تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

رسالة زوجي حرمتني ابني!

رغم اقتراب موعد خروجها من سجنها، تتمنى أن تتوقف عقارب الزمن، وتعود بها إلى الوراء لتظل داخل أسوار السجن، لأن السيناريو الآتي مظلم، والأمل مفقود في حياة جديدة. «منى» خريجة كلية التجارة كانت في لحظة تمتلك كل شيء في الدنيا، زوج وسيم ذو مركز مرموق، ومنزل في منطقة راقية، وأموال وفيرة، وكلل الله زواجها بطفل جميل.
في لحظة أدارت لها الدنيا ظهرها وشاهدت الوجه الآخر من الحياة القاسية، في ساعات ضاع منها كل شيء، وانتهى بها الأمر في السجن، وأصبح الخروج منه بعد قضائها فترة عقوبة شيئاً مفزعاً
.


أكدت منى لضابطة سجن النساء أنها لا ترغب في الخروج من السجن. وبكت حين سألتها عن سبب رغبتها في البقاء في السجن، وردت بأسى قائلة: «أخرج لمن؟ الجميع تخلوا عني»!
حاولت ضابطة السجن أن تهدئ من روع منى، وسألتها عن سبب تشاؤمها، فأكدت السجينة الشابة أن حياتها انقلبت رأساً على عقب بعد دخولها السجن، فهي في يوم ما كانت تعيش حياة مستقرة تحلم بها أي زوجة، حصلت على كل ما تريده، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
في أيام ضاع منها كل شيء، طلقها زوجها، وفقدت شقتها الفاخرة، واتهمت في قضية مشينة، ودخلت السجن لتتخلى عنها أسرتها، ويحرمها مطلقها ابنها الوحيد، وتسودّ الدنيا في وجه الشابة الحسناء بعد أن أصبحت حياتها السابقة مجرد ذكريات جميلة، ولم يبق من ابنها سوى صورة صغيرة تتأملها وسط ظلام ليالي السجن الطويلة وتحتضنها وتبكي.


الموت أفضل

تلقت رسالة من مطلقها، رداً على طلبها بأنها تريد أن ترى ابنها، وأكد لها أنها لا تستحق أن تكون أمًّا، وأنها لن ترى ابنها مرة أخرى. لم تصدق منى وأحسَّت بأنها عاجزة عن التفكير، وتمنت الموت للمرة الأولى في حياتها، رغم أنها كانت عاشقة للحياة، تبتسم للدنيا، طموحة. لكن الآن جميع الأمور تغيرت تماماً.
دارت عقارب الزمن عندها إلى الوراء قليلاً، وتوقف بها المشهد عند قاعة محكمة عابدين في القاهرة، القاعة اكتظت بالعشرات. وفي قفص الاتهام جلست منى وبجوارها بعض صديقاتها وزميلاتها في النادي الصحي الذي كانت الزوجة وصديقاتها يعملن به، توقفت القلوب لثوانٍ بعد أن أعلن القاضي استعداده لتلاوة الحكم في القضية التي كانت منى متهمة فيها.

شهقت بقوة حينما صدر الحكم بحبسها عامين بتهمة خدش الحياء، والأفعال غير المهذبة من خلال عملها في النادي الصحي. غادر القاضي المحكمة تلاحقه صرخات منى وهي تقول: «والله العظيم أنا بريئة، لم أفعل شيئاً استحق عليه السجن».
ووسط غمرة حزنها وانفعالها شاهدت زوجها السابق وهو ينسحب من قاعة المحكمة، ويلقي عليها نظرة ذات مغزى. لم يفارقها الذهول وهي تشاهد رجال ترحيلات المحكمة يقتادونها إلى سجن النساء.

عادت بها عقارب الزمن إلى الوراء لبضع سنوات، حين ارتبطت بزوجها  الموظف ذي المنصب المرموق. كانت سعادتها بلا حدود، خاصة عندما وعدها زوجها وليد بتحقيق كل أحلامها، رغم أنها لم تتزوجه بعد قصة حب، إلا أنها كانت بمثابة زوجة مخلصة، تسعى إلى تحقيق السعادة لزوجها.
لكن رياح الخلاف هاجمت منزلها، رغم أنها أنجبت طفلاً ساهم في تقريب وجهات النظر قليلاً بينها وبين زوجها، إلا أن المشكلات لم تنته، وكانت مشكلة عمل منى هي الأكثر شدة، اذ أصرت الزوجة على أن تشق طريقها في سوق العمل، وحاول زوجها مراراً أن يمنعها.

غادرت الزوجة منزلها مرات عدة واتجهت الى منزل والديها، لكن زوجها كان يعيدها مرة أخرى على وعد بإنهاء الخلافات، ولكن المشكلات كانت تعود مرة أخرى  وبشكل أكثر قسوة، وبدا أن الطلاق هو الحل الوحيد، وسرعان ما تم فك الارتباط، حصلت الزوجة على حريتها وضمت إليها ابنها الصغير الذي كان في سن حضانة الأم.


أنا بريئة

مضت شهور على عمل منى في النادي الصحي، وكانت تتقاضى راتباً مجزياً لكنها بدأت تفكر جدياً في ترك هذا العمل بعد أن تعرضت لانتقادات بين أفراد أسرتها، وقررت أن تتركه لكنها أرجأت القرار الى حين حصولها على فرصة عمل أخرى.
لم يكن الوقت في صالحها، وفوجئت في أحد الأيام برجال المباحث يدهمون المكان. أسقط في يدها عندما وجدت القيود الحديدية تحيط معصميها، وسمعت أصواتاً تردد أنها متهمة بارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون داخل النادي الصحي.

صرخت منى وحاولت أن تدافع عن نفسها وتؤكد أنها بريئة ولا يمكنها أن ترتكب أي أفعال يعاقب عليها القانون، لكن محضر الشرطة والشهود أدانوها، وبدأت منى تشعر بأن أسرتها نفسها فقدت الثقة فيها، ووالدتها لم تعد تزورها مثل المعتاد، وشقيقها بدأت لهجته معها في الحديث تتغير.
حاولت منى أن تقنع الجميع بأنها بريئة، ولكنها كانت أشبه بمن «يؤذن في مالطا» كما يقول المثل الشعبي الشهير، ولم تجد من يسمعها أو يصدقها، وتوالت قرارات النيابة بحبسها وإحالتها على المحكمة.

قررت المحكمة معاقبتها بالسجن عامين، فبكت بحرقة وبدأت تراسل زوجها حتى ترى ابنها. علمت أنه حصل عليه بحكم قضائي بعد أن أثبت أن والدته لم تكن أمينة عليه، ورفض الأب أن يوافق على طلب الأم رؤية ابنها، وأرسل لها رسالة نصها يؤكد أنها لن ترى ابنها مرة أخرى.
لم يكتف الأب بهذا، بل أرسل رسالة أخرى لزوجته السابقة يعلن عن ندمه من الزواج منها، وأكد أنها لم تكن أمًّا جديرة برعاية ابنها.
لم تفرح مثل الباقيات حين أخبرتها ضابطة السجن أنها أوشكت على الحصول على حريتها، وأكدت أن السجن أفضل لها كثيراً من الخروج إلى الحرية، خاصة أنها لا تعلم هل سترى ابنها مرة أخرى بعدما ظلت علاقتها به طوال فترة السجن علاقة بصورة فقط.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078