تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هشام طلعت والسكري ينجوان من حبل المشنقة

لم يكن أحد يتوقّع ما حدث، فالجلسة التي صدر فيها الحكم المفاجئ بحبس هشام طلعت مصطفى 15 سنة والسكري 25 سنة، كان يعتبرها الجميع مجرّد جلسة عادية، تناقش خلالها المحكمة الطلبات التي تقدم بها فريق الدفاع عن هشام والسكري، وقائمة الشهود التي تمّت المطالبة بحضورهم، والإدلاء بشهاداتهم، لكن القاضي فاجأ الجميع ليعلن الحكم في القضية. فما الذي حدث؟ ولماذا صدر الحكم فجأة؟ وما هو سيناريو الأيام المقبلة بعد نجاة هشام طلعت والسكري من حبل المشنقة؟ وهل سيحمل النقض، في حالة قبوله، حكمًا مخفّفًا آخر لهشام والسكري؟.

المؤكد أن الحكم الصادر ضد هشام طلعت مصطفى هو طوق النجاة بالنسبة إليه، بعدما نجا من حبل المشنقة، لكن هذا الحكم أيضاً، كما يقول المستشار محمد صفوت أستاذ القانون الجنائي، لم يعطه الفرصة للاستفادة من جميع التسهيلات، التي تقدّمها مصلحة السجون، بالعفو عن السجين بعد نصف المدة، أو احتساب سنة السجن بتسعة أشهر، وذلك بسبب كلمة «مشدّد»، التي أضافها المستشار عادل جمعة إلى العقوبة التي فرضها على هشام طلعت مصطفى، ومحسن السكري.
وحول الرأي القانوني في هذا الحكم القضائي المفاجئ، الذي صدر قبل سماع باقي الشهود، قال المستشار محمد صفوت: انتقاد رئيس المحكمة، لأنه لم يستمع إلى باقي الشهود، أمر غير وارد لأنه يحدث كثيراً أن تطمئن المحكمة للحكم دون الاستماع إلى باقي الشهود، ولم تتسرّع المحكمة في إصدار حكمها، لأن القضية سبق التصدّي لها من قبل، والقاضي درسها جيدًا، ولا يشترط أن يحدّد موعدًا مسبقًا للحكم.
أسرة هشام طلعت بدأت مشاوراتها مبكرًا، استعدادًا للنقض، وذلك بعدما أعلن المحامي بهاء أبو شقة أنه سيدرس حيثيات الحكم، حال صدورها، تمهيداً للطعن عليها أمام محكمة النقض خلال الشهور المقبلة.
الجلسة الأخيرة استمرت ثلاث ساعات فقط، انتهت بإصدار الحكم بحبس هشام طلعت مصطفى 15 سنة «مشدد»، و25 سنة لمحسن السكري بتهمة قتل سوزان تميم، وأضاف القاضي 3 سنوات سجنًا للسكري، بتهمة حيازة سلاح بدون ترخيص.
«بهاء أبو شقة»، محامي هشام، صرّح بعد الحكم بأن المحكمة أخلَّت بطلبات الدفاع، ولم تمكّنهم من المرافعة، بينما رفض فريد الديب التعقيب على الحكم.
وأعلن القاضي أن المحاكم المدنية ستنظر دعوى أسرة سوزان تميم بالادعاء بالحق المدني ضد القاتل، ورفض رئيس المحكمة دعوى عادل معتوق ورياض العزاوي المدعين بالحق المدني.

فرصة
سادت، بعد الحكم، مشادات بين الحاضرين والمدّعين بالحق المدني، وسارعت أسرة هشام طلعت مصطفى لمغادرة المحكمة بهدوء، دون الإدلاء بأي تصريحات صحافية، وانهمك اللواء منير السكري والد محسن، في انتقاد المحكمة والحكم كعادته، مؤكّداً أنه متسرّع، ومن السهل الطعن عليه. وأكّد مصدر قضائي لـ«لها» أن النيابة العامة ستدرس هذا الحكم قبل إبداء رأيها في الطعن عليه، أو إقراره، وأكد المصدر أن المتهمين، إذا قاما بالطعن على الحكم أمام النقض دون تدخل النيابة، فإنهما سيمنحان فرصة في حالة قبول النقض وإلغاء الحكم، حيث ستقوم محكمة النقض نفسها بالتصدّي لموضوع القضية، وإما أن تخفّف الحكم، أو تتركه كما هو وفي كلتا الحالتين فإن العقوبة لن تزيد.

أحداث مثيرة
كانت الجلسات الأخيرة قد شهدت أحداثاً مثيرة وكلّها كانت توحي بأن القضية قد تستمرّ في المحكمة لعدة شهور. ولم يتوقعّ أحد أن تنتهي القضية بهذه السرعة، وذلك بعد موافقة رئيس المحكمة على طلبات فريق الدفاع عن المتهمين.
وكان فريد الديب محامي هشام طلعت، قد قدم للمستشار عادل عبد السلام جمعة، رئيس محكمة الجنايات، ومعاونيه قائمة تحتوي على ثلاثة عشر طلبًا، وقام فريق الدفاع بالتوقيع على هذه القائمة، التي تطالب بإعادة سماع 22 شاهدًا بالقضية، لكن رئيس المحكمة أصابه الغضب من تصرف الديب، وطلب منه العودة إلى مقعده انتظاراً لدوره في الحديث!.
لكن فريد الديب انفعل وصمّم على موقفه، وبكل هدوء نظر رئيس المحكمة الى مساعديه، وقام برفع الجلسة، ودخل إلى غرفة المداولة برهة من الوقت، قبل أن يعود لاستئناف نظر القضية من جديد، واستلم قائمة طلبات الديب، التي كانت تبشر باستمرار نظر القضية إلى عدة شهور قادمة!.
قائمة الطلبات، التي قدمها فريق الدفاع عن هشام طلعت مصطفى، كانت تحتوي على رغبة المحامين في الاستماع، مرة أخرى، إلى شهادة علي شعيب أهلي وكيل نيابة دبي، الذي أُشيع أنه تقدم باستقالته عقب انتهاء القضية، رغم أن مصادر قضائية أكدت لـ «لها» الصعوبة البالغة التي يكتنفها تنفيذ هذا الطلب!.

بصمات مجهولة
لم تتوقف طلبات فريق الدفاع عن هشام عند هذا الحد، لكنهم طالبوا باستدعاء ضباط شرطة دبي الذين حرروا المحضر، وفحصوا مكان الحادث، وكذلك أصحاب المتجر الذي باع «التي شيرت» لمحسن السكري. أصر الديب أيضاً على استدعاء الدكتورة هبة الشمالي خبيرة الطب الشرعي، لإعادة مناقشتها في أدلة الإثبات التي قدمتها النيابة حول ارتكاب محسن السكري للجريمة، والطلبات كانت تضم أيضا استدعاء خبيرة بصمات، لمضاهاة بصمة الإنكليزي «إليكس كازاكي» على البصمات التي تم العثور عليها في مكان الحادث.
طلب الدفاع أيضا من المحكمة حصر جميع البصمات المجهولة، التي تم العثور عليها في شقة المطربة سوزان تميم، ومضاهاتها ببصمات من كانوا يحيطون بها، وقرر المستشار عادل جمعة إعلان شهود الإثبات من المصريين، لكنه لم يوضح موقف الشهود المطلوبين من دولة الإمارات.

غضب
كما شهدت جلسات المحاكمة حالة من الغضب التي انتابت المحامية «رضا»، التي تدّعي بالحق المدني في القضية، وتثير الجدل دائما بالمعلومات السرية، التي تفاجىء بها الجميع، بمن فيهم هيئة المحكمة، حيث إنها اكتشفت، من قبل، أن خبير الكاميرات، الذي استدعاه فريد الديب، يعمل موظفًا في فندق «الفورسيزونز»، الذي يمتلكه هشام طلعت مصطفى، واتضح أن هذه المعلومة، التي كشفتها «رضا»، صحيحة!.
خلال الجلسات الأخيرة أكدت «رضا» أيضاً أن كلارا محامية سوزان تميم، قضت ليلتها في فندق الفورسيزونز، وظلت تردد الكلام الذي درّبها فريق الدفاع عن هشام والسكري على قوله، وطلبت «رضا» فتح ملف الخادمة التي لقيت مصرعها في الفندق نفسه منذ سنوات، وتم اتهام شقيق سوزان تميم بهذه الجريمة قبل أن يتم حفظ القضية.
لكن النيابة كانت أكثر حسما، وبدأت تُغيِّر استراتيجيتها، ولم تعد تكتفي بمجرد ترديد مواد الاتهام، وسرد تفاصيل الواقعة، وإنما تطرّقت إلى بعض ما دار في الجلسات السابقة. وشنّ أعضاء النيابة هجومًا علي «عبد الستار تميم» والد «سوزان»، حينما بدأ حديثه عند وقوع الجريمة، باتهام هشام طلعت بالضلوع في مقتل سوزان، ثم عاد وتراجع عن الاتهام، وأكد أنه انساق وراء بعض التقارير الصحافية!.
أكدت النيابة أنها كان من الممكن أن تتهم والد سوزان بالشهادة الزور، وأضافت مرافعة النيابة: إن المحامية كلارا الرميلي أكدت أن هشام طلعت تدخل لإنهاء الخلافات بين سوزان تميم وزوجها السابق عادل معتوق، ومنحه مليونًا و250 ألف دولار.
تطرّقت النيابة إلى واقعة قيام هشام طلعت بإقامة دعوى قضائية، في سويسرا، ضد سوزان تميم طالبًا تجميد أرصدتها في البنوك، بعد أن اتهمها بالاستيلاء على أمواله.
وكانت النيابة تهدف من سرد هذه الوقائع إلى التأكيد على وجود مبررات لهشام طلعت، حتى يتخلّص من سوزان تميم!
وتطرّقت مرافعة النيابة، التي استمرّت عدة ساعات، إلى التأكيد على مواجهة تشكيك الدفاع في البصمة التي تم العثور عليها لمحسن السكري في مكان الحادث، مؤكدين أن الأطباء حسموا الأمر وأوضحوا أن البصمة لم تفسد.

اعتراف السكري
تطرّقت أيضاً النيابة إلى مواجهة وسائل تشكيك فريد الديب في أدلّة الثبوت، ومنها كاميرات المراقبة، بعد قيام الديب بمحاولة تجربة التقاط صور بالكاميرات نفسها، والتلاعب في تاريخها، ولكن التجربة التي قام بها الديب فشلت أمام المحكمة، مما أضعف موقف الدفاع عن المتهمين، وأيّد موقف النيابة العامة.
واستفاض المستشار مصطفى سليمان «ممثل النيابة»، في شرح ظروف القبض على محسن السكري، الذي سارع بالاعتراف تفصيليًا بجريمته بعد القبض عليه، وظن أنه سينجو من العقاب لمجرّد توريطه للسياسي البارز هشام طلعت في القضية، لكن السكري لم يلبث أن تراجع عن اعترافه، حينما أدرك أن توريط هشام لن يساعده على الهروب من العقاب.
وأكد المستشار مصطفى سليمان أن السكري لم يكتف باعترافه، لكنه أرشد الشرطة عن مكان مبلغ المليون و540 ألف دولار، الذي تقاضاه من هشام طلعت مقابل ارتكاب هذه الجريمة، حيث كان يخفي هذه الأموال داخل حقيبة جلدية، في الموقد الخاص به، في شقته بمدينة السادس من أكتوبر.
أكدت النيابة أن شرطة دبي قامت بعملها على أكمل وجه، وأكد الأطباء أن السكين، التي اشتراها محسن السكري، من شأنها أن تتسبَّب في الجروح التي أودت بحياة سوزان، وذلك رغم تشكيك المحامين في أن هذه السكين هي التي ارتُكبت بها الجريمة!
استعرضت النيابة أقوال الشهود، والتسجيلات التي أكدت تورّط هشام طلعت في الدفع بالسكري لارتكاب هذه الجريمة، واستعرضت أيضا تقارير الكاميرات في دبي، والطب الشرعي، وشرحت النيابة جميع الأدلة، وكأنها تبدأ القضية من جديد.
وأكدت النيابة أن محسن السكري سافر إلى دبي بدعوى إتمام صفقة مع شركة «داماك»، وتحت هذا الستار ارتكب جريمته، وادعى السكري أنه سافر إلى دبي للسياحة في توقيت آخر، رغم أنه لا توجد أي أفواج سياحية في شهر تموز/يوليو، لارتفاع درجة الحرارة!
طالبت النيابة، في نهاية مرافعتها، بإعدام محسن السكري وهشام طلعت مصطفى، ووصفتهما بـ«الشيطانين»، وفي الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر تحديد موعد الجلسة المقبلة، فوجئوا بالقاضي يعلن الحكم، لتبدأ مرحلة جديدة من تلك القضية المثيرة، التي شغلت الكثيرين في العالم العربي.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079