تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

دلال، وما أكثر الإذلال!

ح. د.، حرفان لم يضع ذكرهما المستتر الحدّ لمأساة صاحبتهما.
«منذ خمس سنوات خطف بناتي الثلاث في عيد الأم ... منذ خمس سنوات وأنا أمضي أيامي بحثاً عنهن ... منذ خمس سنوات وأنا أنتظر آملة عودتهن ... »، عبارات موقّعة بحرفين قرأتها في كتاب «وراء الأبواب»  الذي تصفّحته عند مدخل مبنى منظمة المرأة «كفى». سؤال واحد ضجّ في ضميري، هل يعقل؟ سألت عن تلك المرأة، هل هي قصة حقيقية أم من نسج السجال الحقوقي ؟ وكان الجواب، دلال ح. التي روت ل«لها» ظمأها للقاء أطفالها ... رسالة علّها تصل ونتواصل.

... أصمّم بطاقات الأعراس وصديقتي، مراهقة في عمر السادسة عشرة كنت أحلم بيوم زفافي أنا أيضاً.

من بلدة جنوبية ومقيمة في بيروت حيث تعرفت على خياط من خلال زميلي في العمل. تقرّب مني وقرّر الإرتباط  بي بعدما طرق باب منزلي. دامت خطوبتنا عشرة أيام وكان يكبرني بعشرة أعوام، لم تكن مُهلة كفيلة بمعرفة معمّقة. تروي إمرأة الأربعين ربيعاً التي تبدو في الستين كما تقول هي. هي دلال ح.

والده رجل طيب لكن والدته زعيمة الرذيلة هي وشقيقتها. لم أكن أعرف أنهما مزواجتان، تعشقان المال، يسلبان الرجل ما لديه وترميانه لاحقاً.

سكنت بجوار عائلته في غرفة صغيرة. وقد استاءت والدتي من أسلوب عيشي، فقرّرت أن تقرضنا حساب شقيقي الشهيد المصرفي لكي نتمكن من بناء منزل متواضع على أرض تملكها عائلته.

حملت بإبني الأول، الذي يبلغ 22 ربيعاً اليوم. وبدأت دوامة الألم. إكتشفت أن تلك العائلة تقتات من السرقة الليلية والإحتيال. رفضت مجاراة حياتهم والصمت وجوبهت بالضرب والتعذيب. أذكر أنني خرجت وحماتي في أحد الأيام للتبضّع. دخلت غرفة تبديل الملابس في بوتيك وخرجت يديها فارغتين. وضعَت الملابس داخل حقيبتها وللتمويه غطّتها بأغراضها. لم تكن حينها المتاجر مجهزة بإنذار السرقة وهذا كان من حظ حماتي. حين إكتشفت أمرها هدّدتها بتبليغ البوتيك، فانهالت عليّ بالضرب بشكل وحشي. يسرقون كل شيء، لقد جنى سلفي الكثير من السرقة لكنه اليوم في السجن. لم تكن حماتي تسأل أولادها عن مكان الغنيمة بل ماهيتها وقيمتها.

أنجبت منه صبياً وثلاث بنات. يبلغون اليوم على التوالي، 22عاماً و17 عاماً و16 عاماً و15 عاماً.

أبي لا يعترف بقرار الطلاق. إنفصلت عن زوجي السابق مرة لكنني عدت إليه مكرهة حين إكتشفت أنني حامل بطفلي الثاني. من سيمنحه إسم عائلة ؟ وأنجبت عذاب في كنف تلك العائلة. عمّتها هي من أطلقت عليها هذا الإسم الحزين رغم إصراري على تسميتها مايا. ورغماً عنّي بدلوا إسمها مثلما فعلوا بإسم إبنتي الصغرى غنوة التي أمست منى، تيمناً بزوجة طليقي الحالية «منى» بناء على طلب حماتي.

كانوا يخافون والدهم كثيراً. وأنا أيضاً كنت أرتجف خوفاً منه. كذلك نظيرتي، زوجة شقيقه المسجون والتي حصلت على الطلاق أخيراً بعد أن عرفت كل أنواع المعاناة، من ضرب وإهانة وأسلوب عيش غير أخلاقي. أذكر بأنني قلت لإبنها ممازحة بأن والده توفي في السجن، فردّ جازماً لقد تخلصنا منه أخيراً. طالبت بالطلاق مراراً وهدّد بحرماني من أولادي والتعذيب. كان يضعني في ملجأ منزل شقيقته موثوقة اليدين في العتمة لأنني كنت أنتفض على أسلوب عيشهم وأطالب بأولادي بعيداً عن أجوائهم القذرة. لم تنصفني المحاكم الدينية التي تؤيد الرجل على الدوام. رغم أنه رجل لا يليق به تربية فتيات وحتى الصبي. كان يحتسي الكحول ويضعها إلى جانب طعام أطفالي ويجلب بائعات الهوى إلى المنزل. تحدّيتهم جميعاً لكنني كنت سجينة الواقع، تسلّط الزوج وهاجس الطلاق المرفوض. تعرّضت لمزيد من العنف. كان يكبّلني داخل كنبة وينكر وجودي أحياناً حين يسأل عني أحد أفراد عائلتي، كما أنه كان يزجني في زاوية المنزل وينهال عليّ بالضرب حين أعارض سلوكه. مضت السنوات وكبرت بناتي الثلاث، قرّرت الرحيل. كان يتشارك الفراش وصديقته العربية على مرأى من عيني. طالبت بأولادي مجدداً، عملت مجدداً في مطبعة لبطاقات الأعراس كذلك كنت أطهو، حصلت على الطلاق وأسكنت أطفالي معي. لكن سفري إلى سورية لزيارة المقامات شكّلت الكابوس الأكبر في حياتي. لقد خطف بناتي وحين باغتّهم في منزلهم تعرّضت للضرب حتى فقدت وعيي، وحين نهضت وجدت نفسي في مكبّ للنفايات. لم أكن أملك حينها المال الكافي لزيارة عيادة طبيب شرعي. من محكمة إلى أخرى، حصلت على حق رؤية أطفالي لكنه إختفى.

وقد أطلعتني صديقة إبنتي على الفاجعة ! لقد إعتدى والدها عليها. سألتها صديقتها لم أنت شاحبة اللون ودامعة باستمرار، أخبرتها بما إقترف والدها. لقد هدمت هذه الحادثة عزيمتي، ثم أعقبتها جريمة أخرى. لقد إستوفى ديناً قيمته 600 $ حين «أعار» إبنتي الصغرى لإبن خالته لأكثر من أسبوع. أصبت بمرض شديد وحالة نفسية وسط ذهول. وحين تداركت ألمي أقمت ضدّه شكوى في النيابة العامة في بعبدا وفي مخفر حبيش. لم يأخذوا كلامي على محمل الجد وأعلموني بأن مصيري السجن لمدة ستة أشهر إن كنت أدعي إفتراء الوقائع التي قدّمتها. لكن الشكوى أسقطت، فقد علمت أن جدّتها دفعت المال لقريب لكي يتزوج إبنتي لمدة ساعات وتنقذ إبنها من ضحيته، إبنتي. حصلت على الكثير من الأحكام لصالحي، لكنه إختفى.

أعيش اليوم على أمل لقائهم، أفتقدهم جداً وإبني حسن الذي تزوّج. أسكن معه المنزل نفسه والألم نفسه الذي دفعه إلى محاولة الإنتحار مرتين.

أحبكم كثيراً ولا تصدقوا ما تقوله جدّتكم ولا والدكم...

والدتكم دلال.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079