حلم الثراء قاده للسجن
حين جاء إلى القاهرة قبل عام واحد، لم يكن أمامه سوى حلم وحيد. أراد أن يجرب المغامرة بحثاً عن الكنوز الأثرية التي قرأ عنها كثيراً، وكم تمنى أن يجيء إلى القاهرة ليقترب من تحقيق حلمه، فقد عاش في إحدى الدول الخليجية، يقرأ كثيراً عن عالم الفراعنة ولعنتهم وحياتهم الساحرة، حتى أصبح القبطان البحري محسن قريباً جداً من هذا العالم، بل أصبح عنصراً فاعلاً في عصابة لسرقة الآثار وتهريبها. ومع مرور الوقت أصبح هو الزعيم، الجميع يثقون بأفكاره وينفذون تعليماته بحذافيرها.
كاد الحلم يتحقق، فالقبطان الخليجي وعصابته كانوا على مقربة من حقيبة الملايين، وكادت تنتهي صفقة الآثار الكبرى نهاية سعيدة لعصابة القبطان الخليجي لولا سوء الحظ، في اللحظة التي راح كلٌّ من أفراد العصابة يحلم فيها بما سيفعله بالأموال الطائلة التي ستهبط عليه... فجأة ضاع كل شيء، وأحاطت سيارات الشرطة بالجميع من كل جانب.
لم يصدق محسن أن الحلم الذي كان على مسافة خطوات منه، سيضيع فجأة، ولكن مشاهد السيناريو الذي رسمه انتهت في قسم الشرطة بدلاً من المطار. وفي طريقه إلى النيابة تحسس محسن جواز سفره وحقيبة ملابسه، كان قد أعد كل شيء، يحصل على الملايين ويسافر إلى بلاده، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. في مكتب رئيس النيابة لم يستطع القبطان الخليجي الإنكار، فقرر الاعتراف بكل شيء، لأن التهمة ثابتة ضده، وأفراد عصابته اعترفوا بكل بشيء... ودار شريط الذكريات في عقل محسن.
قبل ثورة «25 يناير» كان يعمل في إحدى الشركات البحرية بمصر، فكر في السفر إلى بلاده بعد اندلاع الثورة، ولكنه توقف أمام خبر منشور في إحدى الصحف عن سرقات الآثار التي انتشرت في مصر. عادت به الذاكرة إلى الوراء، فهو يعشق الآثار، ويحب هذا العالم الغامض المليء بالأسرار.
عاد حلمه إلى النور، فكر في تتبع أثر بعض القطع الأثرية المسروقة ليشارك هذه العصابات بأفكاره، وبدأ الاتصالات مع أصدقائه ومعارفه. وبعد أسابيع التقط طرف الخيط، تعرف على سائق من الصعيد كان بحوزته ثلاثة تماثيل أثرية مسروقة.
تحدث محسن مع السائق، وتمكن من السيطرة على أفكاره، واتفق معه على مشاركته خطة بيع التماثيل. واقتنع السائق بوجهة نظر القبطان الخليجي الذي قال له إن عصابات سرقة الآثار لا بد لها من أن تضم حراساً مسلحين لحماية صفقات البيع، وكذلك خبيراً في القطع الأثرية يجيد لغات عدة، حتى يتمكن من الاتصال بالمهتمين بهذه التجارة وترويج الآثار المسروقة.
اقتنع السائق شوقي بحديث محسن، وطلب منه أن يصبح زعيماً لعصابة الآثار، وراقت الفكرة للقبطان الخليجي الذي عاد إلى إجراء اتصالاته، وتمكن من تجنيد أشخاص ليقوموا ببقية المهمات في عصابة الآثار.
استأجر ثلاثة من المسجلين الخطرين المسلحين، وكلفهم مهمة حراسة الآثار، وتأمين تحركات المجموعة. واتفق مع خبير آثار سيِّئ السمعة ليشاركهم في مهمة البحث عن زبون للآثار المسروقة، بعد أن أكد الخبير أنها تماثيل تعود إلى عهود فرعونية نادرة، وقيمتها تتجاوز ثلاثة ملايين دولار.
سال لعاب الجميع حين سمعوا هذا الرقم، لكن الخبير عاد ليؤكد لهم أن مسألة بيع هذه الآثار محفوفة بالأخطار، وكذلك العثور على مشترٍ موثوق به مسألة شديدة الصعوبة في ظل الظروف التي تعيشها مصر.
لكن القبطان قرر استغلال مهاراته في البحث على شبكة الإنترنت، وبدأ يرسل إعلانات عن طريق الإنترنت لجذب محبي الآثار، ولصوص الآثار العالميين، وترك رقم هاتف أحد الحراس المسلحين. وبدأت العصابة تتلقى اتصالات، تولى خبير الآثار صادق الرد عليها، وبدأ يتفاوض مع راغبي الشراء.
كان الخبير يتشاور مع القبطان الخليجي في ما وصل إليه مع زبائن الآثار، وفيما كان محسن يريد أن يصل إلى أعلى سعر ممكن، نصحه الخبير بألا يرتفع بسقف المبلغ إلى حد بعيد خشية امتناع جميع الزبائن عن الشراء. وبدأت مفاوضات البيع بين خبير الآثار وبين الأجانب الراغبين في شراء التماثيل المصرية، واقترب الرقم من مليوني دولار، وبدا محسن شديد السعادة.
دخلت الاتصالات مع التجار الأجانب مراحلها الأخيرة، وتم الاتفاق مع محسن وعصابته على الالتقاء في القاهرة بعد أسبوع. وفي هذه الأثناء كان محسن يجهز جواز سفره وحقيبة ملابسه لمغادرة مصر في الليلة نفسها التي يتسلم فيها أموال صفقة الآثار. في الوقت نفسه كلف مساعديه تأمين موعد تسليم الصفقة، واستئجار سيارة حديثة لنقل العصابة.
ساعة الصفر
اقتربت ساعة الصفر، وبدأ التوتر يكسو ملامح القبطان محسن، لم يتخيل أن الحلم يقترب من التحقق، تحسس قطع الآثار الثلاث وكأنه يتحدث إليها، فقبل شهور جاء إلى مصر للعمل، وها هو الآن يعود إلى بلاده ومعه مبلغ لا يقل عن مليون دولار.
لم يكن يعلم أن الساعات المقبلة لن تأتي له بخبر سار، ففي هذه الأثناء كانت أجهزة الأمن تتابع بعض لصوص الآثار العالميين الذين وصلوا إلى مطار القاهرة.
راجع مدير الأمن العام كشوف الآثار المسروقة، وتأكد أن لصوص الآثار الأجانب في طريقهم لإتمام صفقة شراء قطع أثرية حصل عليها لصوص من المتاحف أثناء فترة الانفلات الأمني التي استمرت بضعة أيام بعد ثورة «25 يناير». طلب مدير الأمن العام اللواء محسن مراد من ضباطه مراقبة الأجانب الثلاثة الذين استأجروا سيارة رباعية الدفع وانطلقوا بها عبر طريق الواحات - السادس من أكتوبر، وبعد ساعة كاملة توقفت سيارة الأجانب وبدأت تصدر أضواء بطريقة معينة، وكأنها إشارة إلى آخرين، وفي هذه الأثناء ظهرت سيارة أخرى واقتربت من الأجانب.
ولكن خبرات العمل الإجرامي دفعت الأجانب إلى الهرب، فوراً بعد أن أحسوا بوجود مكمن من أجهزة الأمن، وانتبه محسن لما يحدث، وأدرك أن الشرطة تحاصر المكان، فكلف الحراس المسلحين بإطلاق النار لتغطية هروبه، وتبادلت عصابة الآثار مع الشرطة إطلاق النار، وانطلقت سيارة القبطان ومعه القطع الأثرية، وظن أنه سيتمكن من الهرب. لكن المطاردة لم تستغرق وقتاً طويلاً إذ تمكن رجال المباحث من محاصرته وألقوا القبض عليه ومعه الآثار المسروقة، واستسلم أفراد العصابة للشرطة.
اعترف القبطان بتشكيل عصابة لسرقة الآثار، وقررت النيابة حبسه أربعة أيام، وتسليم الآثار المسروقة إلى المتحف المصري.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة