تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

السعودية... قرار تدريس معلمات للتلامذة الذكور في المراحل الأولى

تباينت الآراء حول قرار إسناد مهمة تعليم البنين في الصفوف الأولية (الإبتدائية) إلى معلمات في مدارس التعليم الأهلية الذي دعت وزارة التربية والتعليم السعودية اليه في بداية هذا العام. ووصف البعض التجربة التي خاضتها مدارس ليست قليلة، بأنها ناجحة من منطلق قدرة المعلمات على التعامل مع الطلاب الذكور بشكل صحيح. وإسناد مهمة تعليم الطلاب الذكور الى معلمات أمر غير مخالف للسياسة التعليمية، ويأتي تطبيقا للمادة 14 من نظام التعليم الأهلي الذي أعطى مدارس القطاع الخاص حق تطبيق نماذج لا تخالف السياسة التعليمية، ومنها قيام المعلمات بتدريس الطلاب في الصفوف الأوّلية. «لها» تحدثت مع القائمين على بعض المدارس التي طبّقت هذا القرار للإطلاع على هذه التجربة

 مدارس «رواد الصرح» في  منطقة بريده السعودية هي من المدارس التي طبقت هذا القرار وواجهت الكثير من الانتقادات والغضب من أهالي منطقة القصيم الذين رأوا في هذا القرار مخالفة للشريعة الإسلامية ودمجاً للجنسين في صفوف واحدة من المراحل الأولية. وتم الإعلان الذي ويحتوي على صورة للملك عبد الله وكأنه يُحيّي الطلاب ويخاطب المدرسة  في عبارة «من صرح رواد الصرح شجعت أبنائي.. فقالوا قبلنا التشجيع ونسعى للتطوير، فبدأ الآن تسجيل أبنائنا وفلذات أكبادنا لعام 1431- 1432 هـ . ولأول مرة في منطقة القصيم تدريس البنين بكوادر نسائية».

 تقول المشرفة العامة على المدرسة فاطمة ناصر الغفيص: «في البداية ثار الأهالي وتجمعوا أمام مكتب مدير تعليم البنات في منطقة القصيم الدكتور عبد الله الركيان مطالبين بمنع معلمات هذه المدرسة الأهلية من تدريس الطلاب الذكور في المراحل الأولية إذ ظنوا أن المدرسة ستدمج الطلاب والطالبات في الصفوف الدُنيا، في حين أن المدرسة خصصت مباني مستقلة للطلاب وأخرى للطالبات. لكن تدريس الأطفال الذكور سيكون من مهمة معلمات. كما أن الإعلان الذي نشرته المدرسة كان واضحاً ووزارة التربية والتعليم في السعودية تسمح بهذا النوع من التعليم ولم نخالف الأنظمة التي تؤكد أنها تسمح بتدريس المعلمات للبنين في الصفوف الدُنيا مع توافر شرط فصل الجنسين».
وأضافت الغفيص: «بت أخشى على مدرستي وطالبت بتخصيص دوريات أمنية لحمايتها إلى حين اتضاح  اللبس، خاصة عندما تلقيت كلاماً من بعضهم عن مدى قدرتي على صد دروع المعترضين من الأهالي. ورغم التهديدات سأستمر في هذه السياسة  لإيماني القوي بأن هذه التجربة هي الأنجح لتأسيس الأطفال في المراحل الأولية. وسيتم مستقبلاً افتتاح أقسام أخرى للبنين بمبانٍ مستقلة والتدريس فيها للمعلمين الذكور، وهي مُكملة للمدرسة».
وشددت الغفيص على أن وزارة التربية والتعليم تسمح بهذا النوع من التعليم قائلة:"بعد توضيح اللبس الذي حدث من الأهالي عن الإعلان  وتسرعهم في الاعتراض والمطالبة بمنع المعلمات من تأدية واجبهن المهني، غيّر بعض الأهالي موقفه ورحب بهذه الفكرة طالما أنها تُطبق الشروط والأنظمة ويتم الفصل فيها بين الجنسين. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذا القرار، وبفضل من الله صار المرحبون بالفكرة أكثر من المعترضين الذين التبس عليهم الأمر. كما أن مواقف وزارة التربية والتعليم كانت واضحة ومساندة لموقف المدرسة، وأكد مدير التربية والتعليم الدكتور عبد الله الركيان أن مدرستنا لم تخالف الأنظمة وأن هذه التجربة ستلقى الكثير من النجاحات وسيكون لها مستقبل جيد تربوياً».

سعادة: تجربة إيجابية وناجحة وتعمل على تأسيس الطفل بطريقة سليمة
من جهته، ذكر المشرف العام والمدير التنفيذي لمدارس «الحجاز العالمية» في جدة الأستاذ عبد السلام عدنان سعادة أن قرار تدريس البنين بكوادر نسائية تمت الموافقة عليه منذ سنتين «شريطة أن يكون هناك فصل بين الجنسين وألا يخالف الأمر الأنظمة والتعليمات الخاصة بوزارة التربية والتعليم». وقال: «هذه هي السنة الثالثة التي تُطبق فيها مدرستنا هذا القرار وفق الشروط والأنظمة التعليمية، حيث أن الأطفال الذكور لهم طابق منفصل تماماً عن قسم الطالبات.
وقد لاقت هذه التجربة استحسان الأطفال والأهالي على حد سواء وهي تجربة ايجابية وجديدة.
إلا أن هناك بعض المشاكل التي واجهتنا مع الطلاب السعوديين المنتقلين من مدارس حكومية إلى مدارسنا، فقد فوجىء هؤلاء في البداية  بوجود معلمة في الصف ليذهبوا ويشكوا الأمر لعائلاتهم. وسرعان ما يتم التفاهم مع العائلة عن طبيعة الفصل بين الجنسين وأهمية دور المعلمة في حياة الطفل في هذه المرحلة العمرية من حياته المدرسية. لذلك قدمنا اقتراحاً للوزارة نطلب فيه أن يشمل القرار الفصل الرابع الابتدائي باعتباره مكملاً للمراحل الأولية. إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض لعدم قدرة المعلمة على السيطرة ربما على الأطفال في هذه السن».
وأضاف سعادة: «أصبح الإقبال كبيراً على هذه المراحل الأولية لتدريس الذكور حتى أن الأهالي والطالبات تشجعوا كثيراً لتسجيل أطفالهم في المدرسة لدينا ليتراوح أعداد الطلاب منذ بدء القرار إلى يومنا هذا ما بين 500 إلى 800 طالب وهم في طابق منفصل عن صفوف الفتيات في بقية المراحل الابتدائية.
حتى أن أوقات الفسحة الخاصة بالأطفال الذكور منفصلة عن فسحة الطالبات في المدرسة حتى لا يتم الاختلاط فيما بينهم. ولا أخفيك بأن بعض الأطفال أصبحوا لا يستطيعون الابتعاد عن المعلمة وربما يرفضون أن يقوم بتدريسهم أستاذ لما يجدونه من سياسة لطيفة ومعرفة تامة بالتعامل مع الأطفال في هذه المرحلة العمرية التي تعتمد على التقويم المستمر وتدريس المواد الأربع الأساسية والمهمة للطفل، وهي اللغة الانكليزية والرياضيات والعلوم والاجتماعيات من خلال معلمة واحدة تُسمى معلمة الصف أو (class teacher). فقدرة المعلمة على إيصال المعلومات الصحيحة الى الطفل واحتوائه والاهتمام به دلالات تؤكد أن هذا القرار الوزاري يسير بنجاح وإيجابية».

الزهراني: اهتمّ بالطلاب اهتمامي بأطفالي
ذكرت  إحدى المعلمات في مدرسة الحجاز العالمية في جدة غادة الزهراني أنها كانت تخشى وجود الاختلاط بين الطلاب والطالبات في المدرسة، إلا أن الصورة اتضحت لها ما أن باشرت عملها منذ أشهر قليلة. تقول: «أنا معلمة جديدة في هذه المدرسة إلا أنني أراها مدرسة ممتازة جداً. وعن تدريسي للبنين في بداية الأمر استغربت الفكرة، حتى أن زوجي سألني إن كان هناك أساتذة ذكور أم لا. لكن عندما بدأت التدريس وجدت المسألة ممتعة حيث أنني أتعامل معهم وكأنهم أطفالي فأهتم بكل كبيرة وصغيرة  تخصهم. ولا يوجد اختلاط، كما أن قسم الأطفال الذكور منفصل عن الصفوف الأخرى للبنات. وأنا أدرسهم مادة الدين لذلك احرص على تحفيظهم السور القصيرة ومتابعتهم في بقية الدروس الدينية من تعليم الصلاة وكيفية الوضوء وأركان الإسلام وغيرها».
وأضافت: «هذه تجربة ناجحة وأتمنى تعميمها في كل المدارس الحكومية والخاصة والتعليم الأهلي والأجنبي لأنها تفيد الطالب منذ بداية حياته وسنوات عمره المدرسية. ولأننا مجتمع تقليدي لن يكون هناك اختلاط في الصفوف بين الطلاب والطالبات، وسيتم تنفيذ القرار وفق اللوائح والشروط والأنظمة التعليمية التي تفرضها وزارة التربية والتعليم لما فيها فائدة لإيجاد جيل واعِ ومثقف ومعتمد على نفسه ولا يخجل من التعامل مع المرأة في ما بعد».

هالة عبد الرحمن: الأطفال في حاجة إلى احتوائهم في هذه المرحلة العمرية
ووافقتها الرأي المشرفة العامة على قسم البنات في مدرسة الحجاز العالمية في جدة هالة عبد الرحمن التي أكدت أن تجربة تعليم المعلمات للطلاب الذكور في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية ناجحة، وبخاصة في ظل وجود أطفال يحتاجون إلى احتوائهم من قبل المعلمات في هذه المرحلة العمرية. تقول: «من الأفضل للأطفال، بنين وبنات، التعلم على أيدي معلمات خلال الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية، لا سيما أن الطفل في تلك السن يحتاج إلى متابعة مستمرة، وهو ما لا يستطيع معظم الآباء القيام به نتيجة انشغالهم في مسؤولياتهم.
كما أن هذه التجربة ساعدت في تواصل الأمهات باستمرار مع مدارس أبنائهن ومتابعة سلوكياتهم وما يحتاجون إليه.  ناهيك بأن رؤية الطفل لوالدته حتى في المدرسة بين الحين والآخر وإحساسه باهتمامها به بين زملائه من شأنهما أن ينعكسا إيجاباً على نفسيته. «وأكدت أن الكثير من الأولاد الموجودين في المدرسة باتوا يتمتعون بشخصيات قوية ومنطلقة بعكس ما كانت تتوقعه بعض الأمهات حول احتمالية تأثر أبنائهن بطباع البنات الأنثوية». 
وأضافت: « الطفل لا يحب أن يشعر بأنه مثل الفتاة، مما يجعل المعلمة تحفزه وتشجعه وتزرع الثقة في نفسه بحسب طبيعته الذكورية. ولقد فصلنا البنين عن البنات حتى في دورات المياه وفترات الاستراحة بالساحات المدرسية، غير أن ذلك لم يؤثر عليهم كون الأساس يتمثل في تعاملهم مع المعلمات في الفصول. ومن اللازم أيضا  تهيئة المباني المدرسية للبنين».

د. زهرة المعبي: تدريس المعلمة للأطفال الذكور عامل للاستقرار النفسي
من جانبها، رأت المستشارة النفسية والأسرية والادراية في مركز إيلاف للاستشارات الاجتماعية والتربوية والتعليمية الدكتورة زهرة المعبي أن هذا القرار يحتمل جانبين من الناحية التربوية، «فتعليم الأطفال الذكور على أيدي نساء في الصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي يعزز شخصية الطفل ومن الجميل جداً أن تقوم المعلمة بتدريس البنين خاصة في المراحل الأولية من الصفوف الدُنيا ذلك لأن المعلمة امتداد لرسالة الأم.
فالطفل الذي يشعر بالابتعاد عن والدته يجد في المعلمة بديلاً.
ولا ننسى أن المراحل الأولية في هذه الصفوف تحتاج إلى مهارة تعليم الطفل الكثير من الأمور ابتداء من مسك القلم ثم تعليمه الكتابة والقراءة والحرف وضرب الأمثلة والتحدث معه بأسلوب رقيق لكي لا يخاف من فكرة المدرسة. وهو أمر لا يوجد لدى المعلمين الذكور، وهناك الكثير من الأطفال باتوا يخشون المعلم لعدم وجود تعامل سلس وسهل بينهم».
وأضافت المعبي: «وجود المعلمة في كادر تدريس الطفل يعني تأسيس مستقبله بالطريقة الصحيحة. بعيداً عن العنف. وأنا أعلم  أن هناك أطفالاً يتعرضون للضرب على أيدي أستاذتهم في المدرسة مما يجعل الطفل عنيفاً في تصرفاته مع باقي الطلاب، وحتى مع أخوانه وأهله في المنزل».
أما عن الجانب النفسي فرأت المعبي أن هذه التجربة تبني جيلاً واعياً لا يخجل من التعامل مع المرأة ويعرف كيف يتعامل معها ويصبح المجتمع مفتوحاً بطريقة طبيعية، كل جنس أمام الأخر باحترام ووعي وإدراك لمفهوم السيدة والمرأة والفتاة والأخت وحتى الأم في المجتمع.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080