تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

طفل... بطل 40 دعوى!

في محكمة الأحوال الشخصية كانت الجلسة ساخنة، الأب يروي حكايته بدموعه، يؤكد لرئيس المحكمة أنه يتمنى أن يشاهد ابنه بعد أن حرمته منه زوجته طويلاً، والأم صمَّمت على أن تعاقب زوجها بسبب خلافاتهما، وحاصرت زوجها بأكثر من 40 قضية ومحضراً. الزوج أقام هو الآخر دعاوى على زوجته حتى يدافع عن نفسه. ولكن الضحية في كلّ الأحوال هي الطفل الصغير الذي أصبح بطلاً لـ40 قضية، وتحول في إحداها إلى شاهد عيان رغم أن سنّه لم تتجاور الخامسة.


أمام المحكمة وقف الأب (45 عاماً) يتوسل إلى رئيس المحكمة حتى يستدعي ابنه محمد، الذي أكمل عامه الخامس قبل أيام، وقال الأب عامر: لا أستطيع أن أقترب من منزلي بسبب ما فعلته زوجتي هناء التي حصلت على أحكام قضائية ضدّي، واستصدرت أوامر ضبط وإحضار من النيابة، وبدأت تسعى لتنفيذها حتى تزج بي في السجن». يكمل الزوج باكياً: «كانت تساومني، الطلاق والتنازل عن ابني الوحيد مقابل التنازل عن هذه القضايا. كنت أعلم أن هدفها الأكبر هو حرماني من ابني الحبيب، فهي تعلم مدى حبي وتعلقي به خاصة أنه جاء إلى الحياة بعد سنوات طويلة من المعاناة والذهاب إلى الأطباء...
لم أتخيل أن تتحول حضانة ابني محمد إلى حرب قضائية بيني وبين زوجتي التي حاصرتني بالقضايا، واضطررت للدفاع عن نفسي بمحاضر مماثلة، رغم أنني أعلم أن الضحية هو محمد الذي كتب عليه القدر أن يعيش في ظل هذا الخلاف. كنت أذهب يومياً إلى الشارع الذي يقع فيه منزلنا لأقف متوارياً أراقب لحظة نزول محمد متجهاً إلى الحضانة، ويقتلني الشوق إليه، وأحاول أن أقترب منه، لكنني أتذكر ما فعلته زوجتي قبل أيام حين شاهدتني فصرخت وطلبت النجدة، وكادت الشرطة تلقي القبض عليّ، وقررت ألا أكرر هذه الفعلة مرة أخرى».


البحث عن عروس

يؤكد الأب لرئيس محكمة الأحوال الشخصية أنه لم يستطع أن يدخل إلى منزله منذ أكثر من عام، بفرمان من زوجته التي هددته بالسجن، رغم كل محاولاته لإبرام الصلح معها، لكن والدتها تدخلت بقوة وأجبرت الزوجة على عدم الاستماع إلى زوجها. حاول الزوج أن يذكِّر زوجته بأيام زواجهما الأولى والذكريات الجميلة التي جمعتهما، لكن حماته كانت تحبط دائماً كل محاولاته للم الشمل. وكان الصغير محمد يتعرض للضرب المبرح حينما يبكي ويطالب بلقاء والده!

بدأت حكاية الزوج عامر قبل سنوات، حين قرر السفر إلى الخارج بحثاً عن عمل بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي كان يعيشها، واستطاع أن يدخر مبلغاً من عمله في إحدى الدول الخليجية. واكتشف عامر أن العمر تقدم به دون أن يتزوج، وكان يحلم أن تصبح له أسرة، وأبناء ويعيش حياة مستقرة. وعندما استقر في القاهرة بدأ رحلة البحث عن عروس مناسبة، مدركاً أنه لن يستطيع بحكم سنه أن يتزوج شابة. وأخيراً استطاع أن يعثر على ضالته، حسناء مطلقة ولديها طفلان. أدرك أن ظروفها مناسبة، وأبدى استعداده للزواج منها ورعاية طفليها، ومرت أيام الخطوبة بسلام. «هناء» كانت شديدة السعادة بزوجها الطيب، بينما كان عامر يخطط معها لمستقبل مشرق، وأكد لها أنه لن يدخر وسعاً حتى يحقق لها كل أحلامها.
كانت القصة جميلة، مشاهدها هادئة لا تنبئ مطلقاً بما سيحدث بعد ذلك. وتمر سنوات الزواج الأولى أشبه بالحلم، الزوجة كانت كالملاك، والزوج يعيش في جنة الزوجية دون مشكلات. وتطول فترة انتظار المولود، وبعد فحوص ومحاولات طبية تضع هناء ابنها محمد.

كانت فرحة الزوج بلا حدود، ودون أن يدرك بدأ اهتمامه بزوجته يتراجع، وتحول كل اهتمامه إلى ابنه. بدأت المشكلات تعرف طريقها إلى المنزل السعيد، الزوجة أصبحت شديدة العصبية، زوجها لم يعد هو عامر الذي أحبته وتزوجته، لم يعد يهمه أي شيء في الدنيا سوى سعادة ابنه. وتزداد المشكلات بسبب تجاهل عامر لابني زوجته، التي بدأت تشعر بأن كل وعود زوجها تتبخر، وتتفاقم المشكلات لتصل إلى مشاجرة عنيفة فقدت خلالها الزوجة عقلها واتجهت إلى المطبخ لتشهر سكيناً في وجه زوجها وتحاول قتله، ويهرب الزوج ناجياً بحياته.
أسرع الزوج إلى إبلاغ الشرطة متهماً زوجته بمحاولة قتله، وشهد ابنه الصغير معه، واشتعل الخلاف بعد هذا البلاغ، فأقسمت الزوجة على أن تنتقم من زوجها شر انتقام، وبدأت وأسرتها حرب المحاضر والقضايا، وأغرقوا الزوج في سيل من الاتهامات.

هدايا وصرخات

حاول الزوج أن يرد بمحاضر، لكن أسرة الزوجة كانت أسرع منه كثيراً. فقد حرّرت ضده أكثر من 30 محضراً في مقابل 10 محاضر من الزوج، وأصبح عامر ممنوعاً من مجرد الاقتراب من منزله... حاول أن يبرم الصلح مع زوجته، لكن شقيقها وأمها رفضا بشدة وطرداه من المنزل. اتصل الزوج بزوجته، حاول أن يرقق قلبها ويستدر عطفها، وأكد لها أن ابنه لا يستطيع أن يعيش بعيداً عن والده، والأفضل لهذا الصغير أن يعيش مع والديه حتى ينشأ بشكل سوي.
كادت الزوجة تتأثر بحديث زوجها، وأبدت استعدادها لمقابلته، واتجه عامر إلى منزله محملاً بالهدايا لزوجته وابنه ودموعه تنهمر على خديه، وهو يأمل أن تعود المياه إلى مجاريها. ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن!

بعد ربع ساعة فقط من وصول الزوج إلى منزله طرقت والدة هناء الباب، وأصابها الهلع حين شاهدت عامر. صرخت مستنجدة بالجيران، واتهمته بمحاولة قتلها، ولم يتمالك الزوج نفسه، فاعتدى عليها بالضرب واتهمها بتدمير حياته، وبلا تردد انحازت الزوجة إلى أمها، وطردت زوجها لتغلق نهائياً صفحة الصلح...
خرج الأب إلى غير رجعة، فتبخر الحلم، وصب الزوج لعنات غضبه على حماته التي دمرت حياته، لكن صورة الابن لم تفارقه.
وبعد أيام حاول مرة أخرى أن يتصل بزوجته محاولاً أن يصلح ما أفسده اللقاء السابق، لكنها قالت له بكلمات مقتضبة: «أرجو ألا تعاود الاتصال بنا، ومن فضلك امسح صفحتنا من سجل حياتك، وانس محمد، وإلا سيكون السجن مصيرك في حالة اقترابك من منزلي».

أنهت الزوجة كلامها وتركت زوجها غارقاً في أحزانه. ولم يعد يملك سوى الذهاب إلى المحكمة ليقيم دعوى رؤية لابنه، ويسرد لرئيس المحكمة جميع الوقائع السابقة، بعد أن تحولت قضية رؤية الطفل إلى حرب محاضر قوامها 40 بلاغاً بين الزوجين بسبب محمد.
أحال القاضي القضية على مكتب فض المنازعات، واستدعى الخبير الاجتماعي الزوجة محاولاً إبرام الصلح بين الزوجين لمصلحة الطفل، لكن الزوجة رفضت بشدة، واتهمت زوجها بالقسوة الشديدة. وفي ظلّ هذا الموقف لا تزال القضية أمام القضاء.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078