إكرام: تمنيت الموت قبل أن ينهشوا جسدي...
كانت على عتبة الموت، ولم تفصلها عنه إلا دقائق حاسمة تدخّل فيها القدر ليظهر أمامها اثنان من رجال الشرطة أنقذاها من براثن شياطين حاولوا اغتصابها. القصة التي شهدتها محطة سكك الحديد كانت أشبه بمشاهد فيلم سينمائي، واعتقد رواد المكان أن ما يحدث أمامهم خدع سينمائية، وبحثوا كثيراً عن كاميرات السينما، ولكنهم اكتشفوا أخيراً أن ما يشاهدونه واقع مرير. «لها» عاشت حكاية الفتاة التي نجت من الاغتصاب لتحكي لنا قصتها المثيرة.
كانت الكلمات صعبة وثقيلة وهي تخرج من شفتيها، بعد الساعات العصيبة التي مرّت بها، فقليلات من يتعرضن لموقف مثل الذي عاشته إكرام... وتسرد الفتاة حكايتها قائلة: «اسمي إكرام شوقي مصطفى، عمري 19 سنة، منذ صغري وأنا أعيش في فقر وحرمان، فأنا من أسرة فقيرة الحال، كتب عليها القدر أن تذوق طعم الحرمان دائماً. وازدادت معاناتي منذ كنت صغيرة عندما توفيت أمي فور ولادتي، وقتها اختفى والدي من حياتي، وتزوج من امرأة أخرى، بينما أخذتني جدتي مع شقيقتي لتربيتنا.
كانت الحياة بالفعل صعبة، فجدتي امرأة ضريرة لا تملك قوت يومها، ولذلك عملت في عدة مهن منذ كان عمري ثماني سنوات، حتى جاءتني فرصة العمل كسكرتيرة عند أحد رجال الأعمال في حي الزمالك الراقي، قبل ثلاثة أشهر تقريباً».
وتكمل إكرام كلامها قائلة: "كانت الأمور تسير على ما يرام في عملي الجديد، حتى جاء يوم الحادث، عندما صلّيت الفجر وجهزت حقيبتي للسفر إلى القاهرة. وفي الصباح الباكر اتجهت إلى محطة قطار كوم حمادة التي تبعد عن قريتي نحو 20 كيلو متراً، وكانت المفاجأة أنني لم ألحق بقطار الساعة التاسعة صباحاً، وهو ما جعلني أضطر لانتظار القطار الذي سيأتي بعده في تمام العاشرة والنصف. ووقتها تناولت طعام الفطور من إحدى عربات الفول، وجلست على الرصيف أنتظر القطار التالي.
وفجأة وجدت اثنين من البلطجية يطلبان مني أن أذهب معهما، فصرخت بأعلى صوتي، وطلبت منهما أن يبتعدا عني. وللأسف كانت محطة القطار هادئة، ولم يشعر أحد بصرخاتي سوى صاحب عربة الفول الذي تناولت من عنده وجبة الفطور. وهنا وجدت هذا الرجل يتدخل لفض المشكلة، فانتهزت الفرصة وجريت في اتجاه غرفة رجال الشرطة الموجودة في محطة القطار.
لكنني فوجئت بالبلطجيين يلحقان بي، وحاول اثنان من رجال الشرطة إنقاذي إلا أن البلطجيين هددانا بالقتل، وقالا لي أمام رجال الشرطة «هنأخذك يعني هنأخذك». وبعدها كادت تدور معركة بين رجال الشرطة والبلطجيين اللذين استطاعا السيطرة عليَّ بعد تهديدي بالسلاح، إلا أن أحد رجال الشرطة نظر إليَّ وشعرت أنه يطلب مني أن أفعل أي شيء يمنع البلطجيين من تنفيذ خطتهما بسرعة، وهنا ألقيت بنفسي عند بالوعة كانت في لمحطة وسقط معي أحد البلطجية. وتدخل على الفور رجال الشرطة وأنقذوني، وتبادلوا العراك مع المهاجمَين، حتى خرجت طلقة من مسدس أمين الشرطة لتستقر في جسد أحد البلطجيين فتوفي في الحال».
خسارة!
تتنهد إكرام قليلاً ثم تقول: «كانت لحظات مرعبة، تمنيت فيها الموت قبل أن ينهش البلطجية جسدي. ويومها خسرت أشياء كثيرة، منها ضياع حقيبة يدي، والتي كنت أضع فيها بعض المال. والخسارة الكبرى كانت خطيبي الذي تركني بسبب هذا الحادث». تسكت إكرام قليلاً ثم تقول: «بعدما سقطت على الأرض لم أشعر بنفسي إلا في أحد المستشفيات العامة، وعلمت أن أمناء الشرطة استطاعوا إنقاذي، إلا أن هناك عشرة من البلطجية دخلوا محطة القطار بعدما تمكن أمناء الشرطة من إخراجي منها، وبدأوا يطلقون النار بشكل عشوائي.
لولا رجال الشرطة لتمكن البلطجية من اغتصابي وقتلي، وهم فعلاً يستحقون التكريم من وزير الداخلية. وبصراحة كنت أخاف جداً من رجال الشرطة، وفكرتي عنهم أنهم يضربون الناس، لكن أبداً لم أتوقع أنهم يحملون في قلوبهم كل هذه الشهامة، فأنا رأيت وشعرت معهم بما لم أشعر به مع المقربين لي، خاصة اللواء أحمد سالم مدير الأمن الذي ظل معي في المستشفى ولم يتركني إلا بعدما أصبحت في أفضل حال. لكن ما يقلقني ويخيفني بشدة هو تهديد والدة المتوفى لي، والتي مات ابنها وهو يحاول خطفي واغتصابي».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024