تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

كارت أحمر للمتحرشين

أفكار كثيرة خرجت من بعض المشرفين التربويين في السعودية تُطالب بإيجاد برامج تُعنى بتعليم الطالبات «ثقافة العيب» كبرنامج اقترحته المشرفة التربوية في وزارة التربية والتعليم هدى المقرن «كارت أحمر»، المُُشابه في مضمونه وأهدافه لبرنامج الحماية الشخصية لطالبات المرحلة الابتدائية الذي تُشرف عليه إدارة التربية والتعليم للبنات والذي يُشدد على ترسيخ ثقافة الحصانة وزرع الاحترام الأخلاقي والثقة بالنفس بين الطالبات، وضرورة توعيتهن لأخذ الحيطة والحذر من الغرباء أو من يحاول الاقتراب منهن، وذلك تحت إشراف مختصات وتربويات على مستوى عالٍ من النضج والإدراك وبالتعاون مع الأسرة في الوقت نفسه، وذلك  لإيصال الصورة مكتملة للطالبة دون أن تتحول هذه النصائح إلى آثار عكسية قد تضر بها.

في هذا التحقيق و بين «ممنوع اللمس» و«الحذر من الاقتراب»، يبقى السؤال: هل التحرش الجنسي في المدارس ظاهرة أم  سلوك مازال يقبع في أجندة الإيذاء والعنف بين صفوف الطالبات في المراحل الابتدائية؟ سؤال أجاب عنه مشرفون وتربويون في إدارة التربية والتعليم  لـ«لها» في هذا التحقيق
.


في البداية، وصفت المشرفة التربوية المتقاعدة مستورة الوقداني هذه الخطوة بأنها «جيدة ومفيدة لأنها توعية شفهية وعملية. وتطبيق المشروع يحتاج إلى أشخاص أصحاب مهارة عالية ولهم توجيهات مفيدة للطالبات في الصفوف الأولية. ونحن نستطيع تجنب الأمور السلبية كلها بمهارة المعلمة وبكون المشرفة على مستوى من النضج بما يجعل من هذا الأمر وكأنه قصة تسردها على الطالبات ليتوخين الحذر في ما بينهن وأيضا في تعاملها في المجتمع مع الغرباء». ويجب على المشرفة والمعلمة توضيح أسباب ثقافة «العيب» لدى الطالبات لكي يتجنبن تكرارها ولكي لا يُصبح لديهن الممنوع مرغوباً. وبالنصح والتوعية الصحيحة وتوضيح خطورتها لهن من المؤكد أنها ستبقى معهن لتشكيل ثقتهن بأنفسهن بطريقة جيدة، بحسب الوقداني التي تضيف: «اختلف مع الأشخاص الذين يقولون إن هذه الفكرة قد تُرسخ مفهوم التحرش لدى الطالبات، وأقول لهم ومن وجهة نظر نفسية ان هذا المشروع إن طُبق بالطريقة الصحيحة سيحصد نتائج إيجابية تدعم الطالبة وأفكارها وتوعيتها إزاء المجتمع وتُعزز ثقتها بنفسها.

ويجب على الأهل متابعة هذا الموضوع مع المدرسة لأن أطفال اليوم ليسوا أطفال الأمس ولهم ذاكرة قوية ويجب علينا أن ننظر اليهم نظرة مختلفة وأن تتم توعيتهم بشكل مبسط يتناسب مع عقلياتهم، خاصة أن ظاهرة التحرش موجودة في مدارسنا، ناهيك عن وجود الشذوذ بين الفتيات في هذه الأعمار الصغيرة. وأعتقد أننا لو أعطينا هذا البرنامج فرصة لمدة خمس سنوات للتحرك والظهور سنساعد طالباتنا في التخلص من هذه الآفة التي تهتك طفولتهن. وللتوضيح في ما يتعلق بالشذوذ لدى الطالبات هي ليست ظاهرة ولا يمكن اعتبارها هكذا، بل مجرد حالات شاذة. إنما المشكلة التي نعانيها ان هناك بعض المعلمات يفسرن وجود أي طالبة الى جانب أخرى على انه شذوذ، والأمر ليس كذلك».


زهرة  المعبي: هذا البرنامج يعطي الفتيات حصانة

وأشارت الدكتورة في علم النفس والتوجيه الأسري والمستشارة الأسرية والنفسية والاجتماعية في مركز إيلاف ومركز تطوير الذات زهرة المعبي الى أن قضية التحرش بالأطفال ظاهرة مقلقة خاصة من الأقارب لأن الكثير منها يحدث خارج أسوار المدرسة، وقالت: «من المؤكد أن أكثر حالات التحرش تحدث خارج أسوار المدرسة وفي البيت تحديداً. توعية الطالبات فكرة جميلة والأهم فيها إشراك البيت وتوعية الأسرة في هذا البرنامج لأن الأسرة هي الأساس في غرس ثقافة الحماية الشخصية لدى الأطفال وعدم الانصياع للمغريات. وفي تصوري أن وزارة التربية والتعليم لن تضع خطة أو تُعمم فكرة إلا بعد تجريبها وتحليلها ودراستها والاستقصاء عنها ثم تطبيقها تجريبياً على مستويات عدة ومن ثم تعميمها لتحقيق  الهدف المنشود بتبصير الطالبات وزيادة وعيهن بالمخاطر الناتجة عن التحرش. وعندها نخرج بنتائج جيدة جداً ان شاء الله».

وأضافت المعبي: «يجب التعميم على جميع المدارس تحت رقابة مشرفات اجتماعيات ومعلمات تربويات ليتم إرشاد الطالبات  بطريقة التلقين والترغيب بعيداً عن العنف». وتقول: «يجب إحضار الأمهات في البداية وتوضيح الصورة أمامهن في ما يخص رغبة المدرسة في تعليم الطالبات هذا الأمر، لئلا نثير جدلاً في المنازل وحتى نحقق توعية الفتاة وعدم مبالغتها في ردود الفعل حيال كل من يقترب منها سواء والدها أو عمها،  وكبار السن».
ورأت المعبي ان لا انعكاسات سلبية لهذا البرنامج بل على العكس له ايجابيات في إعطاء الفتيات حصانة ويدفعهن إلى الالتزام الأخلاقي والحذر وزرع الثقة بالنفس وأضافت أن جيل اليوم مثقف وواعٍ ولا نشعر بأن التحرش لا يزال أمراً سهلاً. 

 


أمان عبد الله: فكرة مميزة وجريئة ويجب تطبيقها تحت إشراف مختصين

قالت المشرفة التربوية السابقة ومديرة الإدارة في التربية والتعليم أمان عبد الله أنها من المؤيدين لهذا المشروع خاصة أنه «يُسلط الضوء على الأطفال في هذه السن، وفي الوقت نفسه هناك جهل خاصة من الفتاة بعملية الدفاع عن نفسها، وكثيراً ما يُلقون اللوم عليها سواء من الأسرة أو من المجتمع حتى وإن كانت الضحية. ونحن في حاجة حقيقية الى  هذه البرامج لتعليم طالباتنا احترام الجسد عبر عدم تعرضه للعنف. والتحرش جزء من العنف الواقع لأن جسدك له حقوق وعلى الآخرين احترامها».

وأضافت: «يجب تقريب الفكرة من الفتيات عن طريق مثال النبتة لئلا نصل إلى الانعكاسات السلبية من خلال المشهد التمثيلي الذي أخشى أن يكون غير مدروس جيداً. ومن ثم ننتقل إلى التطبيق على جسد الإنسان وإبداع الخالق فيه، وتفسير ماهية الحماية الشخصية للطالبات خاصة في المرحلة الابتدائية  وتوعيتهن بأنواع الأذى الجسدي الذي قد تتعرض له الفتاة داخل أسرتها وخارجها، وتعليمهن سبل حماية أنفسهن من الأذى. فاستغلال الطفولة يتم بسبب جهل الصغار، كما أن معظم الأهالي قد لا يعرفون الضرر الواقع على أطفالهم».
ورأت عبدالله ان ثمة حاجة إلى أشخاص مختصين في علم النفس يدرسون مشهداً تقريبياً لذهن الطالبات بشكل يضمن الحرص والحذر والتوعية ضمن أسلوب نقاش بين الطالبات والمعلمة أو المشرفة، حتى نصل إلى تمكين الطالبة من التعبير عن مشاعرها دون خوف».


سالم الزهراني: واجبنا ترسيخ ثقافة الحصانة لدى الطالبات

من جهته، أشار المدير العام للتربية والتعليم للبنات في محافظة الطائف سالم الزهراني إلى أن التعميم الذي أصدره للمدارس لتنفيذ برنامج الحماية الشخصية لطالبات المرحلة الابتدائية بدأ قبل أسبوعين في المدارس ضمن برامج التوجيه والإرشاد في حصص الريادة. يقول: «هناك الكثير من الأهداف التي خدمت الطالبة في هذا البرنامج مما يضمن لها الحماية داخل أسوار المدرسة أو في محيط أسرتها. ذلك لأن تبصير الفتيات بكيفية الحماية من أي أذى ينجم عنه ثقتها بنفسها والحرص من المحيط الذي حولها. ومن الأهداف التفصيلية التي ارتكز عليها برنامج الحماية الشخصية لطالبات المرحلة الابتدائية  تعريف الطالبة بأعضاء جسمها المختلفة، والتدبر في إبداع الخالق في جسم الإنسان، وتمكين الطالبة من التمييز بين الأعضاء التي يسمح لنا ديننا الإسلامي بكشفها والأعضاء التي أمرنا بسترها.

وتبصير الطالبة بأن هناك أعضاء لا يحق لأحد لمسها أو الاقتراب منها في جسمها، إضافة إلى تعزيز قيم الإسلام كالحياء والنظافة والعفة، وتدريب الطالبة على التصرف السليم عند تعرضها للمس مؤذٍ وعدم الاستجابة لإغراءات الآخرين.  وكذلك تعزيز علاقة الطالبة بوالدتها، وهذا البرنامج أيضاً يعمل على تعزيز علاقة المدرسة بأسرة الطالبة تفادياً لأي خلاف قد يقع بين الطالبة والأهل عندما تقوم الطالبة بإطلاع عائلتها عن هذا البرنامج".
ويضيف: «استهدف البرنامج طالبات المرحلة الابتدائية من الصف الرابع الابتدائي إلى السادس الابتدائي  من خلال حوار يتم بينهن وبين المعلمة أو رائدة الفصل عن طريق الشرح على صورة مكبرة لجسم الإنسان مثبتة على السبورة. كما تحاول المعلمة ربط  الإجابات عن الحماية الشخصية من أذى الآخرين والهروب بالدفاع عن النفس باليدين واللسان. وبعد عرض اللوحة تبدأ  حلقة النقاش وتمثيل الأدوار، وفي نهاية الجلسة يتوقع من الطالبة أن تتمكن من التعبير عن مشاعرها دون خوف».


مشروع «كارت أحمر»... المتحرش والضحية وأجزاء الجسد الحساسة في مدارس البنات

انتقلت فكرة مشروع «كارت أحمر» من ملاعب كرة القدم إلى صفوف الطالبات في المراحل الابتدائية ليرفعنها في وجه «المتحرشات بهن» وعليها كلمة لا. المشهد من مسرحية سوف تُشرف عليها المعلمات في الفصول وتتقمص خلاله إحدى الطالبات دور المتحرش أو المتحرشة بينما تقوم أخرى بدور الضحية، وعندما تحاول الأولى التحرش بالثانية ولمس بعض أجزاء جسدها، ترفع هذه البطاقة الحمراء في وجهها وتهرب إلى معلمتها، ثم يتم تبادل الأدوار بحيث تكون المتحرشة ضحية والعكس.
ويشتمل البرنامج الذي أعدته المشرفة التربوية في الوزارة هدى بنت محمد المقرن على جلسات إرشادية تنفذ في حصص النشاط  لتوعية الطالبات بكيفية الحماية الشخصية من التحرش الجنسي وتعريفهن بالمناطق الحساسة في أجسادهن التي يجب ألا تمتد إليها أيدي العابثين.

وقد واجه المشروع انتقاد عدد من التربويين والنفسيين الذين أكدوا أن تطبيقه ستكون له انعكاسات سلبية وخاصة على طالبات المرحلة الابتدائية. ولفتوا الى غياب آلية تنفيذ البرنامج وفق المرحلة العمرية للطالبات المستهدفات واحتمال وجود آثار سلبية لطرح البرنامج بهذه الآلية، وخاصة أنه يتضمن شرحاً لجسم الإنسان... وامتد الجدل حول المشهد المسرحي اذ شدد التربويون على انه يُرسخ ثقافة التحرش لدى الطالبات اللواتي لا يُدركن الموقف، خاصة أنهن سيتفاعلن مع مشهد تمثيلي أشبه بما يشاهدنه في المسلسلات التلفزيونية وسيُكررن تبادل الأدوار حتى بعد مغادرة المعلمة».


الإيذاء في المدارس

ذكرت إحدى الجرائد السعودية (جريدة «شمس بتاريخ 26 ايلول/سبتمبر 2010 في عددها 1719) دراسة تناولت العنف والإيذاء في المدارس، تُبيّن أن 23 في المئة من الأطفال من سن ستة إلى عشرة أعوام في المرحلة الابتدائية. يُعدون الأكثر تعرضاً للتحرش الجنسي وذلك وفق العينة التي شملتها. وتركزت الدراسة على أثر العنف الجنسي على المجتمع. وذكرت دراسة أخرى أن ما يقارب 70 في المئة من حالات التحرش تطاول الأطفال وأن السكوت على هذا الفعل هو من نوع الإرهاب الاجتماعي والعنف النفسي أيضاً.

وحذرت الدراسة من تكتم الأهل بعد اكتشاف تعرض ولدهم للتحرش خوفاً من «العيب».
وأشارت الدراسة إلى أن عدم الكشف عن الأرقام الحقيقية لمشكلة التحرش يؤدي إلى تفاقمها، والى ضرورة أن يحس الشخص المجني عليه بالطمأنينة الاجتماعية من خلال تكاتف المؤسسات الحكومية والأهلية وحصوله على الدعم اللازم».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080