تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الدكتورة عبلة الكحلاوي تجيب عن الأسئلة الرمضانية...

الحياة اليومية خلال شهر رمضان، بما فيها من علاقات زوجية وأسرية ومعاملات مع الآخرين، تفرز العديد من علامات الاستفهام التي يبحث الصائمون عن إجاباتها من أجل الحفاظ على صوم صحيح، وتجنب ما قد يتسبب في إفساده. ولذلك وضعنا أمام الداعية الإسلامية الشهيرة الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، العديد من التساؤلات التي تشغل أذهان الصائمين، لتحسم بفتاواها وآرائها حيرة من تراودهم تلك التساؤلات.


- مع إنتشار الهواتف المحمولة غالباً ما تكون هناك مكالمات عاطفية بين المراهقين والمراهقات سواءً كانوا مخطوبين أو لا، فهل هذا يفسد الصوم؟

مبدأ الكلام العاطفي بين شاب وفتاة أجنبيين عن بعضهما حرام شرعاً، والحكم نفسه بالنسبة الى المخطوبين إذا تطرق الحديث إلى ما ينافي الحياء. ورغم أن الكلام العاطفي ليس من المفطرات الصريحة، فأنا أخشى أن يقلل ثواب الصائمين، لأن فيه مخالفة لأحكام الشرع وانتهاكاً لحرمات الآخرين.


التشات

- في ظل انتشار الإنترنت في كل مكان يمارس الشباب والفتيات التشات أثناء الصيام فهل هذا من المفطرات؟
التشات غير المنضبط بالأحكام الشرعية بين الرجال والنساء الأجانب عن بعضهم حرام إن لم يكن كلاماً عادياً، بل أخشى أن يكون الكلام العادي مدخلاً إلى كلام محظور شرعاً، لهذا أحذر البنات من الانجراف إلى الحديث عبر التشات مع أي رجل، أيا كانت سنه، لأن هذا حرام أو مدخل للحرام، وكل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام.

- وماذا عن التشات بين زوجة وزوجها المسافر؟
الحديث بين الزوجين لا شيء فيه شرعاً مهما كان الكلام، بشرط أن يكونا على ثقة تامة بعدم اطلاع غيرهما على ما يقولانه، وهذا لا يفطر.


الفضائيات

- كثير من الصائمين والصائمات يمضون نهار رمضان أمام الأفلام المثيرة والمسلسلات فهل يتسبب هذا بإفساد صومهم؟
من المؤسف أن رمضان ارتبط بالأفلام والمسلسلات، ونسينا أنه شهر العبادة الذي تتضاعف فيه الحسنات. ولهذا أحذر الصائمين الذين يمتنعون فقط عن الطعام والشراب فقط، ويرتكبون كل الذنوب دون أي خوف من الله أو مراعاة لحرمة الشهر الفضيل، فصيامهم في هذه الحالة بلا أجر أو منقوص الأجر، لأن الصوم لله وحده وهو الذي يجازي عليه.

- هل هناك فرق أن تكون مشاهدة هذه الأفلام والمسلسلات ليلا أو نهاراً في رمضان من حيث درجة الإثم أو الذنب؟
أليس رب نهار رمضان هو رب الليل، بل أليس رب رمضان هو رب كل الشهور لمن يلتزمون في رمضان فقط ويبارزون الله بالمعاصي بقية شهور السنة؟ ولهذا أحذر من التهاون في عظم الذنوب في وقت ما، وعلينا أن ننظر إلى عظمة من نعصيه وهو الله رب كل الشهور والأيام. ولهذا أحذر مدمني هذه الأفلام والمسلسلات من أنهم يخسرون حسنات بلا حدود وسيندمون وقت لا ينفع الندم.


أعداء الضحك

- بعض الأزواج يتصفون بالعصبية مع زوجاتهم خاصة في رمضان بحجة أنهم صائمون وأن المزاح يفقد الرجل هيبته ووقاره، فهل هذا من الإسلام؟
من المؤسف أن بعض الملتزمين يعتقدون أن الدين يحرّم على الإنسان الضحك والمزاح باعتبارهما ضد الجدية، لهذا لابد أن يكون الملتزم عبوس الوجه وخشن الكلام بل وفظاً في معاملته مع الناس ومع زوجته وأولاده، ويحاولون تبرير ذلك بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب». ونجدهم يزيدون فيدخلون الغم على أنفسهم وأهلهم والمحيطين بهم، ويعتبرون ذلك طاعة يثابون عليها لأنهم طبقوا قوله تعالى على لسان قوم قارون: «لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين» آية 76 سورة القصص. ونسي هؤلاء أن الضحك من خصائص الإنسان ونعمة من نعم الله إذا كان باعتدال، ولهذا قيل: «الإنسان حيوان ناطق وضاحك»، وبالتالي يتوافق مع الفطرة، والمسلم الحق شخصية متفائلة ضاحكة.

- هل كان النبي باعتباره القدوة لنا جميعاً يمزح أو يضحك في حياته بوجه عام وهو صائم بوجه خاص؟
لم يثبت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه كان عبوساً أو فظاً رغم همومه الكثيرة، بل كان يمزح ويضاحك أصحابه وزوجاته ولا يقول إلا حقًا. وقد وصفه أصحابه بأنه كان من أفكه الناس، وفي بيته كان صلى الله عليه وسلم يمازح زوجاته ويداعبهن ويستمع إلى أقاصيصهن. وجاء في كتب السيرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يتسابق مع عائشة رضي الله عنها فسبقته مرة وسبقها مرة فقال لها «هذه بتلك».

 

- ماذا كان حاله مع أولاده؟
روي أنه حمل الحسن والحسين وهما طفلان على ظهره، وجعلهما يستمتعان باللعب، وعندما دخل عليه أحد الصحابة ورأى ذلك قال: نعم المركب ركبتما، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: «ونعم الفارسان هما».

- وماذا عن حاله مع عامة الناس؟
روي أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يمزح مع امرأة عجوز تقول له: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، فحزنت العجوز وبكت، فضحك الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأوضح لها أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا بل شابة حسناء، وقرأ قول الله تعالى في نساء الجنة: «إنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا» الآيات 35- 37 سورة الواقعة.
وجاء في كتب السيرة «أن امرأة تدعى أم أيمن جاءت إليه، صلى الله عليه وسلم، وقالت: إن زوجي يدعوك قال: «ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض؟، قالت: والله ما بعينه بياض. فقال: بلى إن بعينه بياضاً. فقالت: لا والله. فقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد إلا بعينه بياض». وقد قصد الرسول، صلى الله عليه وسلم، البياض المحيط بحدقة العين. ومن هذا يتضح أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يحب إشاعة السرور والبهجة في حياة الناس، وخصوصًا في المناسبات مثل الأعياد ورمضان .

- ما هو إذن الضحك المنهي عنه ووصفه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأنه يميت القلب؟
الضحك المنهي عنه ليس مجرد الضحك بل كثرته، وكل شيء خرج عن حده انقلب إلى ضده، أي الضحك بدون سبب أو افتعال الضحك بالكذب أو النكات الفاضحة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له ويل له». ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًا. وقد قال الإمام عليّ، كرم الله وجهه: «إن القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة». وكان الفاروق عمر بن الخطاب رغم خشونته يقول: «ينبغي أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجدوا رجلا».


الإفطار للامتحانات

- تجبر بعض الأسر أبنائها على الإفطار أثناء الامتحانات الصعبة فهل هذا جائز شرعاً؟
الامتحانات ليست مبرراً للإفطار، ولا يجوز التهاون في ذلك حتى لا تضيع الفريضة، وعلى الأهالي عدم إجبار أولادهم على ذلك وإلا أصبحوا آثمين شرعاً. وعليهم جعل أولادهم يتصفون بالصبر والإرادة القوية وقبل هذا كله الاستعانة بالله.

- امرأة عمرها أكثر من ستين عاماً ولم تقض ما عليها من أيام الحيض لأن زوجها كان يقول لها التصدق أفضل من القضاء، فماذا تفعل؟
الواجب قضاء الأيام التي تركت صيامها بسبب الحيض، وعليها الاجتهاد في إحصاء الأيام التي تركتها وتطعم مع القضاء مسكيناً عن كل يوم كفارة عن تأخير القضاء.

- هل عليها وعلى زوجها الذي أفتاها بغير علم ذنب؟
الزوج آثم شرعاً لأنه أفتى بغير علم، وللأسف بعض الزوجات يسقطن ضحايا لفتاوى خاطئة من أزواجهن مع أن القرآن يقول: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون». الآية 43 سورة النحل. كما أن الزوجة آثمة لأنها سألت غير متخصص، وهو الزوج الذي تحول إلى «أبو العريف» الذي يفتي في كل شيء ولا يقول أبداً «لا أعرف».

- هل الأفضل أن تقضيها متتابعة أم متفرقة؟
حسب ظروفها الشخصية والصحية. المهم ألا تترك هذه الأيام.


الاغتسال بعد الفجر

- إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد الفجر، هل يصح صومها أم لا؟
يصح صوم الحائض والنفساء إذا طهرت قبل الفجر واغتسلت بعد الفجر، لأن موقفها يكون شبيهاً بمن عليها جنابة وطلع الفجر عليها فصومها صحيح شرعاً، وإن كان الأفضل الإسراع بالاغتسال لإدراك صلاة الفجر.

- انتهت الأربعون يوماً من الولادة في منتصف رمضان ولكن الدم ما زال يخرج ولونه متغير، هل تصوم وتصلي؟
اختلف العلماء حول إذا بقي الدم مع المرأة النفساء فوق الأربعين، فمنهم من قال: تغتسل وتصلي وتصوم لأنه دم استحاضة، وقال آخرون: تبقى حتى تتم ستين يوماً وبعد ذلك ترجع إلى حيضتها المعتادة. وللمرأة أن تأخذ بالرأي الذي تطمئن إليه نفسياً وتستفتي قلبها.

- بعض الحوامل قد يرين نقاطاً من الدماء تنزل منهن في نهار رمضان فهل هذا يفطر؟
إذا نزل دم غير منتظم من الحامل فلا يعتبر دماً فاسداً، ولهذا عليها أن تصوم وتصلي ولا شيء عليها.

 

- تفاجأ كثير من الزوجات بنزول دم الحيض قبل أذان المغرب بدقائق معدودة، فهل يجوز لهن إكمال ما تبقى من الصوم حتى لا يضيع ثواب اليوم؟
نزول الحيض قبل المغرب بدقائق ليس مبرراً لاستكمال الصيام الذي لا يُقبل إن أكملته طالما كان قبل الغروب.

- هل يشترط التحقق من الدم أم يبدأ الحكم من الآلام التي تسبقه؟
تظل المرأة طاهرة صائمة طالما لم ينزل الدم، وفي حالة الإحساس بألم الحيض ولم يخرج الدم إلا بعد غروب الشمس فالصوم صحيح وليس عليها القضاء وثوابها كامل.

- ماذا تفعل من أفطرن في سنوات سابقة؟
عليهن التوبة الصادقة إلى الله وقضاء الأيام التي أفطرنها والله يتوب على من تاب، وحقيقة التوبة التي يمحو الله بها الخطايا تكمن في الإقلاع من الذنب وتركه تعظيماً لله سبحانه، وخوفاً من عقابه، والندم على ما مضى منه، والعزم الصادق على عدم العودة إليه.


زوجة المريض

- أجبر زوج مريض مفطر زوجته على الإفطار لرعايته، فما حكم الشرع؟
إفطار الزوج المريض جائز شرعاً، لكن لا يجوز له إجبار زوجته على الإفطار، ولهذا فإنه آثم شرعاً، وزوجته آثمة إن أطاعته، لأن القاعدة الشرعية تقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

- وماذا عليها إن تأخرت حتى دخل رمضان المقبل ولم تقض ما عليها من أيام؟
إذا أتى عليها رمضان آخر قبل قضائها من غير عذر فإن عليها القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم.

- أفتى البعض بأن السيدات اللواتي يجوز لهن الفطر يجب أن يكون ذلك سراً بعيداً عن أعين الناس وإلا أصبحن آثمات، فهل هذا صحيح شرعاً؟
من حق المفطرات برخص أباحها الشرع أن يأكلن ويشربن في نهار رمضان، لكن يفضل أن يكون ذلك سراً احتراماً للفريضة ومشاعر الصائمين، ولهذا يجب أن يتم توجيه النصح إليهن بالحسنى وعليهن أن يستجبن، فإن أصررن على المجاهرة بالفطر فهن آثمات، ليس على الفطر لكن على الإصرار على عدم احترام مشاعر الصائمين، مما يجعلهن قدوة سيئة للآخرين.

- نتيجة ضغوط الحياة تصاب بعض السيدات باختلال عقلي يجعلهن لا يحسنّ الصوم ولا الصلاة، فماذا يجب عليهن؟
العقل مناط التكليف في الإسلام، وهؤلاء السيدات لا صوم ولا صلاة عليهن وبالتالي فإنه لا قضاء، فإذا تحسنت أحوالهن في بعض الأحيان وجبت عليهن الصلاة والصوم وقت الإفاقة فقط.

- تستهتر بعض النساء في أداء الفريضة لسنوات ثم يعترفن بتقصيرهن ويردن التوبة إلا أن البعض يخوفهن من عدم قبول توبتهن، فماذا تقولين؟
من رحمة الله بعباده أنه لم يغلق باب التوبة للبشر مهما أذنبوا أو قصَّروا في العبادة، بشرط أن تكون التوبة صادقة، لقوله تعالى: «وتوبوا إليَّ جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون» آية31 سورة النور. وقوله «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى» آية 82 سورة طه. وعلى من فرطت في الصلاة والصوم الاجتهاد لتعويض ما فات ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.


صيام البنات

- بسبب الجهل بأمور الدين تتأخر كثير من الفتيات في البدء بالصوم، فمتى يجب عليهن الصوم؟
هذه مسؤولية الآباء والأمهات في تعويد بناتهم على الصيام منذ الصغر، وقبل سن التكليف الشرعي، لأنه يجب أداء كل العبادات، وليس الصيام فقط، متى بلغت الفتاة سن التكليف، وهو البلوغ الذي تعرف الفتيات علاماته وأهمها نزول الدورة الشهرية.

- يصفك البعض بأنك الداعية التي تتحدث بقلبها، ونحن في شهر الروحانيات، ماذا تقولين لمن استمروا في الخضوع لغرائزهم ونسوا شهر القرآن؟
الإنسان خلقه الله من روح وجسد، ولابد من تحقيق التوازن بينهما بما لا يغضب الله، ولهذا أتعجب ممن أهملوا أرواحهم واهتموا بإشباع غرائزهم الدنيوية الله تعالى في القرآن بقوله: «أرأَيتَ مَنِ اتَّخَذ إِلَهَهُ هَواه أَفَأَنتَ تكونُ عليهِ وَكِيلاً أَمْ تَحسَب أنَّ أكثرَهم يَسمَعُون أو يَعقِلون إِنْ هم إلاَّ كالأنعامِ بَلْ هم أضلُّ سبيلاً» الآيتان 43-44 سورة الفرقان.

- يشاع أن الولادة في رمضان يكون لها أثر في صلاح المولود فهل هذا صحيح؟
رغم أن رمضان شهر مبارك إلا أن الولادة فيه لم يرد فيها شيء ثابت في القرآن الكريم أو السنّة، ولا تؤثر في مصير الإنسان، فما يُدخل الإنسان الجنة أو النار إنما هو عمله. وقد يولد الإنسان في رمضان ولكن للأسف لا يستقيم على أمر الله أو رسوله، صلى الله عليه وسلم، فما ينفعه هذا، وبالتالي فالقول بأن المولود في رمضان لابد أن يكون من الصالحين أكذوبة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079