طفل في سجن النساء!
شاء حظه العاثر أن ينشأ بين جنبات السجن مع أنه طفل وليد لم يرتكب جريمة يعاقبه عليها القانون... القدر حسم أمره، وأراد لكريم أن يعيش أربع سنوات كاملة في سجن النساء. قبل عام شهد مستشفى السجن ولادة كريم الذي أنجبته والدته نحمده المحكوم عليها بالسجن سبع سنوات في قضية تجارة مخدرات... كان من الممكن تسليم كريم إلى والده أو جدته، لكن الأم تمسكت به وبحقها القانوني، وقررت أن يعيش معها ابنها حتى يبلغ الرابعة. لا أحد يعلم هل هي ظالمة أم أنها تعمل لمصلحة ابنها؟ وهل هي أنانية لأنها أصرت على أن يعيش معها رضيعها كريم، الذي لم يتجاوز عامه الأول؟ أم أنها عادلة لأنها تريده أن ينهل من حبها وحنانها ورعايتها؟ فهي أم في النهاية واختارت أصعب اختيار، وبقرار منها أصبح ابنها أصغر نزيل في سجن النساء، لم يتم حبسه بحكم من المحكمة، ولكن بفرمان من أمه التي كانت تبكي دماً وهي تصر على بقائه معها حتى اللحظة الأخيرة.
كانت تدرك جيداً أنه لن يكون مثل باقي الأطفال، يلهو في الشارع أو النادي، ويداعب أصدقاءه وجيرانه.
كانت الأم تردد لصديقاتها المقربات إليها أنها الوحيدة، من بينهن، التي صدرت ضدها عقوبة السجن مضاعفة، فحينما نطق القاضي بالحكم بحبسها سبع سنوات أغمي عليها في قاعة المحكمة، وحين أفاقت سالت دموعها بغزارة وهي تفكر في ابنها الذي تحمله في أحشائها، وسيخرج إلى النور بعد أشهر، فهو سيرى الدنيا من وراء الأسوار...
عقارب الزمن
قبل أيام من ولادة كريم كانت أسرة نحمده كلها تزورها في السجن. حاول أشقاؤها أن يشدوا أزرها ولكنها كانت منهارة، تتمنى أن تعود بها عقارب الزمن إلى الوراء، وأن ترى الدنيا من جديد في ثوبها الجميل الوردي.
أحست بالندم الشديد للمرة الأولى في حياتها، وراحت تتذكر أطفالها الثلاثة، وتعض على شفتيها وهي تفكر في ما سيحدث لابنها القادم الذي سيكون ذا الحظ الأسود من بين أشقائه، فبينما سيكونون جميعاً في منزلهم سيكون هذا الطفل خلف الأسوار، يخضع رغم أنفه لقواعد السجن التي لا تعرف سوى الحزم والصرامة.
وضعت نحمده ابنها في مستشفى السجن، وأصبح طفلها تحت الرعاية الطبية، وصرفت لها إدارة السجن وجبات إضافية وألباناً لابنها، ووفرت لها منطقة لعب أطفال، حتى يتمكن طفلها من اللهو في أشهره الأولى.
ابتسمت السجينة، ابنة السابعة والثلاثين، بتهكم وهي تتأمل واقعها، ابنها يعيش في عالم أشبه بذلك العالم الذي يعيشه أقرانه في الخارج، ولكن مع الأسف فإن كل ذلك يتم في السجن، وفي النهاية كل شيء بحساب، الطعام، والنوم، والفسحة، ومشاهدة التلفزيون. كانت تلحظ الحزن في عينيْ طفلها حين قاربت شهور عمره من العام الأول، لأن كريم بدأ يدرك أنه محبوس بين جنبات هذا المكان.
الطفل الذكي كان يميز والده وجدته عندما يأتيان لزيارته ومعهما الحلوى، وكذلك أشقاءه حينما كانوا يجلسون مع شقيقهم طوال ساعتي الزيارة، يداعبونه، ويلهون معه، ولكن حينما تنتهي مدة الزيارة يعلو صوت مسؤولة السجن التي تطلب من أقارب المساجين مغادرة المكان.
لحظة مؤلمة تقول عنها الأم نحمده: «أبكي حينما أشاهد الدموع في عيون زوجي وأبنائي وهم يودعون كريم الذي يشعر، بفطرته بما يحدث، فيبكي هو الآخر، ويتعلق بوالده وأشقائه، وهو يتمنى أن يغادر معهم السجن، وينظر إليَّ زوجي وكأنه يرجوني أن أترك ابنه ينعم بالحرية، لكنني أقاوم عاطفتي وأخبره أن مصلحة كريم تحتم بقاءه تحت رعايتي وهو في هذه السن الصغيرة.
«حظي العاثر»
تواصل الأم حكايتها قائلة: «لم أكن مجرمة بطبعي، ولم أدخل يوماً قسم شرطة، لكن حظي العاثر أوقعني في شر أعمالي. وأعلم في النهاية أنني أخطأت، ولكن كم كان هذا الخطأ فادحاً، لأنني باسم الشهامة دخلت السجن... كنت أسكن في منزل العائلة بحي الزاوية الحمراء الشعبي، وفي الطابق الأعلى لشقتي كان يسكن ابن خالتي الذي كنت أعلم أنه يتاجر بالمواد المخدرة، لكنني لا أملك في النهاية سوى التعامل معه بحرص.
في أحد الأيام، استيقظت على صوت طرقات قوية على باب شقتي، عقارب الساعة تجاوزت الرابعة فجراً، وزوجي كان مسافراً، أسرعت إلى الباب، فوجدت أمامي ابن خالتي، وهو يرتعش ويحمل لفافة، ناولني إياها بسرعة، ورجاني أن أخفيها قبل أن تأتي الشرطة.
هرب ابن خالتي قبل أن أناقشه في ما حدث، وكنت أعلم بالطبع أن هذه اللفافة الضخمة فيها أشياء ممنوعة، فسارعت الى إخفائها في فراشي، وحاولت أن أكمل نومي. ولكنني استيقظت مرة أخرى على طرقات رجال البوليس.
اقتحم ضباط المباحث شقتي، وفتشوا كل مكان فيها، كنت أرتعش خوفاً من عثورهم على اللفافة. ومن سوء حظي أنهم عثروا عليها. حاولت أن أبرر موقفي، وأن أنفي التهمة عني، ولكن بلا جدوى، فهرب ابن خالتي من المسؤولية، وتركني ألقى جزاء شهامتي معه.
لم أستطع أن أقنع المحكمة ببراءتي، وقررت المحكمة الحكم بسجني 7 سنوات مع الرأفة لأنني كنت حاملاً، وللأسف أيدت محكمة النقض هذا الحكم ليصبح باتاً، ويصبح مصير ابني هو السجن أربع سنوات معي لأنه وبمجرد أن يكمل عامه الرابع سيخرج من سجن النساء».
تؤكد نحمده أنها تفكر في لحظة خروجها من السجن، بعد تمضية المدة القانونية، وكيف ستواجه ابنها كريم الذي سيكون في السابعة من عمره، بعدما تسببت في عيشه بداية عمره في أسوأ مكان في الدنيا.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة