جريمة عمرها 2500 يوم...
لم تتوقع الزوجة حنان أن يعود الماضي بأبشع صوره، وأن تعود معه روح ابنها لتطاردها وتقدمها إلى العدالة بعد سبع سنوات كاملة من موت الملاك البريء الذي شاء قدره العاثر أن يضعه كعقبة أمام مصالح أمٍّ غاب زوجها فبدأت تتصرف وكأنها في سن المراهقة!
شاهد الطفل مازن ما لم يكن يجب أن يراه، وسمع ما لم يكن يجب أن يسمعه، ودفع الصغير حياته ثمناً لما شاهده وسمعه... لفظ أنفاسه الأخيرة على يد أمه التي داست قلبها من أجل مصالحها في مشاهد لا يصدقها عقل. سقطت حنان في قبضة الشرطة في اللحظة التي نسيت فيها جريمتها، وظنت أن الماضي أغلق صفحاتها تماماً، وتحولت صورة ابنها الوحيد إلى مجرد ذكرى... سطَّر القدر المشهد الأخير من حكاية حنان التي يلوح أمامها الآن حبل المشنقة لتدفع ثمن جريمتها البشعة.
لم تكن تتوقع أن يكشف القدر أسرار جريمة عمرها أكثر من 2500 يوم، توارت آثارها وقيدتها النيابة ضد مجهول، ولكن دماء الملاك الصغير كانت تطارد قتلته، وتأبى أن تستسلم إلا بعد الاقتصاص من المتهمين الذين لم يكن أحدهم يملك قلباً آدمياً بين ضلوعه.
المشهد الأول
تتابعت مشاهد الجريمة التي رصدها رجال المباحث: المشهد الأول عمره سبع سنوات، عندما أسرعت حنان إلى الاتصال بزوجها المحاسب الذي يعمل في الأردن، علماً أن الزوج كان قد اعتاد أن يتصل بزوجته كل أسبوع للاطمئنان إلى أحوالها. فوجئ حسام عندما اتصلت به زوجته لأنه تحدث معها هاتفياً قبل أربع وعشرين ساعة فقط. وحين بدا التوتر الشديد على صوت الزوجة، سألها زوجها عن السبب، فأجابته أن ابنهما مازن خرج ليلعب في الشارع مع أصدقائه وبعد حلول الظلام عاد جميع الأطفال إلى منازلهم واختفى مازن!
انفجرت الزوجة باكيةً وهي تؤكد لزوجها أنها خرجت تبحث عن ابنها ولكنه توارى عن الأنظار ولم يعد له أثر في المنطقة. أسقط في يد الزوج، وأكد لزوجته أنه سيحزم حقائبه ويعود إلى القاهرة. لكن حنان طلبت منه أن يستمر في عمله، وأخبرته أنها أبلغت الشرطة وأكد لها الضباط أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لاعادة مازن إلى البيت. كما ابلغته أنها نشرت صور ابنها في كل الشوارع والميادين العامة ومحطات الباصات وسكك الحديد، وأنها ستواصل البحث عنه ليلاً ونهاراً، وهدَّأت ثورة الزوج الذي عاد إلى عمله والقلق يعتصر قلبه.
مرت الأيام والزوجة تحاول أن تخدر مشاعر زوجها، وتؤكد له أن الشرطة ما زالت تبحث عن مازن. وبسبب لقمة العيش انشغل الزوج، ولم يزر بلاده في إجازة إلا مرة واحدة طوال سبع سنوات. ولم تستمر زيارته لمصر سوى ثلاثة أيام، وأكدت له زوجته أن اختفاء مازن ما زال يمثل لغزاً لدى الشرطة.
سافر الزوج من جديد، وفي التوقيت نفسه قررت النيابة حفظ التحقيقات في حادث مثير، فقد عثر أفراد على كرتونة ضخمة ملقاة في منطقة معزولة، فدفع الفضول بعض المارة الى العبث بمحتوياتها، وكانت المفاجأة أنهم عثروا داخلها على جثة لطفل في السابعة من عمره مشوه الملامح.
وبعد الفحص أكد الطبيب الشرعي أن الطفل القتيل تعرض لتعذيب شديد وكيّ بالنار، وسكب الماء المغلي على جسده مما أسفر عن موته متأثراً بجروحه. وشُكّل فريق بحث لكشف ملابسات الحادث وجلاء الامر الأساسي، وهو الكشف عن شخصية الطفل القتيل حتى يسهل التوصل إلى قاتله. فحص رئيس المباحث كل بلاغات الغياب للأطفال الذين هم في سن الطفل القتيل، لكن البحث لم يسفر عن شيء، اذ لم تنطبق ملامح الضحية على صور الأطفال المختفين وأوصافهم.
وبعد أشهر من البحث لم تتوصل الشرطة إلى شيء وقررت النيابة حفظ الجريمة وقيدها ضد مجهول. ولم يخطر لرجال المباحث أن ملف هذا الحادث سيعود إلى الواجهة من جديد، وبالتحديد بعد سبع سنوات من إغلاقه، وهو ما حدث عندما عاد الزوج من الأردن وسمع ما يهمس به بعض الجيران عن علاقة بين زوجته وجارها، فساورته الشكوك أن تكون زوجته تخلصت من ابنهما بالاتفاق مع عشيقها، وقدم على هذا الأساس بلاغاً إلى قسم الشرطة يتهم فيه زوجته وصديقها بقتل ابنه قبل سبع سنوات. وروى حسام أنه ارتبط بزوجته حنان بعد قصة حب بينهما، ولكنه اضطر للسفر بعد عامين فقط من زواجهما بحثاً عن فرصة عمل في الأردن حيث حصل على وظيفة براتب كبير، واضطر بالتالي لترك زوجته وابنه سبع سنوات كاملة. وقال إن زوجته خدعته وادعت أن ابنهما اختفى في ظروف غامضة، لكنه اكتشف أن حنان ارتكبت مع صديقها جريمة يندى لها الجبين، وقتلت ابنها الوحيد وشاركت في إخفاء جثته.
بعد هذا البلاغ قررت النيابة استدعاء الزوجة وشريكها لمواجهتهما بهذه الاتهامات، وتوالت المفاجآت.
خطة شيطانية
استعان الزوج بالجيران الذين أكدوا أن حنان تعرفت الى جارها زياد بعد سفر زوجها إلى الأردن، وبدأ الرجل يتردد عليها وانتشرت الشائعات في المنطقة عن رغبة الزوجة في الحصول على الطلاق حتى ترتبط بزياد.
وارتاب السكان في تورط حنان وصديقها في التخلص من ابنها مازن الذي كان يعترض بشدة على وجود زياد في منزله، وكان يهدد أمه بأنه سيخبر والده بما يحدث. وفجأة اختفى مازن لتزداد شكوك الجيران.
أمام رئيس المباحث لم تستطع حنان إنكار جريمتها وبدأت تدلي باعترافها المثير، وقالت: «كان ابني يكره زياد بشدة، ويهددني بأنه سيخبر والده بما يحدث في منزله أثناء غيابه. كنت أحاول أن أهدد مازن، وأحيانا ألاطفه وأحضر له الهدايا حتى يلتزم الصمت، لكنه أحتد على زياد، وببراءة الأطفال صرخ فيه وطلب منه ألا يأتي إلى منزلنا مرة أخرى.
وبلا تردد سارع زياد إلى ضربه وطلب مني أن أساعده في تعذيب ابني... ترددت قليلاً لكنه أخبرني أن أمرنا سيفتضح في حالة عدم تخويف هذا الطفل ومنعه من التحدث أمام الناس. وللأسف شاركت في تعذيب ابني بالكيّ بالنار حتى لفظ أنفاسه الأخيرة أمام عينيّ».
تبكي الأم القاتلة وتكمل: «أستحق الإعدام لأنني انتزعت قلبي وشاركت في قتل فلذة كبدي مع زياد، وكنت كالمسحورة وأنا أشاركه في إخفاء الجريمة عندما استدعى أحد أصدقائه لمساعدته في وضع جثة مازن في كرتونة ضخمة بعد تشويه وجهه بهدف إخفاء ملامحه... لم تهتز مشاعري وأنا أتابع هذا المشهد. وحمل زياد وصديقه الكرتونة وألقيا بها في أطراف الحي، وأكملت الجزء الثاني من الخدعة، وأوهمت زوجي باختفاء ابني في ظروف عامضة»... قبضت الشرطة على شريك الزوجة الذي لم يكن ليتخيّل أن الجريمة عادت إلى دائرة الضوء، فحاول الإنكار محملاً صديقته مسؤولية الجريمة كلها، وتبادل الاثنان الاتهامات أمام رئيس المباحث الذي قرر إحالتهما على النيابة التي واجهتهما بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024