تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

'عفاريت الإسفلت' في مصيدة السرعة!

دخل شاب إماراتي موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية العالمية من باب المخالفات المرورية ، فقد ضرب هذا الشاب رقما خيالياً في التحدي، ولكنه التحدي الأخرق مستعرضاً خروقه في السرعة الجنونية، وتحدي القوانين والأنظمة المرورية المعمول بها في دولة الإمارات.


ارتكب الشاب الإماراتي 12 مخالفة مرور خلال 5 دقائق فقط، بينما هناك آخر ارتكب مخالفات سير حتى وصلت قيمة المبالغ المطالب بها نتيجة السباقات والقيادة بطيش وتهور إلى 82 ألف درهم، وعقوبة أخرى تتمثل في حجز سيارته لمدة 560 يوماً، وثالث خليجي ارتكب 400 مخالفة مرورية تفوق غراماتها 100 ألف دولار.
وتمتد القائمة معلنة عن نماذج صارخة لمرتكبي المخالفات المرورية من الشباب عن وجه الخصوص، رغم القوانين والأنظمة المرورية الصارمة المطبقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ورغم إجراءات الحجز والمصادرة في بعض الأحيان للمركبات التي تتورط في سباقات السرعة الطائشة لـ«عفاريت الإسفلت» كما يشتهرون.

هؤلاء الشباب في نظر رجال المرور بل المجتمع، مستهترون، وغالبيتهم من الطلبة أو من فئة الموظفين الجدد. وهم يسددون المبالغ المطلوبة، بينما يعلو التذمر وجوههم من عقوبة حجز السيارة  ويضطر بعضهم لدفع مبالغ مالية فدية  وبدل حجز عن المركبة، وبمجرد خروجهم من الإدارة العامة للمرور تكرر المأساة ويرتكبون مخالفات جديدة!


رقم قياسي عالمي

«ع». شاب اماراتي يعمل موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية، دفع مبلغ 42 ألف درهم مقابل 12 مخالفة رادار ارتكبها في 5 دقائق فقط في شارع الشيخ زايد الشهير في دبي والذي لا تزيد سرعة السير فيه عن 120 كيلو متراً في الساعة وفي بعض الأماكن 80 كيلو متراً. والمخالفات تشير إلى أنه كان يقود المركبة في هذا الوقت القصير بسرعة فاقت 180 كيلو متر في الساعة رغم وجود رادارات لضبط المخالفين على مسافة لا تزيد عن كل كيلومترين، وهناك لوحات إرشادية تشير إلى ذلك.

وبمجرد أن علم «ع» بمخالفاته توجه إلى الإدارة العامة للمرور وطلب دفع المخالفات المطلوبة وقدرت ب30 ألف درهم إماراتي، إلا أنه رفض حجز سيارته لمدة 360 يوماً، متعللاً بأنه لا يمكنه الاستغناء عنها، وادعى أن مرتكب تلك المخالفات صديقه الخليجي الذي يقود سيارته. وبالطبع رفضت إدارة المرور في دبي حجته الواهية، ومع ذلك أعفته من 60 يوماً حجزاً لسيارته، واضطر لدفع بدل الحجز عن 300 يوم بواقع 100 درهم عن اليوم الواحد، ووصلت قيمة ما دفعه إلى نحو 42 ألف درهم.


من عشق السرعة إلى العجز

أما الإماراتي محمد أنس فهو  موظف ويبلغ من العمر 22 عاماً، امتلك الشجاعة ليتحدث عن تجربته مع السرعة بعدما أصبح عاجزاً عن السير نتيجة حادث مروري. يقول: «كنت عاشقا للسرعة والسباقات مع الأصدقاء، واليوم أصبحت أسير على عكازين نتيجة حادث مروري لم أكن المتسبب به، فأصبت بشرخ في العمود الفقري وكسر وشروخ في القدمين».
محمد مطالب بسداد 82 ألف درهم مخالفات سرعة وقيادة بطيش وتهور، إلى جانب حجز المركبة لمدة 510 أيام، ويشير إلى انه حاول تقليل المبلغ المطالب به، إلا انه لم يستطع، بل فقط اعفي من نصف مدة الحجز للمركبة ودفع نقدا مبلغ 108 ألاف درهم تقريبا لفك حجز السيارة.

ويكشف محمد أنه منذ طفولته كان يقود سيارة دون رخصة منذ أن كان في السابعة، وتعود على ذلك ولم يمنعه أحد من الأهل. وواصل تهوره حتى أصبح يملك رخصة قيادة، وكان يلتقي أصدقاءه للمشاركة في سباقات، وكان دائماً يسير بسرعات عالية غير عابئ بشيء. ويؤكد أن عشقه للسرعة أصبح هوساً لديه، فلا يعرف السير ببطء، بل لا يرغب في التعرف على سرعات الطرق، فهو بمجرد دخوله سيارته يعتبر الشارع ملكه، ولا يعطي الفرصة لمركبة لأن تكون أمامه، بل يتخطاها أو يحاول إبعادها عن الطريق، إلى أن جاء يوم كان يقوم فيه بالدوران إلى الخلف وجاءت سيارة وصدمته، وكان الحادث المؤلم الذي تعرض له، وأصبح بالنسبة إليه الدرس القاسي والمؤلم.

ويكشف أيضاً أنه اضطر لاقتراض مبلغ  200 ألف درهم من أحد البنوك لكي يزيد السرعة في سيارته التي لا تتعدى قيمتها 12 ألف درهم، واليوم استدان من جديد من أجل سداد المخالفات.
وبلسان المتضرر يؤكد محمد أن السرعة نهايتها إما الموت كما حدث للكثيرين من أصدقائه، أو الإصابة بعجز جسدي مثلما حدث له، مطالباً الشباب بأن يكونوا أكثر حرصاً على أموالهم وحياتهم وحياة مستخدمي الطرق الأبرياء قبل كل شيء.


تهور نسائي

الحالة الثالثة لشابة إماراتية ارتكبت مخالفات رادار وصلت قيمتها إلى 146 ألف درهم، لأنها كانت ترتكب يومياً مخالفة سرعة على مدار عام ونصف العام. وتبين أنها تملك سيارة رياضية وتتوجه يومياً إلى مقر عملها متخذة من شارع الشيخ زايد مسلكاً لها. وقد أصيبت بالدهشة في بادئ الأمر عندما تم إعلامها بالمبلغ المستحق عليها، إلا أنها دفعته ودفعت بدل أيام الحجز مع وعد بألا ترتكب هذه المخالفات مجدداً.
400 مخالفة لجامعي خليجي

وكان هناك طالب جامعي خليجي يقود سيارة تحمل أرقاماً صادرة من دولته، ويدرس في إحدى الجامعات في دبي. وكان يومياً يتوجه إلى جامعته بسرعات كبيرة حتى وصلت جملة مخالفاته إلى 400 مخالفة سرعة وقيادة بطيش وتهور، وقدرت قيمة غراماتها بـ 100 ألف دولار أو 367 ألف درهم. وقد رصدت السيارة أجهزة الرادار، وتبين انه ارتكب تلك المخالفات في غضون عامين ولم يتقدم بالدفع أو التسوية ظنا منه أن في مقدوره الإفلات لأن أرقام المركبة غير إماراتية، إلا أنه فوجئ ذات صباح برجال الشرطة على باب شقته، واصطحبوه إلى الإدارة العامة للمرور، حيث فوجئ بحجم المخالفات، والمطالبة بحجز سيارته الفاخرة لمدة 1000 يوم. ونتيجة لعجز الشاب عن الدفع تدخلت سفارة دولته، وحُلّ الأمر بالاتصال بذويه، وإرسالهم المبالغ المطلوبة  للإفراج عنه.

الغريب في تلك الواقعة أن سيارة الشاب لم يكن لها أي ملف في الإمارات، كونها مسجلة في دولة خليجية، وكانت قضية الوصول إليه من الأمور الصعبة، ولكن بتفريغ أجهزة الرادار على شارع الشيخ زايد، وهو الطريق الذي ارتكب عليه الشاب كل مخالفاته، تبين انه يمر في وقت محدد كل يوم. هكذا أمكن التوصل إلى ماركة السيارة، وبالتالي توجه ضباط المرور إلى وكيل هذا النوع من السيارات، وعُلم مشتريها في الدولة الخليجية، وبالتالي تم التوصل إلى الشاب الذي يقودها.


رعونة امرأة

أما الحالة الأغرب فكانت لسيدة عربية تدعى «ن. د» تعمل موظفة براتب 4 ألاف درهم في أحد المراكز التجارية في دبي. وبرصد المخالفات تبين أنها ارتكبت 295 مخالفة مرورية، ومطالبة بتسديد 80 ألف درهم لثلاث إمارات هي دبي والشارقة وأم القيوين، علماً أنها تسكن في الأخيرة.
ولم تفوت «ن». مخالفة إلا ارتكبتها، فكان عليها مخالفات لنظام «سالك» التابع لهيئة الطرق في دبي، ومخالفات في الشارقة وأخرى في أم القيوين، فانتقل رجال المرور إلى مقر عملها بعد استدعائها لأكثر من مرة ولم تستجب، وتم التحفظ على المركبة ونقلها إلى شبك الحجز إلى حين سداد ما عليها. إلا أنها وخلال فترة المهلة استأجرت سيارة وارتكبت مخالفات مرورية أخرى في حالة من الاستهتار وعدم المبالاة.


فريق التقصي

وفقاً لمدير الإدارة العامة لمرور دبي اللواء مهندس محمد سيف الزفين تمّ تشكيل فريق من ضباط وأفراد الإدارة يدعي فريق «التقصي» مهمته رصد مرتكبي المخالفات المرورية، وملاحقتهم واسترجاع المبالغ المتراكمة على الإفراد والشركات، وحجز السيارات التي تراكمت عليها مخالفات تزيد عن 5 ألاف درهم خلال عام واحد فقط، إلى جانب ملاحقة المركبات التي مضي على انتهاء ترخيصها أكثر من 3 أشهر.
ويشير الزفين إلى أن الفريق تمكن من استعادة مئات الملايين من تلك المخالفات المتراكمة من مرتكبيها ، وهذا الفريق يعمل على مدار الساعة في الكشف عن المخالفين.

ولفت إلى انه خلال الأشهر العشرة الماضية من عام 2010 تم الوصول إلى 10 أشخاص ارتكبوا نحو 1876 مخالفة مرورية، بلغت قيمتها المالية مليوناً و200 ألف درهم ، واحتل المركز الأول في تلك المجموعة شخص ارتكب 288 مخالفة بلغت قيمتها 186 ألف درهم، والثاني ارتكب 176 مخالفة قيمتها 127 ألف درهم، والثالث 113 مخالفة قيمتها 126 ألف درهم، بينما كان نصيب العاشر في الترتيب مخالفات مرورية بلغت 97 ألف درهم.
ويؤكد الزفين أنه من المعروف أن السرعة تتسبب بـ 40 % في وفيات حوادث السير، ولذلك نُشرت أجهزة رادار ثابتة ومتحركة على كل طرق إمارة دبي للحد من السرعة والحد من وفيات حوادث السير.

وأوضح انه رغم القوانين والأنظمة المرورية والقرارات الإدارية لا يزال هناك شباب وشابات مصرون على ارتكاب المخالفات بأسلوب استفزازي، وأصبحت المخالفات المالية لا تؤثر عليهم، لذلك كانت قرارات حجز المركبات، وأخيراً قرار القائد العام مصادرة المركبات التي تتورط في عمليات سباق على الطرق.

وأبدى اللواء الزفين تعجبه من شاب يحقق رقماً قياسياً بارتكاب 12 مخالفة في 5 دقائق، وآخر يقترض من أجل تزويد سيارته بزوائد غير قانونية لزيادة سرعتها  وارتكاب مخالفات تصل قيمتها إلى ما يزيد عن ثمن السيارة، وغيرها الكثير من الحالات التي تشكل استفزازاً حقيقياً، وبالتالي سوف تتم ملاحقة هؤلاء في كل مكان حتى يتم ردعهم بالقانون والقرارات التي تعيدهم إلى صوابهم، مطالباً أولياء الأمور بعدم الانصياع لرغبات أبنائهم بتزويد السيارات قطعاً تزيد سرعتها، لأنهم ببساطة يقتلون أبناءهم ولا يرفهون عنهم. وطالبهم أيضاً بتوعيتهم من أخطار السرعة، وأن يكون لهم الدور الفعلي في الحد من حوادث الوفيات، وخاصة لمن هم في مرحلة الشباب، إذ تزيد نسبة الوفيات بينهم في حوادث السير عن 45 %.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079