الأب قاتل والشهود أطفاله الثلاثة!
المدهش في هذه القضية أن شهود الإثبات هم أقرب الناس إلى المتهم: أبناؤه الثلاثة، شهد(6سنوات)، وفاطمة (12 سنة)، وأحمد (10 سنوات). وقد تكون شهادتهم المقبلة أمام محكمة الجنايات هي الطريق إلى حبل المشنقة للأب الذي ارتكب مذبحة جهاراً نهاراً.
أمام النيابة أدلى الأبناء الثلاثة بشهادتهم وكلهم ثقة وتصميم. لم يبالوا بدموع الأب التي انهمرت بغزارة على وجهه ونظراته وكأنه يستعطفهم ليمتنعوا عن الشهادة حتى يعطوه فرصة للهروب من مصيره المحتوم. لكن الأبناء الثلاثة لم يترددوا، لم تأخذهم بوالدهم رأفة بل كانوا يدركون أنه يستحق مصيره المحتوم.
قبل أيام من جلسات محكمة الجنايات كان الوضع في منزل الحاج إسماعيل سيئاً: الأبناء الثلاثة يستعدون للإدلاء بشهادتهم ضد والدهم أمام المحكمة، وكانوا يدركون جيداً أن كلماتهم ستذهب بوالدهم إلى حبل المشنقة، ولكنهم أيضاً كانوا قد حسموا أمرهم، فوالدهم يستحق هذا المصير لأنه قتلهم قبل أن يقتل جدهم وخالهم في مذبحة مشهودة. تخلى الأب عن واجباته ونسي أنه أب، وأهمل زوجته وأبناءه وتفرَّغ لنفسه. وحين أرادت زوجته أن تحصل على حقها الشرعي والقانوني وطلبت الخُلع، قامت الدنيا ولم تقعد!
أقسم الزوج على أن يقتلها ويقتل الذين حرضوها على هذه الفعلة الشنعاء، ونفذ تهديده، وقتل والد زوجته وشقيقها، فيما نجت الزوجة بأعجوبة...
الجريمة وقعت أمام أعين ثلاثة أطفال شاء قدرهم العاثر أن يشهدوا هذه المذبحة التي كان بطلها والدهم، أقرب إنسان إليهم في الدنيا. راح الجد الذي كان يمثل للأبناء كل شيء في الدنيا، بعدما تخلى الأب عن واجباته، وترك للجد مهمة رعاية الأبناء والزوجة والإنفاق على المنزل. بكى الأبناء الثلاثة بحرقة وامتزجت دموعهم بدماء جدهم الحبيب، ولهذا لم يترددوا في ادانة والدهم أمام النيابة، واستعدوا لتكرار الأمر أمام المحكمة.
الشهود الثلاثة
أمام النيابة أدلت شهد وفاطمة وأحمد بشهادتهم، أكدوا أن والدهم شوقي سفاح، ارتكب جريمته بدم بارد، وقص الأطفال الثلاثة حكاية الجريمة على رئيس النيابة، وأكدوا أنهم كانوا يتناولون طعام الغداء وسمعوا طرقات قوية على باب الشقة...
يقول أحمد: «ظهر الخوف على وجه جدي العجوز، خاصة أنه كان يعلم بتهديدات والدي الذي أقسم على أنه سينتقم ويجعله يدفع ثمن مطالبة والدتي بالخلع. وأسرعت شقيقتي شهد لتفتح الباب وفوجئت بوالدي وهو يمسك سكيناً، أزاح شهد وطرحها أرضاً واتجه إلى خالي محمود. صرخت أمي وهي تستنجد بالجيران لكن والدي أغلق الباب حتى يرتكب جريمته.
وراح يطعن خالي في رأسه وفي جميع أجزاء جسده، ولم يتركه إلا جثة هامدة! لم يصدق جدي نفسه، وحاول أن ينقذ ابنه وتحرك ولكن ليته لم يتحرك، اذ لم يكن مصيره أفضل حالاً من مصير خالي... فشل جدي العجوز في الهروب من طعنات والدي التي لم تتركه هو الآخر إلا جثة هامدة». التقطت شهد طرف الحديث من شقيقها، وقالت: «عندما أنهى والدي جريمته وراح ينظر حوله، كان يبحث عن أمي حتى ينال منها، لكن والدتي أدركت بسرعة ما يخطط له فهربت الى خارج المنزل ومعها جدتي، ولم يبق سوانا. نظر والدي إلينا نظرة سريعة، وسارع الى مغادرة المنزل وهو يهدد بالسكين كل من يحاول اللحاق به».
طلب مرفوض
وخلال جلسات تجديد حبس الأب المتهم حاول أن يطلب من أبنائه العدول عن شهادتهم حرصاً على حياته، أو على الأقل عدم الحضور أمام المحكمة، لكن الأبناء رفضوا.
لم تكن هذه المذبحة هي الفصل الأول من مأساة الأبناء مع والدهم، بل بدأت حكايتهم منذ 17 سنة هي عمر زواج والدتهم بوالدهم الصعيدي الذي جاء من بلدته المنيا بحثاً عن عمل، لكنه استسلم لظروف الحياة القاسية، وراح يتنقل بين مهنة وأخرى.
الضحية الأولى لهذه العشوائية كانت الأبناء، خرج أحمد من المدرسة في السنة الخامسة بعدما فشل الأب في توفير نفقات الدراسة، ولم يهتم شوقي بتعليم ابنتيه شهد وفاطمة، واستمرت المشاجرات والخلافات بين الزوجة التي رفضت هذا الوضع وزوجها الذي تراكمت عليه الديون دون أن يحرك ساكناً.
انتقام
باع الزوج أثاث المنزل للوفاء بديونه، وفيما كان الجد يشارك في نفقات المنزل وجدت الزوجة نفسها لا يحتاج إلى زوج لا يشارك في شيء في المنزل، فطلبت منه الطلاق، لكن شوقي رفض وبدأ يعاقب زوجته بالضرب والمنع من الخروج من المنزل.
شهادة الأبناء في النيابة أكدت أن الزوجة طلبت الخلع، وتركت منزل الزوجية اعتراضاً على تصرفات زوجها الذي جن جنونه بعد قيام زوجته بهذا التصرف الذي لم يتوقعه، وحاول بشتى الطرق أن يثنيها عن طلب الطلاق، لكنها أصرت ولجأت إلى القضاء.
عندما تلقى الزوج إنذاراً بدعوى الخُلع لم يصدق نفسه، أرسل لأسرة زوجته رسالة تؤكد أنه سينتقم من الجميع. أعد العدة واشترى سكيناً وتأكد من وجود الأسرة كلها في المنزل، وطرق الباب، وبدأت مشاهد المذبحة.
قتل الجد والخال، وكادت الأم تلقى المصير نفسه لكنها هربت في اللحظة الأخيرة، وبعد دقائق من الجريمة وصلت سيارة النجدة، وأدلت الزوجة والأبناء بشهادتهم ضد الأب، وقررت النيابة حبسه، ولم يجد شوقي مفراً من الاعتراف التفصيلي بجريمته.
أكد المتهم أنه تعرض لضغوط شديدة خلال الساعات التي سبقت الحادث بسبب الدعوى التي أقامتها عليه زوجته رغم أنه يحبها بجنون وحارب الدنيا كلها من أجلها، لكن ظروف الحياة الصعبة جعلته يترك عمله، ويستدين من أجل الوفاء باحتياجات المنزل.
وأضاف أنه لم يكن ينوي قتل والد زوجته وشقيقها بل تهديدهما حتى تعود معه زوجته إلى منزله، وتتنازل عن دعوى الخُلع. لكن الأحداث تطورت وجعله صراخ الأطفال يخرج عن طوره ويطعن شقيق زوجته. واستثاره مشهد الدم فقرر قتل حميه وزوجته. وفجَّر الزوج مفاجأة، مؤكداً أنه كان ينوي الانتحار بعد المذبحة لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة!
قررت النيابة حبس الأب الذي تراجع عن اعترافاته في جلسات تجديد الحبس، لكن الشهود وعلى رأسهم زوجته وابناؤه الثلاثة ادانوه، وقررت المحكمة تجديد حبسه وإحالته على محكمة الجنايات.
أعدت النيابة مذكرة طالبت فيها بإعدام الأب المتهم، واستندت إلى شهادة أبنائه الثلاثة الذين سردوا تفاصيل الجريمة كاملة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024