّد أسطورة تمجّد الحب الأبدي، ففي جو من الاحتفال والبهجة، تقدم العرسان تباعا وهم يرتدون أجمل الملابس التقليدية أمام العدول (هم موثقو العقود) بقصد إضفاء طابع الشرعية على علاقتهم الزوجية، وفي الوقت ذاته تكريس تقليد اجتماعي يضرب بجذوره في عمق تاريخ هذه المنطقة. وقد تدفّق على إملشيل العديد من الزوار بمن فيهم الذين اعتادوا التردد على المنطقة من جنسيات مختلفة، وتفاعلوا بشكل مع أهازيج وإيقاعات فرقة أحيدوس للفنون الشعبية المنتسبة إلى قبائل ايت حديدو، والتي رددت أغاني ومواويل تتغنى بحفلات الزفاف الأمازيغية.

كما تذوق الحاضرون، خلال هذه المناسبة، رغيف «أبادير» الذي يميّز الأعراس التقليدية ويعدّه الرجال من عائلة العريس لتقديمه إلى عائلة العروس.
وتعيش إملشيل، التي يلتقي عندها شرق الأطلس الكبير وغربه على ارتفاع 2200 متر، تمجيدا لأسطورة حب محلّية لا تقل مأسوية عن قصة روميو وجولييت. ويعدّ المهرجان الذي تبنته السلطات منذ ستينات القرن الماضي، محطة فريدة لتثمين الثقافة المحلية، وتخليد طقوس تقليدية ضاربة في القدم، وتحرص قبائل «آيت حديدو» الأمازيغية التي سكنت المنطقة منذ القرن الـ 17، على صيانتها في منطقة شبه معزولة تعتمد على الرعي وبعض النشاطات الزراعية البسيطة.

شباب بجلابيبهم البيضاء، وفتيات متشحات بأزيائهن التقليدية وحليهن الأمازيغية المميزة، يلتقون في فضاء مفتوح لإتمام مراسم الزواج الجماعي الذي تتكفّل السلطات بمصاريف وثائقه الادارية.
ولا يملّ سكان المنطقة تذكير ضيوفهم المغاربة والأجانب المتقاطرين من القارات الخمس، بأسطورة الحب الضائع التي تؤطر احتفالاتهم المتواصلة حتى اليوم. وهي تقول إن فتى من قبيلة «آيت ابراهيم» ارتبط في زمن غابر بقصة حب جارفة مع فتاة من قبيلة «آيت عزة». العداوة المستحكمة بين القبيلتين تحرم الحبيبين من الاجتماع تحت سقف بيت واحد، فيفران الى جبل مجاور، ويذرفان دموع اليأس التي تفجّرت بها بحيرتان شهيرتان في المنطقة تحملان اسم العريس (ايسلي) والعروس (تسليت). ومذّاك تحرص هذه القبائل على الاحتفال بزيجاتها تكفيرا عن تجنيها على الحبيبين الخائبين.

ويقول مدير المهرجان مصطفى تيليوا إن موسم الخطوبة في إملشيل هو في الواقع موسم للزواج الجماعي يمرّ في أجواء شعبية واحتفالية تكرّم المرأة عبر الاحتفاء بها وتقديرها أمام الحاضرين في هذا الموسم.
ويظهر هذا التقدير حسب تيليوا من خلال طقوس تبرز إجلال الخاطب أو الزوج للفتاة أثناء التقدم أمام العدول لعقد القران بشكل رسمي وشرعي، مع ترديد الأهازيج التي تحيي في نساء المنطقة عزتهن وكبرياءهن وصبرهن في بيت الزوجية. ويضيف أن موسم الخطوبة يعد فضاء تجارياً واقتصادياً، ففيه يلتقي الطلب والعرض بشكل هائل، وتزدهر مهن عديدة على هامش احتفالات الأسر بزواج أبنائها وبناتها على مدى ثلاثة أيام كاملة.

وترتبط هذه المهن ببيع مواد التزيين للنساء مثل الحناء والكحل والقلادات والحلي المختلفة الألوان والأشكال، وبعض أجزاء اللباس الرجالي من قبيل العمامة والقلنسوة، فضلاً عن مُنتَجات تقليدية وخزفية تجعل منها الأسر المُحتفلة هدايا للعرسان الجدد.
ويزخر هذا الموسم بسوق تقليدية كبرى تعرف حضور آلاف الزبائن خاصة من أبناء المنطقة الذين يحرصون على اقتناء المؤونة اللازمة لمنازلهم قبل حلول فصلي الخريف والشتاء حين تشتد برودة الطقس في جبال الأطلس.

وفي حالة املشيل، يقول الدكتور مصطفى تيليوا إن الدورة الثامنة لمهرجان موسيقى الأعالي التي أقيمت في موازاة موسم الخطوبة الجماعي هذه السنة، ساهمت في إنعاش الطاقات وفتح آفاق وآمال جديدة أمام سكان المنطقة، وهذه كلها أشياء يمكن لمسها من خلال التطور السريع والايجابي الذي شهده القطاع السياحي في المنطقة في السنوات الأخيرة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079