تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

قصص حبّ تنتهي في 'البالوعة'

في غضون سنة واحدة، ارتُكبت ثلاث جرائم تتطابق في التفاصيل لكن مع اختلاف الأشخاص. فقد أصبحت علاقة الحب لا تنتهي كما هي العادة وتفرضه الشرائع والقوانين أي بالزواج، بل أصبح مصيرها «بالوعات» الصرف الصحي... فهل أصبح الأمر ظاهرة ؟ وكيف وقعت الجرائم التي أذهلت دبي؟!

ارتكب شخص من الجنسية الكينية يدعى «و.أ». عمره 30 عاماً، جريمة قتل فتاة صينية تدعى « ج.أ». كان على علاقة عاطفية معها استمرّت أشهراً، وعندما طالبته بالزواج منها كنهاية طبيعية لتلك العلاقة خنقها. ولم يكتف بذلك بل ألقى بجثتها في «بالوعة» للصرف الصحي على طريق دبي-العين، بعد أن ظل يتجوّل بالجثة في شوارع المدينة ساعات باحثاً عن مكان لإخفائها فيه.
وقال المقدم أحمد حميد المري مدير إدارة البحث الجنائي في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية بشرطة دبي، الذي تولّى التحقيق مع المتهم بعد فك لغز الجريمة، إن «الضغط النفسي المتواصل من الضحية على الجاني ومطالبته بشكل متواصل بالزواج منها مع تهديدها له بإبلاغ زوجته عن علاقتهما،  وتهديدها أيضاً بإبلاغ الشرطة واتهامه باغتصابها، كانت كلها عوامل دفعت بالجاني لارتكاب جريمته».

وأضاف المقدم المري أن المتهم متزوج ولديه طفلة، حضر الى الإمارات قبل عامين فقط، وعمل مضيفا في أحد المطاعم وتعرّف على المجني عليها من خلال عملها كمندوبة مبيعات، ومن ثم نشأت قصة حب بينهما والعلاقة التي انتهت ببشاعة يوم الجريمة.
وحول أسلوب اكتشاف الجريمة قال المقدم المري: «الواقعة بدأت ببلاغ من إحدى صديقات المجني عليها أفادت فيه بعدم عودتها كالمعتاد إلى المنزل. وبناء على هذا البلاغ بدأت فرق البحث والتحرّي عملها، فجرى حصر من التقتهم المجني عليها يوم تغيّبها من خلال الاتصالات عبر هاتفها النقال، بعد التنسيق مع شركة «الاتصالات». وتبين أنها أجرت اتصالات خلال ذلك اليوم مع تسعة أشخاص، استدعيناهم للاستجواب. وكان اللافت أن الشخص الذي يحمل الرقم 7 تضاربت أقواله مع بعض المعلومات التي أدلى بها عن أماكن وجوده في اليوم الذي وقعت فيه الجريمة. وبتضييق الخناق عليه اعترف بتفاصيل جريمته كاملة، وأرشد الى مكان الجثة الذي توجه اليه فريق بحث مع الجاني وتم انتشال الجثة. وتبين أنها تعرضت للخنق قبل إلقائها في «بالوعة» الصرف الصحي».

وأوضح أن المتهم اعترف انه عندما استفزته الضحية ولخوفه من تنفيذ تهديدها له  بإبلاغ الشرطة واتهامه باغتصابها بعدما رفض طلبها الزواج، لم يشعر بنفسه إلا وهو يضغط بكلتا يديه على عنقها ويضربها الى ان سقطت جثة هامدة على مقعدها في سيارته، فظل هائماً على وجهه في شوارع دبي وهي الى جانبه لا تتحرك. وطوال تلك الفترة راح يفكر في وسيلة للتخلص منها، حتى وجد «بالوعة» للصرف الصحي في منطقة خالية من المارة، فحمل الجثة وألقاها داخلها. وبعدها عاد إلى منزله وانزوى بعيداً عن زوجته وابنته مدعيا المرض، إلى أن استدعي للاستجواب بعد ارتكابه للجريمة بأيام عدة.
وأضاف المقدم المري أن الجاني «ظل مصراً في البداية على أنه لم يشاهد الضحية منذ فترة، إلا انه عند مواجهته بأقوال أصدقائه الذين ادعى انه كان معهم يوم ارتكاب الجريمة، طلب إخلاء غرفة التحقيق من الضباط، وطلب الجلوس معي. وإذا به ينهار ويعترف انه لم يكن يوماً مجرماً ولم يكن في حسبانه أن يحدث ما حدث. وأخذ يبكي ويردد: ضاع مستقبلي ومستقبل ابنتي وأسرتي وهذا جزاء الخيانة لزوجتي!». وقد أحيل المتهم على النيابة العامة تمهيداً لمحاكمته.

جريمة مكرّرة
ولفت المقدم المري إلى أن سيناريو الجريمة نفسه نَفذه قبل أشهر شاب فيليبيني ضد صديقته ومواطنته، اذ أقدم على ضربها داخل سيارته قبل أن يكتم أنفاسها بعدما أخبرها بضرورة إنهاء العلاقة لأنه متزوج في موطنه، ولا يريد مواصلة تلك العلاقة أو الزواج منها. وفي تلك اللحظة ثارت ثائرتها وهددته بفضح علاقتهما فارتكب جريمته، وألقاها أيضاً في منطقة بعيدة داخل إحدى «البالوعات» إلى أن اكتشفها احد المارة.

الجريمة الثالثة
قبل عام تقريباً قتل آسيوي عشيقته النيبالية التي كانت تعمل مضيفة أرضية في إحدى شركات الطيران، بعدما تسلمت منه هدية عيد الحب على احد الشواطئ في دبي، حيث كانا يتنزهان. وعندما طالبته بالزواج إثناء ايصالها إلى منزلها رفض لأنه متزوج، ووقع شجار بينهما، انتهى بأن القاها في «بالوعة» صرف صحي. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد ضربها بحجر على رأسها ليتأكد من موتها، ومن ثم عاد الى حياته وكأن شيئاً لم يكن حتى تم إلقاء القبض عليه ومواجهته، فاعترف بجريمته كاملة، وهو يمضي حالياً فترة عقوبته في السجن.

ضغط نفسي وخوف
يؤكد مدير إدارة البحث الجنائي في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية بشرطة دبي أن علاقات غير شرعية تنشأ بين الضحية والجاني، وعند المطالبة بالزواج أو إنهاء العلاقة، يحدث نوع من الضغط النفسي على الطرف الأخر، ومع زيادة الإلحاح والتهديد تكون النتيجة الوقوع في الجريمة، مؤكدا أنها جرائم وليدة اللحظة وليست مدبّرة.
وبسؤاله عن اختيار «بالوعات» الصرف الصحي لإخفاء الضحية، أكد أن الجاني يكون في تلك اللحظة في حالة من عدم الاتزان ويريد التخلص بأي شكل من الإشكال من الضحية لإخفاء الجريمة إلى الأبد. وقد يكون في ظنه أن تلك «البالوعات» تستخدم دون مراقبة، ولا يفتحها أو يقترب منها المارة أو العاملون المختصون إلا في أوقات متباعدة، وبالتالي يتوقع ألا يكتشف أمره سريعاً، وفي ظنه أن الضحية قد تتلاشى داخلها، وهو طبعاً اعتقاد خاطىء لأن فرق البحث بمجرد وصول بلاغ التغيّب تبحث في كل الأماكن، وتتحرّك في اتجاهات عدة، وقد تصل إلى الجاني قبل الوصول إلى الجثة، وهو ما حدث في الجريمة الأخيرة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079