تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

أبكم يخطب في صلاة الجمعة

عندما كان في الرابعة من عمره أصيب بحمى شديدة لم يتلقَّ لها العلاج المناسب، وذلك بسبب الجهل والفقر الذي كانت تعيشه عائلته، مما أدى إلى فقدانه النطق منذ ذلك الوقت والى الأبد. هو الداعية محمد احمد إبراهيم أبو موسي الذي يبلغ من العمر ثلاثة وخمسين عاما، وهو من مواليد مخيم رفح جنوب غزة، وأب لتسعة أولاد أكبرهم هاني في الثالثة والعشرين.


تعلم أبو هاني لغة الإشارات في مدرسة خاصة بالصم والبكم في غزة، ولكنه لم يستمر فيها طويلاً لأن الحياة أكبر مدرسة من وجهة نظره. حدثنا عن مهنته فقال: «كنت في شبابي عاملاً بسيطاً داخل إسرائيل، ولكن مع تقدمي بالعمر، لم أعد قادراً على تحمل مشقّات العمل، وصعوبة الإجراءات على الحواجز الإسرائيلية لأني أبكم. وبالتالي واجهت أمرين وهما إما أن يستغني العمل عني أو أستغني أنا عنه. وبعدما أصبحت بلا عمل بت أعيش مع عائلتي علي المعونات التي تصرف لنا من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وخاصة معونات وكالة الغوث الدولية «الانروا» التي تقدم المعونات للاجئين الفلسطينيين، وبعد ذلك أصبحت ملازما لأهل الدين والدعوة الذين رحبوا بى، وبدأت أتلقى تعاليم الإسلام على أيديهم».

أضاف: «التحقت بهم عن طريق إتباع طريقتهم، وهي الاعتكاف لفترات طويلة والتفرغ لعبادة الله. وقد كنت وما زلت اعتكف لفترات في المساجد المختلفة، وفي المناطق النائية بعيداً عن البشر، لكي أتأمل في الكون وخلق الله وأشكره على نعمه، فقد حرمني نعمة الكلام ولكنه أنعم عليّ بنعمة البصر، كما أن أعضائي الأخرى سليمة، وهذا ما يوجب عليّ شكر الله عليه».

إلقاء اوّل درس ديني
وعن موقف الناس من إلقائه أول درس ديني أو أول خطبة في مسجد قال أبو هاني: «بالطبع تجمهر الناس لأن المنظر غير مألوف، ولكن بعد ذلك أنصتوا إلى ما أقول أو بالأصح إلى ما يترجمه ابني البكر هاني عن طريق الإشارات. وأصبح لديّ جمهوري من الناس البسطاء الذين ينتظرون دروسي ويتجمعون حولي في المسجد أو في أحد أزقة المخيم ويستمعون إلى آرائي في كل شيء وفي الحياة، وخاصة في هذا الوقت العصيب الذي يتطلّب منا اللجوء إلي الله لكي يفكّ عنا الحصار ويزيل الغمة».

وتابع أبو هاني قوله: «من أكثر المواقف التي أحزنتني هي سخرية البعض مني وقولهم، «روح إتعلم الحكي وبعدين تعال انصحنا»، وقد قابلت هذه العبارة بصدر رحب وإن تألمت بداخلي، وهذه العبارة كانت في بداية عملي ولكن الآن اعتذر لي كل من تفوه بها. وفي موقف آخر، كنت أقوم بجولة في مدن غزة للدعوة إلى الله، فقابلت مجموعة من الشباب يتسكعون في الشارع ويضعون على صدورهم السلاسل الذهبية، فتوقفت لأنصحهم وتأثّروا كثيراً بما قلته لهم، وتعجبوا كيف أنني الأبكم ادعوهم لله وهم الأصحاء ويستغلون ألسنتهم للنيل من أعراض الناس ومغازلة النساء، فتأثروا كثير لدرجة البكاء، وخلعوا السلاسل الذهبية، وأعطوني إياها لأتبرع بها للفقراء من المخيم. وأما أطرف موقف مررت به، فكان أن سافرت إلي مصر في أيام شبابي، ورأيت «اثنين ملتصقين ببعض وهما توأمان سياميان، وحمدت الله لأني أبكم فقط، ولم أولد ملتصقا بأحد إخوتي مثلاً».

وحول تنميته لثقافته قال: «أنا من متابعي قناة «الجزيرة» وأتابع نشرة المساء الخاصة بالصم والبكم لأعرف أخبار الدنيا، ولتعلم إشارات جديدة أستفيد منها في التواصل مع الناس، وانتظر النشرة بفارغ الصبر، وأحزن حين يقطع التيار الكهربائي عن المخيم ولا أستطيع متابعتها. ومن جانب آخر أحب الأطفال والطيور والطبيعة وكل شيء جميل خلقه الله، وأمضي وقتي بين المسجد وتربية أطفالي والاجتماع بأهل مخيمي الذين يحبون الجلوس معي للتسامر والتحدّث في أمور الحياة».
وختم الداعية محمد احمد إبراهيم أبو هاني قائلاً: «أتمنى لي ولأولادي الستر لأننا نعيش تحت خط الفقر في بيتنا المتواضع جداً، ولا أستطيع أن أقدم لأطفالي شيئاً سوى ما يجود به أهل الخير علينا».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078