طبيبة سعودية: عشر سنوات وأنا بين أروقة المحاكم
ضاعت زهرة شبابها خلف أسوار حياة خالية من بسمة طفل طالما حلمت به، وزوج يبني لها بيتاً يشاركها فيه لحظاتها الجميلة والمؤلمة. نالت شهادة الطب التي تعتبرها نقمة لا نعمة، بعدما قرر والدها منعها من الزواج، ليس هي وحدها بل حتى أخواتها الأخريات اللواتي يلحقن بها في قطار العمر الماضي بهن. الطبيبة السعودية تحدثت الى «لها» عن سبب حرمانها الزواج بدافع الاستحواذ على راتبها الشهري. دار الحماية بيتها منذ خمس سنوات بعدما تعرضت للضرب على يد والدها بأدوات حادة أدخلتها المستشفى فاقدة الوعي مدة ثلاثة أيام. ومع ذلك لا تزال القضية عالقة في أروقة المحكمة...
المحامي أحمد بن خالد السديري: تبنيت القضية لأنها مشكلة بدأت تستشري في المجتمع السعودي
أوضح المحامي أحمد بن خالد السديري أن العضل لا يجوز في الشريعة الإسلامية قائلاً: «وردت آية قرآنية صريحة تحرم العضل في الإسلام ،فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان معكم يؤمن بالله واليوم الآخر). من هذا المنطلق طعنّا بحكم القاضي أمام محكمة الاستئناف، لأنه خالف الشريعة في الحكم. وقد وردت عدة انتقادات للقاضي بناء على ما ذكر في الكتاب الكريم، وكيف أنه اتهم الطبيبة بالعقوق في الوقت الذي عانت فيه من الضرب المبرح على ايدي والدها واخوانها، ومع ذلك أصر القاضي على حكمه مما جعل القضية ترجع إلى محكمة الاستئناف».
وأشار السديري إلى أن عضل الفتيات في السعودية بدأ يظهر على السطح، «وغالباً ما تعضل الفتاة في السعودية إما لعدم تكافؤ النسب والعنصرية القبلية، أو كما في هذه القضية من أجل راتب الفتاة. هناك من القضاة من يصيب وهناك من يخطىء، وفي هذه القضية نحاول تصويب الخطأ لأنه من واجب القاضي اذا جاءته فتاة معضولة من ولي أمرها أن يكون هو وليها ويزوجها. إلا أن بعض ولاة الأمر من الآباء يتهمون فتياتهم بالعقوق، والخروج على الطاعة. من هذا لمنطلق يحكم القاضي في صالح الأب». ورأى انه في قضية الطبيبة ثبت أنها لم تخرج عن طاعة والدها، بل أنها تعرضت للضرب والاهانة والحبس، بل أنها حتى اللحظة في دار الحماية.
الطبيبة المعضولة: عشر سنوات وأنا أحارب من أجل زواجي لأنه حق لي
بدأت الحكاية منذ عشر سنوات، حينما كان لا يزال العود غضاً، والحياة مليئة بالأحلام. الطبيبة السعودية «ف». كما رمزت الى نفسها. قررت أن تحفظ كرامة والدها وعائلتها الى آخر قطرة في دمها، لذا لا تريد أن تفصح عن اسمها، طبيبة معها البورد الكندي والبورد البريطاني والبورد السعودي في الجراحة، ومع ذلك اتهمها والدها بالجنون، وأنها تعاني حالة نفسية... تقول «لم أكن أريد أن تصل حكايتي إلى وسائل الإعلام، إلا أني أخذت على عاتقي أن أكون صاحبة رسالة في هذا الموضوع، لعلني أصل بذلك الى كل فتاة عضلها والدها. أو ولي أمرها في زواجها لأفتح القضية وأنهي معاناة كل فتاة ذهب عمرها دون أن يكون لها حرية اختيار شريك حياتها وتكوين أسرة، وأيضا من أجل أخواتي في البيت اللواتي يعانين من والدي ما عانيته من قبل، وأعمارهن جميعا فوق الثلاثين، فيما بلغت أنا من العمر عتيا، فقد أصبحت في الثالثة والأربعين. وآمل طبعاً أن تحل قضيتي، ويتم زواجي من إنسان يخاف الله، وكفء لي». أضافت «ف»: بدأت الحكاية منذ زمن بعيد وتحديداً قبل عشر سنوات، عندما طالبت بحق زواجي، وبعدما رفض والدي كثيراً من الخاطبين الذين طرقوا الباب رغبة في الاقتران بي كزوجة على سنة الله ورسوله.
وفي كل مرة كان الجواب واحداً لا يتغير بتغير الأشخاص وتغير أوضاعهم المادية والقبلية والشكلية، وكل ذلك من أجل راتبي، حتى أصبحت أكره كوني طبيبة ولي راتب كبير. حتى أني كنت في أثناء الدراسة مجبرة على أن يحصل والدي على مكافأتي الدراسية ويقدم لي الفتات من راتبي وعملي». وأوضحت أن هناك من تقدم لها من القبيلة ذاتها إلا أن الرفض كان لأنه من فخذ آخر. «بعدما وجدت أن والدي يطرد كل خاطب لي ولأخواتي بحجج ليس لها أساس من الصحة، أقدمت على معاملات القضية قبل عشر سنوات في مدينة جدة على أمل أن يكون القاضي هو ولي أمري ويزوجني، ولم أكن على دراية أن سنوات من العذاب ستمر علي دون جدوى. وبالفعل جهّزت الأوراق الرسمية وكل ما يطلب مني لرفع القضية، ولكن بطريقة ما أقنعني أهلي بسحب القضية، وفي تلك المرحلة كنت لا أزال ساذجة. ومرت خمس سنوات هددت فيها بكل أنواع العذاب، والضرب، حتى تنازلت عن مسألة الزواج، وقمت بتحويل الراتب بشكل مباشر لوالدي، وأصبحت أقول له أن يزوجني من يرضى عنه هو، أياً كان، ولكن دون فائدة». مرت السنوات الخمس دون جدوى حتى قررت معاودة المحاولة مرة أخرى لتواجه بأنها مصابة بالجنون.
«لا أعلم كيف لي أن أكون طبيبة حاصلة على تلك الشهادات العلمية، ومعي ما يثبت أهليتي ليصدق القاضي مثل هذه الادعاءات. ومع ذلك واصلت القضية، بعد تعذيبي وضربي بالأسلاك والحديد، وخرجت من تحت ساطور أخي الذي رفع على رقبتي، لتكون دار الحماية هي بيتي خلال السنوات الخمس الأخيرة، وليدعي والدي أني أنا من يرفض الخطّاب، وأنه أتاني بخمسة خاطبين من أولاد عمي وأنا رفضتهم، علما أنهم لم يحصلوا على تعليم كافٍ، إضافة الى أنهم يصغرونني سنا بفارق كبير يصل إلى خمس عشرة سنة. ومع ذلك هذا كله حديث لم يكن له أساس من الصحة، وما حدث أنه تم خطبة أختي لأحد أبناء عمي مدة خمس سنوات دون أن يعلم عنها شيئاً، أو يراها، وما كان منها إلا أن قبلت بالوضع حتى لا يكون مصيرها كمصيري، ولكن دون جدوى فقد انفصل عنها بعد خطبة خمس سنوات».
«تقدم لي من هو أكثر مني حسباً ومالاً»
رفعت الطبيبة المعضولة قضيتها الثانية عندما تجاوز عمرها السابعة والثلاثين، وبعدما تقدم لها خاطب يفوقها حسباً ومالاً «بعدما طلق ولد العم أختي وضعت الأمر بين يدي والدي. قمت برفع القضية مرة أخرى بعدما تقدم لي خاطب جيد حسباً، ونسباً، وميسور الحال، بل وتنازلت عن راتبي لأهلي ولكن دون جدوى. حينها قررت المضي في القضية، بعدما نلت نصيبي من العذاب مرة أخرى وضرب الأسلاك والحبس ودخولي المستشفى خمسة أيام غائبة عن الوعي. حينها تدخلت الجهات الأمنية واحالتني على دار الحماية وهي بيتي حالياً. واصلت القضية بمساعدة المحامي أحمد السديري ليوقّع القاضي بصرف النظر عن القضية، ويتهمني بالعقوق، ويأمرني بالعودة إلى منزل والدي، إلا أني رفضت العودة بعد ما نلته من العذاب، وبعد كل الإثباتات التي قدمتها للمحكمة. حتى أن بعض الخاطبين قدموا ما يثبت أنهم تقدموا لي ووالدي رفض الزواج، مما جعل المحامي يرفع القضية الى محكمة الاستئناف التي وجهت النقد للقاضي على أن يتم حل القضية بزواجي من الرجل الذي أتى بما يثبت أنه كفء لي، وأنه مقتدر مادياً، وأنه على خلق ودين، ولكن دون فائدة».
ولفتت «ف» الى أن القاضي أصر على موقفه من القضية متهماً إياها بالعقوق، ليرجع المحامي أحمد بن خالد السديري القضية مرة أخرى الى محكمة الاستئناف التي أكدت أهلية موكلته وحقها باختيار الزوج كونها على درجة من العلم وفي سن نضج بما يؤهلها لاختيار شريك حياتها كما كفل لها الشرع والدين هذا الحق.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024