تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

أرادت رؤية ولديها

حكايتها مثيرة، وأحداثها بدأت في أميركا وانتهت في مدينة بورسعيد  المصرية. والآن تقضي سوزي عقوبة السجن بالأشغال الشاقة 25 سنة بتهمة الاشتراك في جريمة قتل. فقد دفعت الدكتورة سوزي عمرها وراء القضبان في سبيل البحث عن الأوراق والمستندات التي تساعدها في استرداد ولديها. الموضوع بدأ بفكرة شاهدتها سوزي في أحد المسلسلات، ولم تكن تدرك أن الأمر سينتهي بها هذه النهاية البشعة. استأجرت مجرمين لاستعادة أوراقها من شقة الزوجية، لينتهي الأمر نهاية غير متوقعة.

بعد شهور تناقش سوزي أطروحة الدكتوراة في سجن النساء، فحينما حصلت على الماجستير قبل أعوام كان الأمل يحدوها في أن تحقق حلمها في العلم، خاصة بعد انهيار حلمها الأكبر في تحقيق الاستقرار في منزل الزوجية مع شريك حياتها وأطفالها. عاشت في أميركا مع زوجها رجل الأعمال، وظنت في لحظة أن الدنيا لها وجه واحد، اسمه السعادة!
لم تكن تدرك أن هناك وجهًا شديد الشراسة، فهي لم تتخيل أن الدنيا قد تدير ظهرها في لحظة، وبالفعل أدركت أنها عاشت طوال حياتها في حلم جميل مع زوجها وابنيها اللذين أصبح أحدهما الآن طالبًا في الجامعة، ولكن هذا الحلم تبخر فجأة! كانت تخال نفسها أسعد إنسانة في العالم مع زوجها عادل الذي ارتبط بها بعد قصة حب بدأت في مسقط رأسيهما مدينة بورسعيد. وتزوجا وقرر أن يسافر معها إلى أميركا ليبدآ معاً رحلة الكفاح.
وافقت سوزي لأنها تحب دائماً أن تنحت في الصخر، وفي أميركا بدأت الرحلة الصعبة. المهمة كانت شاقة للغاية لكن بالحب والإخلاص يتحقق المستحيل. خلال سنوات قليلة تمكن عادل من تكوين مشروع كبير، وأصبح ذائع الصيت، اشترى عدة مطاعم في الولاية التي كان يقيم فيها مع زوجته. وخلال رحلتهما في أميركا أنجبا حسن وكريم، وعادا إلى بورسعيد مراراً في زيارات متقطعة.

سنوات الكفاح
اندهشت سوزي عندما طلب منها زوجها أن تستقر في بورسعيد، وأخبرها أنه سيسعى إلى تصفية أعماله في الخارج تمهيدًا للعودة نهائياً إلى مصر. طلبت أن تظل معه في أميركا الى حين انتهائه تمامًا من هذه الأعمال، لكن الزوج رفض وأصر على موقفه.
فشل الوسطاء في تقريب وجهات النظر بين الزوجين، واشتعل الخلاف بشكل لم يحدث في حياتهما الزوجية من قبل، أصر الزوج على إخضاع زوجته لأوامره، وبدأ الشك يراود سوزي في نوايا زوجها. ولكن نهاية الخلاف لم تكن في الحسبان، وبعد 18 سنة زواجًا هددت سوزي بالمطالبة بالطلاق، وبكل هدوء وافق الزوج! لم تتخيل سوزي أن يتخلى شريك حياتها عنها بهذه السهولة، ويفرّط في لحظة بكل سنوات الكفاح التي شاركته إياها، وللوهلة الأولى شعرت بالندم لأنها عاندت زوجها ورفضت الاستجابة لطلبه، وتسرعت وطالبت بالحصول على الطلاق.
لكنها عادت واستردت شتات نفسها، وتأكدت من أن زوجها فرّط بها بسهولة، فهو لم يكن يحبها بصدق، وإلا لما تخلى عنها في لحظة وطلّقها، وكان أجدر به أن يتمسك بها ويستجيب لطلبها. بدأت رحلة الخلافات بين الزوجين تسلك طريق المحاكم: الزوجة تبحث عن حقها الشرعي في رؤية ولديها، والحصول على شقة الزوجية وكذلك المطالبة بنفقة مناسبة تكفيها.
اتجهت إلى أشهر المحامين في مدينة بورسعيد وعرضت عليه مشكلتها، لكنها اصطدمت بالواقع المؤلم، اذ كانت في حاجة إلى المستندات والأوراق التي تؤيد موقفها خلال الدعاوى التي ستقيمها أمام المحاكم.
طلب منها قسيمة الزواج وشهادتي ميلاد ولديها وصور جوازات السفر للأسرة، والمستندات التي تثبت أن دخل زوجها الشهري عالٍ. أدركت سوزي أنها في ورطة حقيقية، فكل هذه المستندات داخل شقة الزوجية في بورسعيد، وهي لا تملك مفتاح الشقة!
بكل حسم أخبرها المحامي أنها لن تحصل على أي حق لها دون هذه الأوراق، فعادت إلى منزلها دامعة العينين، شاردة الذهن، لسان حالها يقول: «هل ضاع كل شيء بسبب هذه الأوراق اللعينة؟ من كان يتخيل أنني كنت سأحتاج كل هذه المستندات ذات يوم؟».
لم تنم ليلتها، ظلت تفكر في وسيلة تنقذها من هذه الورطة، فهي لم تكن على استعداد لخسارة كل شيء دفعة واحدة، لأنها فقدت موقعها في منزل الزوجية، وأرادت أن ترد الصفعة لزوجها!
أقسمت على أن تحصل على هذه الأوراق مهما كان الثمن، وبينما كانت تشاهد أحد المسلسلات استلهمت الفكرة التي تحقق لها مرادها!

خارج عن القانون
قررت سوزي أن تستأجر بعض الخارجين عن القانون ليسرقوا لها المستندات من المنزل. راقبت المكان عدة أيام، وتأكدت من أن الشقة تصبح شاغرة خلال يوم واحد في الأسبوع. فاتفقت مع اثنين من المحترفين على سرقة منزلها ورسمت لهما الخطة بدقة، حددت لهما شقة جارتها العجوز فهي المكان الأمثل للتسلّل إلى شقة الزوج، وطلبت منهما أن يشلا حركة العجوز في حالة شعورها بوجودهما. في الفجر تحرّك اللصان، اقتحما شقة العجوز واستعدا للتسلل إلى شقة سوزي التي كانت تراقب الموقف من أسفل العقار، كانت تعض على شفتيها والفضول والتوتر يكادان يقتلانها، كانت تعد اللحظات انتظارًا لانتهاء اللصين من مهمتهما!
في هذه الأثناء حدث ما كانت سوزي تخشاه، استيقظت العجوز وأحست باللصين، وتوالت صرخاتها لتستنجد بالشرطة، وبلا تردد نفذ اللصان تعليمات سوزي، فشلاّ حركة العجوز التي استمرت في المقاومة والصراخ، ولم يجدا مفراً من قتلها، ولفظت العجوز أنفاسها الأخيرة!
سارع اللصان الى الهرب دون اقتحام شقة سوزي، ولمح أحد الشهود الزوجة وهي تتحدث مع القاتلين أثناء هروبهما، واكتشفت الشرطة الجريمة، وتم القبض على سوزي وواجهها رئيس المباحث بالشهود!
لم تجد أمامها مفراً من الاعتراف بتخطيطها للجريمة، لكنها أكدت أنها كانت تسعى وراء حقها، وكان يهمها أن ترى ولديها اللذين حرمهما والدهما من رؤية الأم!
أكدت أنها كانت تسعى وراء الأوراق الرسمية التي تضمن لها حقها دون أن تضرّ بأحد، لكن لم يكن هناك مفرّ من قتل العجوز لأنها وقفت أمام إتمام المهمة، فقد اعتقد اللصان أنها شاهدت ملامحهما وقررا قتلها فوراً خشية افتضاح أمرهما.
قررت محكمة الجنايات حبس القاتلين، وقضت بالسجن 25 سنة على سوزي التي فقدت كل شيء،: قاطعها ولداها، ولم تفلح في الحصول على النفقة أو أي حق من حقوقها.
تقول سوزي: «قررت أن أطوي هذه الصفحة من ذاكرتي، ولا سبيل أمامي في السجن سوى إتمام الدكتوراه، فلم يبق لى سوى المناصب العلمية التي ستعوضني عن كل شيء فقدته في حياتي».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077